يقولون بأنها كانت ولا زالت السبب في خطيئة الرجل منذ بداية الخلق والخليقة , ليستغلها المحيط أبشع استغلال, هكذا ضاعت
حياتها سدىً وسط زحام هذه المفاهيم , مفاهيم خاطئة لمجتمعات تغرق في غفوة امتدت لقرون عديدة, ألزمت المرأة بحدود لا تتعدى تلك التي أرادوها لها , والتي جاءت نتيجة لزمان ولّى بظرفه , لتجعل هذه المفاهيم من الثبات لقناعة الغالبية على فكرة واحدة وهي إن المرأة خُلِقت كوعاء للرجل فقط, وأن أخطاءه تنبع منها , كونها السبب المباشر لخطيئته, والفتنة تكمن في جسدها, وكذلك كونها الجنس الأدنى منه , ليُبرر الرجل أخطاءه ويرميها عليها فينهي عناءه لضبط نفسه وتشذيبها , ومن ثم تُحكمْ السلطات هيمنتها ونفوذها من خلال السيطرة التامة على نصف المجتمع بحجة احترام الموروث من عادات مقدسة لهم وتقاليد قديمة , فحُرمت المرأة من مقومات الحياة الأساسية وصيّرها المجتمع على أساس إنها عار وعورة وعليها أن تتحمل أخطاء الرجل التي جعل لها ما يبررها وصار يتمادى بها , بهذه الحجة هيمنوا على العقول الحاضرة ليجعلوها تقف عند نقطة معينة دون أن تتقدم , فتُعاقب المرأة على أخطاء الرجل بحجة الدين والمشرع تارة وبحجة أن الله خلقه بغريزة لا يستطيع التحكم بها ,وخلقها من حبائل الشيطان , وتعاقب تارة أخرى كونها الجنس الأدنى والتابع له بحجة شرفه يكمن في جسدها ولا يحق لها التصرف به مثل ما يحق له , بل يحق له انتزاع روحها وقتلها أذا استوجب الموقف ليغسل عاره المتمثل بذلك الجسد , والحقيقة هي أنه ينتقم لكرامته التي أهدرتها هي كونها تصرفت بأملاكه بعد أن اقتنع بأنها ملكية خاصة به ولا يحق لها التصرف بجسدها ورغباته هو تعلو عليها سواء كان أخاً لها وأن كان يصغرها سناً , أو زوجاً أو أي قريبٌ لها باستثائها هي , ففرضوا عليها حجاباً لرأسها وعقلها وتلك كانت الحلول التي توصلوا لها أو الأساليب التي اتخذوها حجة وهي أن المرأة عورة وسفورها يمثل خطاباً علنياً يكشف استعدادها للتعامل بجسدها وكأنها تعرضه في سوق نخاسة عقولهم وما عليها سوى أن تختفي عن أنظارهم لتتجنب اغتصابهم لها وتحرشاتهم بها !!, بدلاً من منع أنفسهم وتشذيبها وتقويم عقولهم , فرسخت هذه الفكرة في عقلية المرأة قبل الرجل, وسلبتها حياتها دون ان تدري كيف سُلِبت منها , أو دون أن تدري إن لها حياة يجب ان تكون حرة ومن حقها أن تحياها كما ترغب هي لا كما يرغب هو , ولم يتوقف الرجل ليسأل نفسه كيف لا يستطيع أن يكبح جماح نفسه الأمارة بالسوء دوما , وكيف للجنس الأدنى منه كما يتصور في أن يؤثر عليه وهو الأعلى منها؟ , وكيف تستطيع ناقصات العقل في أن تُفقد عقل من اكتملت عقولهم ليصيروا ضعفاء أمامها ؟
هذه النظرة استمدها مجتمعنا ليس من الحياة وما نلمسه منها , ولم تأتي من واقعنا القائم والحاضر أمامنا , وإنما من ماضينا المتخلف والمختلف تماما عن حاضرنا , ومن تعاليم فرضت نفسها على عقولنا بالتخويف من العقاب أولا , ومن ثم الترغيب بمكافئة للذين يعملون بحذافير تلك الأوامر وتعاليمها بعيون معمية , فارتبطت نظرتنا للمرأة بفكرة قديمة , ورسخت في عقولنا دون ان يحق لنا التفكير بها .
نحنُ نخسر نصف مجتمعنا اليوم , وتخلَّفنا حتى عن العصور القديمة بعد أن كانت للمرأة فيها مشاركة فعالة في الحكم مع أخيها الرجل , ولها قدرة على إدارة بلدها وإدارة بيتها , بالإضافة إلى عملها خارج البيت لتُعيل أبنائها , وحتى العصر الجاهلي رغم انتشار ظاهرة وأد البنات في وقتها لأسباب الغزوات والفقر حينها , كانت لها حقوق عديدة ,كأن تكون حاكمة وشاعرة وعاملة في مجال التجارة , هذه الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة اليوم لهي دليل قاطع على إننا قد شوّهنا الطبيعة الإنسانية ,وخصوصا طبيعة المرأة بعد ان وصمت هذه المجتمعات العيب والعار بها فقط وعليها أن تمكث خلف قضبان الشرف والحجاب التي سوّروا رأسها به , وصار عقلها عورة بعد أن كان شرفاً, ليضمنوا هيمنتهم على نصف المجتمع بحجة المشرع والدين .