ورد لنا سؤال من الأستاذة ميرا حنا تسأل فيه عن دم المسلم ودم غير المسلم إن كانا يتساويان فى القصاص وهل يقتل مسلم بغير المسلم قصاصاً فى القتل العمد مثل حالة القتل المتعمد للقس سمعان شحاتة رزق الله بالمرج القاهرة وهل فعلا النبى محمد قال لا يقتل مسلم بكافر ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول :-
بداية بتوفيق من الله وإرشاده وسعياً للحق ورضوانه وطلباً للدعم من رسله وأحبائه نصلى ونسلم على كليم الله موسى عليه السلام، وكل المحبة والسلام لكلمة الله المسيح له المجد فى الأعالى، وكل السلام والتسليم على نبى الإسلام محمد ابن عبد الله كما نصلى ونسلم على سائر أنبياء الله لا نفرق بين أحداً منهم —– اما بعد———-
بداية نحن نتكلم عن القتل العمد من مسلم على انسان غير مسلم فيخرج القتل فى الحرب والقتل الخطأ من موضوع الفتوى والسؤال ، حيث أن الأخت ميرا تسأل عن حكم قتل المسلم لغير المسلم عمدا فى غير زمن الحرب ، وبداية فإن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق كبيرة من أكبر الكبائر وجريمة من أعظم الجرائم، فقد قال الله تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) {الإسراء:33}. والنفس هنا تعم كل البشر مسلم وغير مسلم
وقال تعالى: ( مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) {المائدة:32}. الآية هنا ايضا تؤكد بكلمة نفسا والناس بأنها تشمل كل البشر
ولأن غير المسلم فى غير الحرب محقون محفوظ الدم والعرض والمال في الإسلام، فلا يجوز الاعتداء عليه بأي حال ، لأنه نسل آدم وحوا فكلنا إخوات ومن مخلوقات الله ، لا يملك أحد عقابه أو حسابه هو أو المسلم بغير حق ، لأن هذا حقاً خالصا لله وحده هو يعلم مَن الصالح ومَن الطالح وإن كان ملحدا —-، فإذا كان الإسلام قد حرم الاعتداء على الحيوان عمداً بدون سبب، حيث قال النبي( ص ):( ما من إنسان قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها ).. الحديث رواه النسائي والحاكم ، — فما بالك بالإنسان العاقل الذى كرمه الله بالعقل بقوله تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الإسراء: 70
فالتكريم واضح لكل بنى آدم وايضا كما قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة مع شرحه: وقتل الغيلة ( أى العمد والغدر ) لا عفو فيه لا للأولياء ولا للسلطان ولا للمقتول أيضاً ولو بعد إنفاذ مقاتله، ولو كان المقتول كافراً والقاتل مسلماً، لأن قتله على هذا الوجه في معنى الحرابة، والمحارب بالقتل يجب قتله ولو بعبد أوكافر أو من أهل الكتاب ، فالقتل للقاتل دفعاً للفساد في الأرض ، وهو حق لله لا للآدمي، وعلى هذا فيقتل المسلم بغير المسلم حداً.
وقد استدل المالكية لمذهبهم هذا بآثار كثيرة منها ما رواه البيهقي أن النبي ( ص ) رفض قبول عذر الحارث بن سويد الذي قتل المجذر بن زياد وهو غير مسلم غيلة أى عمداً وغدرا ..
وأما مسألة قتل المسلم بغير المسلم غير المحارب ، فمما اختلف فيه أهل العلم، فمذهب الشافعية، والحنابلة أنه لا يقتل المسلم بغير المسلم ، وذهب مالك والليث إلى أنه لا يقتل به إلا أن يقتله غيلة، وذهب النخعي، والشعبي، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة إلى أن المسلم يقتل بالذمي خاصة ، أى أهل الذمة ——, ورغم إحترامنا لكل هؤلاء الفقهاء ، إلا أنهم جانبهم الصواب فى التفسير والإستدلال ، فمنهم من فسر بعض الآيات تفسيراً خاطئاً فى قول الله تعالى: {ومَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ} [غافر: 58]. وقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]. وقوله عز وجل: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28]. وقوله سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35ـ 36] ص ق . فقد فسروا للأسف هذه الآيات للإستدلال على عدم مساواة المسلم بغير المسلم فى القصاص بالدنيا وهو تفسير خاطىء تماما ، لأن الآيات تتكلم عن الحساب والفرق بين المؤمن وغير المؤمن يوم القيامة ، لأن الله وحده هو الذى يعلم من المؤمن ومن غير المؤمن، ولا أحد منا يملك وكالة عن الله —، وايضا هناك من إستدل بقوله تعالى (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف) على اعتبار أنه لا مؤاخاة بين المسلم وغير المسلم ، وهذا قولا فاسداً لأن كل البشر على إختلاف عقائدهم هم إخوة من آدم وحوا –، ومنهم من إستدل بحديث منسوب للنبى (ص) قوله «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ـ فإن أبوا الإجابة إلى الإسلام، دعوهم إلى الذمة إن كانوا ممن تقبل منهم الجزية، فإن أجابوا كفوا عنهم»—؛ ولأن الحديث منقطع السند فيكون غير صحيح ولا يجوز جعله سنداً لحكم صغر أو كبر ، ومنهم ايضا من إستدل بحديث ايضا منسوب للنبى رواه البخارى عن مطرف سمعت الشعبي يحدث قال: سمعت أبا جُحيفة قال: ( سألت علياً (ض) هل عندكم شئ مما ليس في القرآن؟ وقال ابن عيينة: مرة ما ليس عند الناس. فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهماً يعطى رجلٌ في كتابه، وما في الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة قال: العقلُ، وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر” ) ولأن هذا الحديث ايضا منقطع السند فلا يجوز جعله سندا لحكم ونتحدى أن يأتينا أحد بسند كامل لهذا الحديث أو مصدر ثابت له لعدم وجود مخطوطة لكتاب البخارى المذعوم ايضا المسيحى واليهودى هما أهل كتاب ولاينرجوا تحت مسمى كافر —، ومنهم من إستدل بحديث ايضا منسوب للنبى (ص) رواه الأمام أحمد وأبو داود قول النبي(ص) : “(المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ولا يقتل مؤمن بكافر ) وهو ايضا حديث منقطع السند وبلا مصدر ثابت لايمكن جعله سند لحكم شرعى
وأما التمييز بين الناس باعتبار الجنس، أو السلالة، أو النسب، أو الوطن، أو اللون، أو الوظيفة، وما أشبه ذلك، فهذا هو الذي يأباه الحق، ويرفضه الإسلام؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
ونحن نرى أن المسلم يقتل بغير المسلم قصاصا فى غير الحرب والقتل الخطأ ، ذمى كان أو غير ذمى معاهد أو غير معاهد مادام مسالماً ، لأن دمائهم تتساوى لقوله تعالى فى سورة البقرة آية 178(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ..) وهذا عام في كل قتيل دون النظر لعقيدته ، فلفظ القتلى هنا لم يفرق بين مسلم وغير مسلم ومن يقول بغير ذلك هو لا يرغب فى تطبيق شرع الله بل تطبيق شرع الشيطان لخلل فى النفس فأحذروهم ، وأما من قال ذلك بدون قصد وبالخطأ فى الفهم والتفسير فسوف يحاسبه الله على الإستخفاف بدماء خلقهِ وتصديه للرأى والفتوى بلا ادراك وأدلة قاطعة مؤكدة …
هذا وعلى الله قصد السبيل وإبتغاء رضاه
الشيخ د مصطفى راشد عالم أزهرى وأستاذ للشريعة ورئيس الاتحاد العالمى لعلماء الإسلام من
أجل السلام
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهرانبقلم مفكر حر
- #خامنئي يتخبط في مستنقع الهزيمة الفاضحة في #سوريابقلم مفكر حر
- العد التنازلي والمصير المتوقع لنظام الكهنة في #إيران؛ رأس الأفعى في إيران؟بقلم مفكر حر
- #ملالي_طهران وحُلم إمبراطورية #ولاية_الفقيه في المنطقة؟بقلم مفكر حر
- بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديثبقلم آدم دانيال هومه
- آشور بانيبال يوقد جذوة الشمسبقلم آدم دانيال هومه
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستاتبقلم مفكر حر
- أفكار شاردة من هنا هناك/60بقلم مفكر حر
- اصل الحياةبقلم صباح ابراهيم
- سوء الظّن و كارثة الحكم على المظاهر…بقلم مفكر حر
- مشاعل الطهارة والخلاصبقلم آدم دانيال هومه
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهران
أحدث التعليقات
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر