لبنان ليس لبنانكَ وحدك يا محمد رعد

جمانة حدادjoh

تذهلني الطريقة التوتاليتارية التي يقرر بها بعض الأطراف ما هو لبنان ودوره ومعناه، بأسلوب الجزء الذي يختصر الكلّ ويمثّله، كما لو أن هذا الطرف أو ذاك حاصل على عقد ملكية في البلد يخوّله أن يصنع منه وبه ما يشاء؛ كما لو أن الأطراف الآخرين ليسوا موجودين في هذا البلد، أو أنهم محض ملحقات، لا شأن لهم ولا اعتبار مستحَقاً في هذه الأرض. يذهلني هذا المنطق، أقول (المقصود فعلٌ آخر)، لأني على حد علمي مواطنة لبنانية، “يسواني ما يسوى غيري”، ويدفعني هذا الى التوهّم أني شريكة فاعلة فيه ولي الحق في الرأي المغاير. لكني على خطأ طبعاً، وأعي ذلك خصوصاً عندما أسمع الكلام الذي أتحفنا به أخيراً النائب محمد رعد (إصبعه المرفوعة باتت على ما يبدو ماركة مسجلة لـ”حزب الله”)، حول ماهية لبنان، اذ قال: “قبل زمن المقاومة كنا ننظر إلى الخريطة الدولية والسياسية والجغرافية ولم نكن نر لبنان بسبب مساحته الصغيرة لأنه لم يكن له دور. كان تابعاً ومحل عقد صفقات وساحة لتمرير تبييض الأموال. لكن الآن يجب اقامة لبنان الجديد الذي ينسجم مع وجود مقاومة فيه”.

ممتاز. لِعلم محمد رعد وخبره، كان لبنان في الخمسينات والستينات والنصف الأول من السبعينات موجوداً جداً على الخريطة العالمية، بصفته منارة حرية وخلق ومختبراً ثقافياً رائداً في المنطقة: فأين هذا اللبنان الآن؟ شفطتموه أنتم ومن يشدّ على مشدّكم يا أستاذ. لِعلم محمد رعد وخبره، لم يكن لبنان في تاريخه محلاً لعقد صفقات مثلما هو الآن، ولا “تابعاً” مثلما هو تابع الآن: لِمَن؟ أثق أن رعد وأمثاله (من الأطراف كافة) سيجدون الجواب بسهولة في دفاتر شيكاتهم. أما الحديث عن تبييض الأموال وسواها من مظاهر الفساد فنكتة بالتأكيد، لا تخفى سخريتها إلا على الذين لا يعرفون ماذا يدور في الكواليس، ويصدّقون خبرية الأيادي البيضاء.
لبنان الجديد الذي تتكلم عنه يا سيد رعد هو لبنان الغلبة والكذب والسرقة والرياء والخبث والعنف والترهيب واللاتسامح. هو لبنان المرتزق لدى أنظمة مجرمة، يبذل دماء شبابه في سبيل بقاء طغاتها، وهم طغاة لا علاقة لهم بفكرة المقاومة بل كانوا على وفاق سريّ ومعروف مع العدو الإسرائيلي. لكن مهلاً، لبنان ليس لبنانك وحدك: هو لبناني أنا ايضاً، ولبنان آخرين لا يقلّون عنك مقاومةً (لكنهم يتنطحون باسمها اقلّ منك).
لعلّكَ ترانا إذا زحتَ تلك الإصبع من أمام عينيكَ.

joumana.haddad@annahar.com.lb

منقول عن النهار

 
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.