كامل النجار
لا شك أن المتعلمين من المسلمين والذين قرءوا سيرة نبي الإسلام قد بدءوا يتململون من الروائح الكريهة التي بدأت تصدر من تلك السيرة بعد أن كشف عنها الغطاء بعض الكًتاب الذين انتقدوا الإسلام وسيرة رسوله ونبيه محمد. ومن ثم بدأ بعض القرآنيون محاولة تعطير تلك السيرة ورش ماء الورد على فصولها. وقد بدأت المحاولات في أمريكا على يد طبيب مسلم من أصل هندي، اسمه شانفاز، حاول أن يبرهن بأن محمداً لم يتزوج عائشة في سن التاسعة، وإنما كان عمرها ثمان عشرة سنة عندما تزوجها. وروّج بعض الشيوخ لهذه اللعبة، وكان منهم الشيخ جمال البنا الذي كال الثناء على الشاب المصري الذي سرق هذه القصة ونسبها إلى نفسه.
والآن أخذ بعض القرآنيين زمام الأمور وحاولوا تهذيب وتلميع صورة محمد عن طريق ليّ عنق آيات القرآن وإعطائها تفسيرات من عندهم. من هؤلاء الملمعين لصورة محمد السيد محمد فادي الحفار، الذي تكرم بالمشاركة في نقاش مع مجموعة “بيت المرأة اللادينية” بدعوة من السيدة الفاضلة فينوس صفوري، المشرفة على الموقع، من 19-21 مارس الماضي. وقد لف ودار السيد محمد فادي في نقاشه مع السيدات اللادينيات وأتى بتفاسير تناقض صريح روح القرآن. وحتى يبعد قصة زواج الطفلة عائشة نهائياً عن السيرة وينفي أن محمداً كان بيدوفايل، قال إنه لا يؤمن مطلقاً أن محمداً قد تزوج أكثر من زوجة واحدة. فرديت عليه بهذا التعقيب (أستاذ محمد إني أجد صعوبة بالغة في الحوار معك إذ أنك تأتي بتصريحات تخالف ما نعرفه عن القرآن. فأنت مثلاً تقول (أنا لا اعترف بأن محمد قد تزوج بأكثر من واحدة). والقرآن يقول (يا أيها النبي قل لأزواجك) وهذا يعني أنه كان له أكثر من زوجة واحدة.)
رد عليّ السيد محمد فادي بقوله (وأما الآية التي ذكرتها لي فتقول ((( يا ايها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين امتعكن واسرحكن سراحا جميلا ))) …. فما هو دليلك هنا بأن هذه التالية الكريمة تتحدث عن محمد ( ومع تأكيدي هنا بأن محمد لم يكن نبي ) ونحن نعلم بأن القرآن تحدث عن الكثير من الأنبياء وانه جاء ليخبرنا عن أحوالهم…. ناهيك عن أننا نعلم بما لايدع مجال للشك ومن الكتب التي سبقت القرآن بأن بعض الأنبياء كداود مثلا كان عنده 99 زوجة؟؟؟؟ فكيف تنسب هذه الآية لمحمد ومع العلم بأنه ليس نبي ولاتنسبها لداود والذي كان نبي؟)
يتضح من هذا الرد أن السيد محمد فادي الحفار يتشبث بالفرق بين كلمة (نبي) وكلمة (رسول)، وهو هنا يحاول شق الشعرة، كما يقول الإنكليز. القرآن، كعادة كاتبه، لا يلتزم بنفس المعنى للكلمة في كل الآيات التي تتحدث عن نفس الموضوع، أي السياق كما يقول المسلمون. نجد القرآن مثلاً عندما يتكلم عن الإماء يقول (فإذا أُحْصِنّ فإن أتين بفاحشةِ فعليهن نصف ما على المحصنات من عذاب) (النساء 25). أي الأمة عندما تتزوج إذا زنت عليها نصف ما على الحرة من عذاب. ثم يقول (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) (النساء 25). وواضح هنا أن كلمة المحصنات لا تعني المتزوجات وإنما تعني الحرائر لأن المؤمن لا يجوز له أن ينكح امرأةً متزوجة. فالقرآن يستعمل ركلمة المحصنات لتعني المتزوجات وكذلك لتعني الحرائر سواء أكانت متزوجة أو عازبة.
وعندما نأتي إلى كلمة النبي، التي حاول السيد محمد فادي الحفار نفيها عن محمد وقال إنه لم يكن نبياً وإنما كان رسولا، نجد أن القرآن استعمل عبارة (يا أيها النبي) ليخاطب بها محمداً 25 مرة.
(إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا) (آل عمران 68)
(إن الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) (الأعراف 157) فالنبي الأمي هو محمد بدون أي شك رغم أنه قال الرسول النبي.
(يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون) (الأنفال 65)
ثم لما علم أن بالمؤمنين ضعفاً ولا يستطيعون أن يغلب كل منهم عشرة رجال، قال لهم
(الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) (الأنفال 66). فلا يمكن أن يكون القرآن هنا يتحدث عن نبي سابق لأنه قال (الآن خفف الله عنكم) والآن تعني زمن محمد ولا تعني زمن داود
فواضح من هذه الآيات أن المخاطب هو محمد وليس داود كما يقول السيد محمد فادي الحفار لأنه لا يُعقل أن يخاطب رب القرآن داود الذي كان قد مات قبل أكثر من ألف سنة قبل ظهور محمد، ويتجاهل محمداً عندما يقول يا أيها النبي.
وإذا أراد السيد محمد فادي الحفار زيادةً في التوكيد على أن النبي المقصود هو محمد، فالقرآن يقول له
(ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون أُذنٌ قل أذنٌ خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمةٌ للذين آمنوا منكم) (التوبة 61). فكلمة “منكم” تعني أنه كان يخاطب المؤمنين في يثرب، وبما أنه قال يؤذون النبي، فهو حتماً كان يقصد محمداً وليس داودَ.
ثم يؤكد لنا القرآن أكثر بأن النبي المقصود هو محمد عندما يقول:
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العُسرة) (التوبة 117). فهل كان في زمن داود أنصار ومهاجرون؟ ثم لنأكد له أكثر نذكر الآية 56 من سورة الأحزاب
(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). فهل يصلي المؤمنون ويسلموا على داود أم على محمد؟ فإذاً عندما يقول القرآن (يا أيها النبي) فهو يقصد محمداً
ثم نأتي الآن إلى النقطة المهمة التي حاول من خلالها السيد محمد فادي الحفار نفي تهمة البيدوفيليا عن محمد عندما قال إنه لا يؤمن أن محمداً قد تزوج بأكثر من امرأة واحدة. فبعد أن أثبتنا أن كلمة (النبي) المقصود بها محمداً وليس أي نبي آخر، نجد القرآن يقول لمحمد
(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناءه ولكن إذا دُعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أظهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً) (الأحزاب 53)
وهذه الآية تبين لنا نقطتين خالفهما السيد محمد فادي. النقطة الأولى هي أن بيوت محمد كان بها عدة نساء. فإذا كان محمد لم يتزوج إلا واحدة فقط، من هن النساء الأخريات؟ هل كلهن كن إماء؟ والنقطة الثانية أن القرآن يخاطب محمد في نفس الآية بكلمة النبي، وكلمة رسول الله. فإذاً محمد كان نبياً
ثم ماذا عن هذه الآية (إذ قالت طائفةٌ منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة) (الأحزاب 13). فهل هناك يثرب غير يثرب المعروفة في زمن محمد؟ فإذاً عندما تقول الآية (ويستأذن فريق منهم النبي) يكون المقصود هو النبي محمد، سواء أكان رسولاً أم لا
ثم نأتي للآية المهمة (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفنى فلا فلا يُذين) (الأحزاب 59). إذاً محمد كان له عدة أزواج.
ثم يردف القرآن (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاًُ) (الأحزاب 28)
وكذلك (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشةٍ مبينةٍ يُضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا) (الأحزاب 30)
وكذلك (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا) (الأحزاب 32)
وأكثر من ذلك يقول القرآن (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي أتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك) (الأحزاب 50). إذاً محمد كان له عدة أزواج وإماء مما ملكت يمينه.
وللتأكيد أكثر يقول القرآن للمؤمنين (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) (الأحزاب 60). فحسب علمنا أنه لم يكن هناك مهاجرون في المسيحية ولا مهاجرون زمن داود وسليمان. ونحن نعلم أن المسلمين يعتبرون أزواج النبي أمهاتهم فيقولون (أم المؤمنين عائشة).
وأخيراً يقول القرآن (يا أيها النبي لِمَ تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك) (التحريم 1).
فإذاً لا جدال هنا أن محمداً كانت له عدة أزواج حسب آيات القرآن المذكورة أعلاه. وعليه فإن محمداً كان مزواجاً وأصغر زوجاته كانت طفلة تزوجها وعمرها ست سنوات، ودخل عليها وافتضها وهي بنت تسع سنوات. هل يمكن تجميل مثل هذه السيرة غير العطرة؟