شغل “الموقف هذا النهار” الذي نُشِر قبل أيام تحت عنوان “شريك مجهول يحمي نظام الأسد”! عدداً من المهتمين. فبعضهم المؤيد للنظام اعتبره مفيداً إذ يوحي أن أميركا هي الشريك وأن الأسد تبعاً لذلك لن يخسر. أما بعضهم الآخر المعارض له فلم يرتح له رغم التأكيد في نهايته أن النظام انتهى، وأن الأسد قد يبقى زعيماً لأقلية على جغرافية سورية محددة.
دفع “الموقف” المذكور، متابع أميركي صديق، للملف السوري إلى إرسال رأيه في السياسة السورية لبلاده حيالها استناداً طبعاً إلى معطيات ومعلومات جدّية.
ماذا تضمّن الرأي المشار إليه؟ تضمّن أولاً اعتبار كل من يعتبر أميركا شريكاً مجهولاً للأسد مؤمناً بالفكر الأمنياتي
(Wishful Thinking).
وتضمّن ثانياً تأكيداً أن الرئيس بشار الأسد سيبقى على قيد الحياة سياسياً
(Survive)
ما دامت الحرب التي يشنها “التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب” على “تنظيم داعش” و”جبهة النصرة” وغيرهما مستمرة، وما دامت إيران وروسيا، وهما الحليفتان والداعمتان الأساسيتان له مصممتين على التمسّك بموقفهما هذا.
وتضمّن ثالثاً أن باراك أوباما سأل بعدما تسلَّم سلطاته الدستورية في ولايته الأولى فريق معاونيه عن أسباب كره الشعوب في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً التيارات الإسلامية المتشددة أميركا. وحصل على جواب واضح أشار إلى أن الولايات المتحدة كانت نشطة جداً في المنطقة، ودعمت كثيراً الأنظمة القمعية والاستبدادية، وبذلت جهوداً كثيرة لتغيير أنظمة في المنطقة، وانخرطت في عدد من الصراعات الشرق أوسطية، وأحجمت عن حل الصراع الذي كان عليها الاستماتة لحلِّه لأنه الوحيد الذي كان يمكن أن يساعدها لتغيير صورتها في المنطقة.
وتضمّن رابعاً أن أوباما واستناداً إلى جواب معاونيه قرَّر أن يخفض “المظهرية والاستعراضية” لبلاده. وأول خطوة تنفيذية لذلك كانت الانسحاب من العراق، والعمل الجاد لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وهو نجح في تنفيذ الأول. لكنه أخفق في تنفيذ الثاني رغم الجهود الكبيرة التي بذلها شخصياً وعبر وزيرة خارجيته الأولى هيلاري كلينتون. وتسبَّب إخفاقه بإحباط، زاد علاقته برئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو سوءاً دفعه إلى التردد في تكرار المحاولة الثانية. إلا أن إصرار وزير خارجيته جون كيري في ولايته الثانية على تكرارها جعله يوافق بتردد. إذ أبلغ إليه أن عليه التحرك وحده بين القدس وتل أبيب ورام الله والعواصم العربية، فإذا تأكد من النجاح يحصل منه على كل الدعم. لكن المحاولة الثانية فشلت أيضاً.
لماذا أحجم أوباما عن ضرب الأسد ونظامه عسكرياً عندما قرر ذلك؟
لأسباب عدة يجيب الصديق الأميركي المتابع نفسه. أولها الحرص على عدم تصعيب أو تعقيد المفاوضات الدائرة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية سواء على الملف النووي أو على الأزمات الكثيرة في الشرق الأوسط. وثانيها عدم إعطاء روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين الذريعة ليعمق تورطه أو تدخله في أوكرانيا، وليكرِّره في دول أخرى مجاورة لبلاده كانت يوماً جزءاً من الامبراطورية الحمراء. وثالثها الحرص على عدم تسبُّب أميركا بمجازر جديدة وكثيرة في سوريا. لكن ذلك كله، يضيف المتابع إياه، لم يمنع “إدارات” أميركية معنية أو ربما أجهزة من تدريب عدد مهم من عناصر المعارضة المعتدلة ولكن من دون إعلان وإعلام. كما أنه لم يغيّر إرادة أوباما رؤية الأسد ونظامه خارج السلطة نتيجة أي تسوية يتم التوصل إليها بالتفاوض. وهنا يؤكد: لا يستطيع أوباما أن يكون حليفاً سرياً للأسد. وإذا صار كذلك فإنه سيخسر قطعاً دعم دول الخليج (مجلس التعاون) وخصوصاً السعودية، وسيخسر أيضاً دعم تركيا رغم أنها لا تزال غاضبة لأن أميركا لم تنفِّذ ما وعد رئيسها بالقيام به ضد الأسد. فضلاً عن أنه (أي أوباما) سيواجه في حال كالمذكورة أعلاه مشكلات مع الكونغرس بجناحيه الديموقراطي والجمهوري.
في اختصار يشدِّد المتابع: ما يجدر الانتباه إليه هو أن أوباما يكره الأسد ويعتقد أنه ومحيطه ليسا إلا مجموعة من الخارجين على كل القوانين والأعراف والحقوق. وينهي: عاجلاً أو آجلاً سيجد الرئيس الأميركي نفسه مضطراً للتجاوب مع عدد من مطالب تركيا التي تريد مع السعودية الانتهاء من الأسد.
sarkis.naoum@annahar.com.lb