الأخوة الأتراك بدؤوا منذ فترة حتى قبل الانقلاب بالإيحاء إعلاميا إلى ممكنات أن يجدوا تسوية مع الروس والإيرانيين ، تقبل بدور ما لبشار الأسد الجزار في المرحلة الانتقالية ، بين دور رمزي، أو لفترة مؤقتة ، والآن أصبح موقفا رسميا حكوميا، أي قبول دور لهذا المجرم المتوحش حاضرا ( وليس مستقبلا ) كما يقول الأتراك حكوميا …. والحاضر يبقى مستمرا حتى يأتي المستقبل الذي هو في علم الغيب ….أي أن اخواننا الأتراك الحليف الأقوى والأصدق لثورتنا السورية بدؤوا إشارات الإيحاء (ليس إعلاميا فحسب بل وحكوميا )، لنا بأنهم سيقبلون بصفقة (بقاء بشار بغض النظر عن الفترة)، بعد كل هذا الخراب للديار …
هذا الأمر ليس مفاجئا ، فنحن نتحدث منذ زمن، أنه إذا كانت سوريا مستهدفة عالميا كمجتمع وكوطن، لكن عبر الحفاظ على السلطة الأسدية الاستيطانية الطائفية العميلة، فإن تركيا مستهدفة (كدولة ومجتمع) معا، بحكم نجاح تجربتها المدنية الديموقراطية التنموية والاقتصادية والسياسية حكوميا ومجتمعيا مما هو غير مقبول بالمعايير الدولية التي تجعل الغرب ( مركزا وباقي العالم أطراف بما فيهم تركيا )، حيث بدأت التجربة الديموقراطية التركية تعطي أكلها، التي تؤهلها للتوحيد السياسي والاقليمي لقيادة العالم الإسلامي سياسيا وتنمويا ديموقراطيا ، فكان لا بد من تدخل العسكر لتحطيم التجربة …
ولذلك فإن سيناريو تصفية ( عدنان مندريس) الليبرالي الاسلامي الديموقراطي الحداثي في أوائل الستينات الذي أراد أن ينتج حالة التوازن بين الحداثة العلمانية الكونية والأصالة الحضارية الإسلامية بتعريب (الآذان)، والاعتراف بعنصر العروبة الثقافية كونها اللاحم الأساسي لشعوب الاسلام، نظرا لما للقرآن من دور توحيدي للفكر والثقافة الاسلامية عالميا، أعدموا مندرس في سنة1961 ،وعندما تم تحذير (أردوغان) من مصير (مندريس ) قال بأنه قد (حضر كفنه) لهذا الاحتمال المتوقع، لكن إرادة الله والتاريخ حمت تركيا المدنية الديموقراطية، وانهزم العسكر ونظن أن تلاحم (الشعب والدولة) يؤكد أنها هزيمة بلا رجعة ..!!!
ما يهمنا في هذا السياق أن تركيا من حقها أن تكون أولوية سياستها متوجهة لحماية بلدها ومصالح شعبها أولا، ولا يمكن بنيويا وعضويا أن تمضي الحكومة التركية الصديقة ديموقراطيا للثورة السورية، أن تعقد اتفاقات وصفقات تعارض وتصطدم بمصلحة الشعب السوري والثورة السورية ، فهي التجربة الديموقراطية الوحيدة من يؤيدنا عربيا وإسلاميا..
لكن من وجهة نظرنا كسوريين فإن أولويتنا هو انتصار ثورتنا (ثورة الحرية والكرامة ) التي لا نظن أن هناك في العالم ينكر حق الشعب السوري بهذه الحرية، التي دفع ثمنها وفديتها ومهرها الشعب السوري أكثر مما قدمه أي شعب في العالم لتحقيق حريته، ومن ثم رفضنا المطلق لأية تعبيرات رمزية سياسية توحي بمكنات التعايش مع نظام الأسد أو أحد اشتقاقاته العائلية والطائفية والعسكرية والأمنية بغض النظر عن مواقف العالم العدو أو الصديق، أي الرفض المطلق لممكنات القبول بفكرة أومبدأ بقاء الأسد ولو لساعات .. برضى وموافقة الشعب السوري رضي من رضى ورفض من رفض ..ولا نظن أن العالم المتوحش بقي عنده ما يهددنا به سوى السلاح النووي ،ولا نظن أن موت شعبنا وأطفالنا تحت قصف الطائرات الروسية والأسدية بالصواريخ والبراميل والأسلحة المحظورة من عائلة (النووي )، أكثر رحمة وشفقة من النووي ذاته ..
حيث أن اية موافقة على بقاء الأسد ولو (لساعة ) هي خيانة موصوفة باحتقار وازدراء دم الشعب السوري، واستهانة حقيرة ونذلة من قبل أي سوري لدماء الشهداء وخيانة لأولياء الدم وأمهات الشهداء …..وفي الآن ذاته ينبغي أن لا يكون لنا أي عتب على الأشقاء الأتراك عندما تكون الأولوية لسياساتهم هي انقاذ بلدهم وشعبهم …ونحن على ثقة بأن مصلحة الشعب التركي لا يمكن أن تتعارض مع مصلحة الشعب السوري في ظل حكومة وطنية مدنية ديموقراطية كا لحكومة التركية ، واليوم نرى ارهاصات هذه السياسة التركية في الحسكة ، من خلال حرب تطاحن الدواعش مع بعضها بعضا ( الداعش التكفيري الأصلي (السني)، مع الداعش الأسدي الاستيطاني الطائفي المنتج للداعشية، مع الداعش البيكيكي (العلوي) العميل الأجنبي الدولي والأسدي )