الشرق الاوسط
«قبل سوريا هناك مصر، وقبل مصر هناك إيران».. يقول محدثي المرجع الأميركي. القضية الأولى بالنسبة لإدارة الرئيس باراك أوباما هي: إيران، ثم إيران، ثم إيران.. يضيف أنه عندما أطل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على شاشة «سي بي إس نيوز» ووصف الرئيس الإيراني حسن روحاني بالذئب في لباس حمل ووجه رسالة إلى أوباما، فإن البيت الأبيض لم يكن مرتاحا.
يعتقد أوباما أنه يمكن التوصل إلى صفقة مع روحاني، في حين أن نتنياهو لا يريد أي مفاوضات بين أميركا وإيران، بل يريد أن يجر الولايات المتحدة إلى حرب. لكن، حسب المرجع الأميركي، فإنه إلى جانب الرئيس أوباما في البيت الأبيض، هناك سوزان رايس مستشارة الأمن القومي، وتشاك هاغل وزير الدفاع، وجو بايدن نائب الرئيس، وجون كيري وزير الخارجية، وكلهم يريدون التفاوض مع إيران.
يقول إن الرئيس أوباما يفكر بإرثه.. لا يريد أن يتأثر الاقتصاد الذي عاد إلى النمو، ثم هناك قانون الرعاية الصحية الذي صرف وقتا وجهدا عليه، كما يريد تمرير قانون الهجرة، فأغلب الناطقين باللغة الإسبانية صوتوا له. برنامجه من الآن حتى السنة المقبلة يفرض عليه تجنب المواجهة مع الكونغرس. هو يفكر في انتخابات الكونغرس العام المقبل، فإذا خسر الديمقراطيون مجلس الشيوخ، فإن الجمهوريين قد ينقلبون على قانون الرعاية الصحية، وإذا ربح الديمقراطيون الانتخابات، ونال قانون الهجرة المصادقة، فقد تتوفر له الفرصة في السنتين الأخيرتين من ولايته لكي يضغط مثلا على نتنياهو بالنسبة للموضوع الفلسطيني، فالعلاقة بين الاثنين الآن غير جيدة، هذا إذا رتب أوباما أموره الداخلية، وعرف كيف ستسير العلاقة مع إيران.
أكثر ما يمكن أن يقدم عليه روحاني هو تشكيل حكومة تعكس «هدوءه» المدروس. فهو رغم تخرجه في جامعة غلاسكو (أسكوتلندا)، فإنه عنصر أساسي في الطبقة الإيرانية الحاكمة، ويقال إنه كان بين الأوائل (هو والفلسطينيون) الذين أطلقوا على آية الله الخميني لقب الإمام. التوقعات أن يستمر روحاني في الإدلاء بالتصريحات المناسبة، وتبدأ سياسة العقوبات تضعف تسهيلا لمهمته، ثم تعقد دول «5+1» جولة مفاوضات جديدة مع إيران في أواخر أغسطس (آب) الحالي أو بداية سبتمبر (أيلول) المقبل، يتجه بعدها روحاني لإلقاء خطابه خلال انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإذا عالج الأمور بمهارة، تبدأ إجراءات إعادة بناء الثقة، وهذا يعني تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية.
كثرت في الآونة الأخيرة المقالات في الصحافة الأميركية التي تدعو إلى إعطاء روحاني فرصة. في العدد الأخير من مجلة «نيويورك بوك ريفيو» وفي مقال بعنوان «نحو نهج جديد مع إيران» يقترح الكتّاب ويليام لورز وتوماس بيكرينغ وجيم والش، أن يبعث أوباما برسالة تهنئة قصيرة إلى روحاني، وأن تشير الإدارة إلى استعدادها لعقد لقاء بين أوباما وروحاني خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة كحوار قصير بين الاثنين، أو تحية بسيطة أثناء الاجتماع متعدد الأطراف في الأمم المتحدة، ويمكن لكل هذه الاحتمالات أن يتم التمهيد لها وتحضيرها خلال لقاء يجمع بين وزيري خارجية البلدين.
يقول محدثي المرجع الأميركي إن إيران مهمة بالنسبة لأوباما، وإذا لم ينجح في التوصل إلى أي اتفاق معها، فإنه سيورث خليفته هذه المسألة ولن ينجر إلى حرب.
لكن ماذا عن سوريا؟ يقول: «بالنسبة إلى الشرق الأوسط، فإن قرار البيت الأبيض هو تجنب المشاركة، مع احتمال بسيط يقضي باستثناء الأردن؛ إذ أن القلق هو من أن يتعرض هذا البلد المهم استراتيجيا لضغوط لا يمكنه تحملها بسبب الحرب الأهلية في سوريا. أما بالنسبة إلى سوريا بالذات، فالإدارة تفضل الحل السياسي»، ويلفت إلى أن جون كيري لم يذكر مرة واحدة الحل العسكري، ويقول إنه حتى أجهزة الاستخبارات فقدت حماستها لتسليح المعارضة. البيت الأبيض يطلب خيارات، لكنه يشترط ألا تكون خطيرة.
يقول: «سوريا بوصفها بلدا موحدا صارت شيئا من الماضي، في نهاية المطاف، فإن الحكومة ستسيطر على جزء من الأراضي، والمعارضة على جزء، والأكراد على جزء».
يضيف: «ما لا يعرفه كثيرون أن أميركا تحتاج إلى روسيا في موضوع إيران، وبالتالي لا تريد تأزيم علاقتها مع موسكو بموضوع (هامشي) مثل سوريا.. ثم إن أوباما انتخب لينهي الحروب لا ليبدأ حربا جديدة في الشرق الأوسط، كما أن سوريا ليست استراتيجية بالنسبة إلى واشنطن، والحرب فيها بالإنابة».
ويضيف: «إذا سقط النظام السوري، فسيكون سقوطه ضربة لإيران.. عندها ربما يرفض الإيرانيون المجيء إلى طاولة المفاوضات، وهذا ما تريد أن تتجنبه واشنطن. في واشنطن هناك من يرى أن النفوذ الإيراني في سوريا أقوى من النفوذ الروسي، لذلك عندما سيعقد مؤتمر (جنيف 2) في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، فإن أميركا ستصر على مشاركة إيران فيه».
اهتمام الإدارة بسوريا مرتبط بتركيزها على صفقة مع إيران.. أما بوصفها بلدا عربيا، فإن مصر تأتي قبلها. فمصر الأكثر سكانا هي العمود الفقري للسياسة الأميركية في المنطقة. الإدارة لم تكن في البدء مرتاحة للإطاحة بالرئيس محمد مرسي، تعترف بأنه ارتكب أخطاء كثيرة إلى درجة أنه رفض طلب الرئيس أوباما توسيع حكومته. يقول: «لم تكن السفيرة الأميركية في مصر آن باترسون تمثل سياسة وزارة الخارجية، بل تدير سياسة الإدارة هناك، هي كانت تريد الاستقرار في مصر لأن عدم الاستقرار يضر بالمصالح الأميركية من شمال أفريقيا إلى إسرائيل إلى الخليج. كانت الإدارة تعتقد أن مصر من دون (الإخوان المسلمين) لن ترتاح، وأوباما لا يريد لمصر أن تتفجر».
لقد وصلت أخيرا نصيحة إلى الإدارة الأميركية بأن الجيش المصري وحده القادر الآن على الإبقاء على مصر موحدة. ويبدو أنها تقبلت هذه النصيحة؛ إذ بدأت تتجنب الحديث عن إيقاف المساعدات العسكرية، ثم إن القروض بقيمة 12 مليار دولار التي تقدمت بها السعودية وأبوظبي والكويت قزّمت الإغراءات الأميركية. وانتقد أحد المسؤولين الأميركيين الحملة التي قادتها مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس لقطع تلك المساعدات، وقال: «إنهم يرون السياسة تكتيكا تدعمه مجموعة من القيم، ليست لديهم رؤية استراتيجية. ويعطي مثلا على تصريحات رايس بأنها تؤيد المساواة في العلاقات بين الدول، وتتردد في تبني علاقات خاصة مع البلدان الأخرى وقبل كل شيء تدعو إلى تجنب الاشتباك».
من جهة أخرى، مع انتظار الإدارة الأميركية لما سيكشف عنه الوجه الحقيقي لروحاني، وكأنها تناست أن الذي يدير السياسة الداخلية والخارجية في إيران هو المرشد الأعلى علي خامنئي، ذكر مصدر مطلع أن الاعتقاد السائد في إسرائيل هو أن نتنياهو، إذا ما توفر له دعم وزير الدفاع ورئيس الأركان، مستعد لأن يقوم بعمل عسكري ضد إيران من جانب واحد، ربما مع نهاية هذا العام، والهدف الأرجح هو مفاعل «ناتانز» حيث أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدما. كما أن بعض المراقبين يعتقدون أن إسرائيل على استعداد أيضا لإرسال وحدات خاصة إلى مفاعل «فوردو».
لكن ماذا بالنسبة للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية؟ يقول محدثي: «في ولايته الأولى، كلف أوباما السناتور السابق جورج ميتشل استئناف المفاوضات.. حاليا كيري هو من أقنع أوباما بضرورة استئناف المفاوضات، فكان الجواب: حظا سعيدا». يضيف: «كيري مؤمن بأن القضية مهمة، فهو ألقى منذ مدة خطابا قال فيه: يأتيني وزير خارجية نيوزيلندا ويطلب منا حل القضية الفلسطينية.. ألتقي وزير خارجية أستراليا فأسمع منه الطرح نفسه.. كل وزراء خارجية الدول يطلبون إيجاد حل للقضية الفلسطينية».
يتساءل محدثي: «هل هي صدفة أن تستأنف مفاوضات السلام وسوريا غارقة في حربها، و(حماس) في أسوأ حالاتها بعدما سقط نظام (الإخوان) في مصر، ويتعرض (الإخوان) لهزات في تركيا وتونس وليبيا؟».