لا حاجة بنا لـ«الإنكليز»

أكتب هذه الكلمات بتردد حقيقي وشديد، لأنها مفزعة. ولأننا جميعا نعرفها لكننا نفضل ألا نتعرف إليها. ولأنها حقائق، لكن لا botafliqaتقال، ومن الصعب قبولها. لعلك أفقت مثلي على أن «الإنكليز» اخترعوا سياسة «فرّق.. تسد»، وقسموا بيننا، وهدموا روح الوحدة بيننا. ترى أين كان «الإنكليز» في الأندلس؟ وأين هم في ليبيا الآن، وفي العراق، وفي سوريا، وفي لبنان، وفي مصر؟ كم معارضة في سوريا؟ وكم ثورة؟ أمس أرسل وليد جنبلاط على «تويتر» جملة واحدة: «أين أصبحت (14 آذار) بعد تسع سنوات؟». أرجو أن الزعيم الاشتراكي لا يطرح السؤال علينا، لأنه كان يخطر لنا أن نطرحه عليه.

كانت معركة رئاسة الجمهورية عبر تاريخها، تفرّق بين الموارنة المفرقين أصلا، والآن تفرّق بين جميع القوى. والمعارضة السورية لم يعد أحد يعرف عدد أجنحتها ولا مَن ذهب منها، ولا مَن بقي، ولا مَن عاد. وفي ليبيا عادوا إلى استخدام تعابير من نوع إقليم برقة. وهي بلد شاسع، وحده إدريس السنوسي في الفقر والقحط، ويتنازعون الآن نفطه وثرواته، بحيث زادت السرقات في عامين عما نهبه القذافيون في 40 عاما، ودائما تحت شعار الثورة، مع تغيير التواريخ. وكان صاحب «الفاتح» قد غيّر أيضا أسماء الشهور حين سمع أن هذا ما فعلته الثورة الفرنسية. وكان ذلك سطحيا كما في كل سطوحه المبدِّدة للوقت وبناء الأوطان.

المعيب في هذه السموم أنها تظهر في أسوأ الأوقات. وتبدو الجماعات في أدق مراحل المصير غارقة في الصغائر، ممرّغة في وُحول المصالح، لا يردها أي رادع أو حياء. كل جماعة تحمل رايتها وترفع علم مصلحتها. تشبه الفوضى في ليبيا، فوضى الكونغو. أوائل الحرب، نهب اللبنانيون مخازن المرفأ التي كانت يومها نفط لبنان. والتقسيم لم يعد مضمرا في الأنفس، بل كرّسه صاحب «دولة القانون» في العراق، بموجب مرسوم، بينما هو يستعد لولاية أخرى يحمل فيها المزيد من القانون والسعادة للعراق، الذي تحول بين يديه إلى هول لا يطاق ولا يحتمل، وفساد بلا حدود.

إلى متى يريد الرئيس العربي أن يمدد لنفسه؟ كانت الناس تملأ قاعة الجمعية العمومية لكي تصغي إلى خطاب وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. والبعض كان يؤخذ بمظهره ووسامته وشعره الغيفاري. كان مليئا حيوية وثقافة وإرادة وسرعة خاطر. لكن ذلك كان قبل 40 عاما، والرجل اليوم لا يقوى على الظهور أمام الشعب الذي هو مدين له بالكثير.

لكن لماذا الولاية الرابعة في مثل هذه الحال؟ يخوض بوتفليقة المعركة وهو في الثامنة والسبعين، وكذلك يخوضها الجنرال ميشال عون في لبنان في العمر نفسه. ويملك الاثنان شعورا يتملك جميع الرؤساء العرب، وهو أن ما من أحد آخر يستحق هذه الأمانة الكبرى. لعل في ذلك انتقاصا من طاقات شعوبهم.
نقلا عن الشرق الاوسط

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.