الشرق الاوسط
أعتقد أننا قد نكون مررنا خلال الأيام القليلة الماضية بلحظة انعطافية مهمة في مسار المعارضة السورية، أرجو أن تنعكس بردا وسلاما على الشارع الثائر، المقيم منه والمهاجر، المقاتل بالسلاح والمناضل بالكلمة، وأن تفضي إلى توحيد مواقفه وآرائه، وتخلصه من نقط ضعف هيكلية شابت بالأمس وتشوب اليوم أيضا نضاله وبنيته، وأثرت بصورة جد سلبية على أنشطته.
مررنا في لحظة انعطافية أتمنى أن تكون قد تكللت بالنجاح، لأن لقاءات إسطنبول أفضت إلى استكمال تمثيل المعارضة السياسية والمقاومة العسكرية داخل الائتلاف، في إنجاز أرجو أن يعود بالخير والنفع على شعب الثورة والتضحيات، الذي لا بد أن ينتقل تمثيله من خلال الائتلاف إلى مرحلة جديدة تعبر عن وحدته من خلال التفافه حول ميثاق وطني تقره مختلف أطياف المعارضة، الراغبة في العمل ضمن توافق وطني جامع يعينها على تخطي خلافاتها وتناقضاتها، مع احترام حقها في التعبير عما تختلف عليه عبر أنشطتها الخاصة، المجسدة لهويتها الحزبية والتنظيمية، على أن تعمل لتوسيع هوامش ومساحات ما هو مشترك، ولتضييق هوامش المختلف عليه، ولإعادة إنتاج سياساتها ومواقفها في ضوء المشتركات التي يجب أن يزداد باطراد نصيبها من أنشطتها النظرية والعملية، التي لا بد أن تقوم على تفاعل تواصلي يفضي إلى تكامل متعاظم وجدي بين أطراف العمل الوطني السوري، يعينه على تجاوز خصوصياته الضيقة، ويدمجه بصورة متعاظمة في عمومية تنتج بيئة جامعة تقرب المسافات بين المختلفين، وتدخلهم في منطق وحدة في المنطلقات وسبل العمل وآليات تنفيذ السياسات وبلوغ الأهداف.
لم يكن هناك غالب ومغلوب في إسطنبول: كان هناك رابحون فقط؛ لأن وحدة الصف السياسي الوطنية، والشراكة مع الجيش الحر: القوة الرئيسة في الصف المعارض والمقاوم، لن، ولا يجوز أن تكون لصالح طرف بعينه مهما كان حجمه ووزنه، ويجب أن تكون للجميع بغض النظر عن أوزانهم وحجومهم. ولأن من يحاول احتكار ما حدث أو استغلاله لصالح كتلة أو تجمع أو شخص، سيقترف خطأ فادحا بحق جميع أطياف العمل الوطني السوري والشعب الثائر، ليس فقط لأنه سيسهم في إطالة أمد الكارثة الوطنية التي تعيشها بلادنا، وعلينا أن نعمل متعاونين متكاتفين كي ننهيها في أقرب وقت ممكن، بل لأن من المحال أن يتمكن طرف بعينه من إنهائها بمفرده: عبر هزيمة يلحقها بالنظام، في حين سيفضي انفراد أي تيار أو حزب أو شخص بالسلطة عقب سقوط النظام إلى حرب أهلية ستدمر ما لم تدمره وحشية النظام السوري بعد.
سيربح الجميع من التمثيل المتكامل، الذي سيحترم مصالحهم كما يحددونها هم في إطار الحاضنة الوطنية العامة. وسيربح الجميع أيضا من وحدة المواقف المتوافقة، التي يجب أن تستند إلى ميثاق عمل وطني جامع من الضروري أن يبدأ الائتلاف مشاورات وحوارات فورية حوله، تضم الجميع دون أي استثناء أو استبعاد، على أن يتم إقراره في أقرب وقت، كي ترسم في ضوئه سياسات موحدة وملزمة للجميع، وننظر جميعا في اتجاه واحد، ونسير بطرق واحدة أو متقاربة نحو أهداف ومرام موحدة.
سيكون انضمام «القائمة الديمقراطية» والحراك الثوري والجيش الحر إلى الائتلاف من دون معنى أو فائدة إذا لم نقلب صفحة الانقسامات والحسابات الضيقة، التي جعلت أطرافا مهمة في المعارضة ترى المسألة السورية بدلالة أحزابها ومواقفها الخاصة، بدل أن ترى نفسها ومواقفها بدلالة مسألة سوريا التي يستحيل أن يعبر أي طرف بمفرده عنها، وأن يمثلها بطريقة تجعله قادرا على الانفراد بقيادتها. لهذا السبب، الذي يتوقف عليه ربح وخسارة معركة الحرية في سوريا، من المحتم بعد اليوم أن يقلب الجميع صفحة الماضي، ويبحثوا عن المشتركات التي سبق لها أن ضمت بعد عام 2000 الإسلاميين إلى الديمقراطيين والقوميين والليبراليين والاشتراكيين… إلخ، ولا بد أن تضمهم اليوم وفي المستقبل أيضا، وأن تكون منارتهم وهاديهم خلال الفترة الانتقالية، وإلا فإن انقساماتهم وخلافاتهم الراهنة ستعود بالمكاسب على النظام، وبالهزيمة على الشعب والمعارضة.
أنا أميل إلى الاعتقاد بأن أحدا في سوريا من المعارضة والجيش الحر والشعب لن يقبل هذا، وأنظر بتفاؤل إلى الحقبة القادمة، إن خلصت النوايا وصحت العزائم، وبدأت المعارضة والمقاومة السير على طريق وحدة لا شك في أهميتها لحسم الصراع لصالح الحرية والشعب السوري الواحد والدولة السيدة والمستقلة!