بقلم: المحامي عبد المجيد محمد
Abl.majeed.m@gmail.com
جملة «لا اريد ان اكون اكثر من طالب ديني للعلم» قبل انتصار ثورة الشعب الإيراني ضد النظام الملكي وجلوس الخميني على كرسي السطلة جملة كررها الخميني وتم سماعها من لسانه مئات المرات.
في يوم ٥ اكتوبر من عام ١٩٧٨ قام الخميني مع عدد من مقربيه بترك بغداد والتوجه نحو باريس فدخلها في يوم ٦ اكتوبر وبعد يومين استقر في منطقة «نوفل لوشاتو» حول باريس. اثناء مدة اقامة الخميني في «نوفل لوشاتو» لمدة اربع شهور كان هناك واحدة من اهم مراكز الاخبار العالمية التي نقلت عن الخميني في مقابلات متعددة ومختلفة نظرته عن طبيعة وخلفية الحكومة الاسلامية واهدافها المستقبلية للعالم.
في الأول من فبراير من عام ١٩٧٩ دخل الخميني الى طهران.
الخميني وقبل جلوسه على كرسي الحكم تظاهر هكذا امام الشعب الإيراني بانه عبارة عن شيخ كبير في السن يمتلك معنويات كبيرة ويعيش حياة بسيطة وفارغة من المطالب الدنيوية. ولم يؤذ احدا في حياته وحتى أن مقربيه كانوا يدعون بأن ((حضرة السيد)) لم يؤذ احدا في حياته وحتى الذباب الموجود داخل غرفته كان يبعده بهدوء بطرف عبائته.
وقد ادعى خلال مقابلات صحفية متعددة انعكاسات وتأملات واسعة للغاية:
– حكومته القادمة ستكون حكومة اسلامية ديمقراطية تؤمن بحقوق الانسان.
– يحق لجميع الاحزاب والجماعات والمجموعات السياسية حرية الاجتماع والتعبير عن رأيها في حكومة ما بعد الشاه.
– في الحكومة الذي أسسها الخميني ستكون المرأة والرجل وجميع افراد المجتمع متساوون امام القانون ومتعادلون في الحقوق ايضا.
– المهم من كل هذا هو ان الخميني لن يستلم اي منصب أو يتولى أي مسؤولية حكومية في الحكومة المستقبلية.
عدم توجه الخميني لتولى أي منصب أو مسؤولية حكومية أمر تم اعلانه وسماعه عدة مرات من على لسان الخميني نفسه ومن على لسان جميع مقربيه. الخميني قبل احكامه قبضته على أهرام السلطة في إيران كان دائما يدعي انه «لن يكون أكثر من طالب ديني للعلم وانه سيتجه الى قم بعدها ليتفرغ لطلب العلم هناك».
الآن، 39 عاما مضت منذ ذلك الوقت، ومن السهل وبعيدا عن تحليل جميع المسائل نستطيع أن نحكم أن جميع وعود الخميني كانت كاذبة. ولم ينجز هو وأي أحد من مقربيه الباقين أيا من الوعود، بما في ذلك:
– إن حكومة الخميني الموعودة لم تكن وليست ديمقراطية بل اصبحت حكومة فاشية مطلقة. والخميني نفسه تحدث دائما عن “سلطة ولاية الفقيه المطلقة “. وبعدها صور الخامنئي نفسه كالولي الفقيه و(القائد المؤقت) واتبع نفس طريق عمل الخميني بحذافيرها.
– إن النظام الذي اسسه الخميني ليس لم يكتف بعدم التزامه بحقوق الانسان فحسب بل لم يكن يؤمن اساسا في هذا الموضوع ولا يقبل أساسا مقولة حقوق الانسان ولا يحب سماعها.
انما يبرع ويبدع فيه النظام الفاشي لولاية الفقيه هو: الاعدام، القسوة، قلع الاعين من جحورها، قطع اليد والرجل، الجلد بالسوط، اضطهاد الحريات وتشريع التعذيب. هذا النظام لا يؤمن اساسا في حقوق الانسان ولا يعير اهتماما لتقارير حقوق الانسان ابدا.
وقد طالب مقررو حقوق الإنسان مرارا وتكرارا من إيران الموافقة على زيارة لتفقد حالة حقوق الإنسان في إيران، ولا سيما السجون الإيرانية، ولكن لم يتم قبول هذه المطالب قط. وقد أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة على هذا النظام 64 مرة بسبب الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، تم إدانته بشدة من قبل منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة رصد حقوق الإنسان.
– وعود حرية الاحزاب والمجموعات السياسية كلها كانت محض خداع وكذب. حسب نظر الخميني نفسه لم يقبل بأي حزب او تكتل او تيار سياسي آخر غير حزب «جمهوري اسلامي» واعتبرهم كلهم ووصف هذه الاحزاب بصفات مثل ”معاند للاسلام“ او ”المحارب للاسلام“ او ”البغاة“ و”الطغاة“. ولم يسمح لأي منظمة او تكتل او تيار سياسي غير مرتبط بنظام الولي الفقيه أن يكون له أي فعالية أو تأثير سياسي في الساحة الإيرانية. هذا النظام منذ عام ١٩٨١ حتى الان اعدم وقتل اكثر من ١٢٠ الف من اعضاء وكوادر ومناصري المجموعات السياسية، وفي حادثة غير مسبوقة في التاريخ قام بقتل ٣٠ الف سجين سياسي مجاهد ومقاوم في صيف عام ١٩٨٨.
– لم يكن هناك أي خبر ابدا عن موضوع المساواة السياسية والمدنية ومساواة الحقوق لجميع افراد الشعب في نظام ولاية الفقيه وكان كله محض كذب وافتراء. الحجاب الاجباري للنساء، ابعاد النساء عن شغل المناصب القضائية، حذف عنصر المرأة من الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية وشغل مناصب حساسة، كل هذا يدل على عدم المساواة. من وجهة نظر حقوقية لاتتساوى شهادة الرجل والمرأة في الدعاوى القضائية. وفي بعض الأحيان شهادة المرأة لا تقبل ابدا والشاهد يجب أن يكون رجلا حصرا. حصة المرأة في الميراث اقل من الرجال، النساء اللواتي يعملن مع الرجال في نفس الاعمال يتقاضين رواتب واجور اقل من الرجال. فيما يتعلق بموضوع التحصيل العلمي للنساء فان النساء محرومات من التحصيل العلمي في بعض الاختصاصات وتكون هذه الاختصاصات محصورة بالرجال فقط.
– اكبر كذبة للخميني واكبر خيانة قام بها هي أنه قال للشعب الإيراني وتعهد بعدم توليه لأي منصب حكومي في المستقبل ولكن في الواقع قد ابتدع نوعا من الحكومات لا يوجد ديكتاتورية في العالم تستطيع أن تساويها أو تجاريها من حيث الاحكام على اهرام السلطة والقبض عليها. ان نظامه يعتمد على المبنى النظري والفكري لـ «سلطة ولاية الفقيه المطلقة» وكل الامور تبدأ من الولي الفقيه وتنتهي به. ويتمتع الولي الفقيه حسب دستور هذا النظام بسلطات وميزات استثنائية.
تعيين جميع المناصب الحكومية الرئيسية، وحتى الموافقة على أصوات الشعب التي ينتخب بها رئيس البلاد، كلها بعهدة الولي الفقيه، وإذا لم يوافق على ذلك، فإن الرئيس المنتخب غير شرعي وفاقد للصلاحية.
أما فيما يتعلق بالتفاعل الإقليمي والدولي، فقد تم إضفاء الطابع المؤسسي على المعتقدات التوسعية الخمينية لإنشاء وإقامة الإمبراطورية الإسلامية في دستور نظام ولاية الفقيه، وعن طريق خيانة روح الإسلام المحمدي(ص) وإساءة استعمال القرآن الكريم والاية الكريمة (إن هذه أمتكم أمة واحدة)، أعطى الخميني لعناصر حكومته الصلاحية بوضع سياستها العامة على أساس ما يسمى “الوحدة الإسلامية” في جميع المجالات. وبطبيعة الحال، لم يكن شعار “وحدة الأمم الإسلامية” و “الوحدة الإسلامية” سوى غطاء للتدخل المباشر في شؤون البلدان الإسلامية والعربية.
اعتبر الخميني أن دول المنطقة، بما في ذلك العراق ولبنان وسوريا واليمن، هي من ممتلكاته الخاصة. كما رأينا، خلال السنوات الأولى من حكمه، فرض واقع الحرب بين إيران والعراق، وخلال ثماني سنوات، تم سحب كل من العراق وإيران إلى حمام من الدم، على الرغم من أن السلام كان متاحا مع العراق، إلا أنه ادعى ان هذه الحرب هي لتحرير القدس و ستبدأ من كربلاء. ثم أجبر على شرب كأس السم و مات.
بقايا نظامه من أجل البقاء على قيد الحياة والتستر على القمع الداخلي المكثف اعتمدوا اسلوب “تصدير الإرهاب” كأساس و مبدأ “لتصدير الثورة”، وكأساس لسياستها الخارجية والإقليمية وقاموا بدعم وحماية الإرهاب الإقليمي والدولي.
إن حالة الفوضى الراهنة في سوريا ولبنان والعراق واليمن هي نتاج أفكار الخميني التوسعية ونظامه القائم على مبدأ ولاية الفقيه. وطالما أن هذا النظام يعتمد على نفس الاسس الفكرية والنظرية للتوسع وحب السلطة فان وضع المنطقة لن يكون مختلفا ابدا.
مع هكذا افكار ورؤى تبناها الخميني جعلته يتمسك بالسلطة والقدرة اكثر وبذالك لم يذهب الى قم ابدا ولم يصبح أحد طلاب العلم فيها. بل اصبح الدكتاتور الفاشي الديني الحاكم في إيران ومدعي الامبراطورية الاسلامية بااستخدامه لحربة التدخل في دول المتطقة وتصدير الارهاب. هو استحق بكل جدارة لقب اكبر سارق لثورة الشعب الإيراني ضد النظام الملكي واصبح موضع كره و اشمئزاز الإيرانيين جميعا.
وقد اصبح هذا الجلاد مصاصا للدماء بحيث كنا نسمع كل يوم من فم رئيس ومدعي عام سجن التعذيب (أيفين) (اسد الله لاجوري) تقارير وبيانات باعدامات تم اجرائها بحق عدد من المجاهدين والقوى الثورية وخصص خميني صفة «الضبع العجوز في جماران» لنفسه ولم يفقد بعد ذلك روحانيته فحسب ولم يكن وجهه في القمر وانما كان وجهه يُرى في بئر الظلام والقذارة.
الان نظام الخميني موضوع كره وتنفر جميع الإيرانيين والعالم. وانتفاضة الشعب الإيراني في شهر يناير اظهرت لكل العالم أن الشعب الإيراني لايريد هذا النظام ويجب أن يسقط. شعارات (اخجل يا خامنئي واترك الحكم) و(الموت للدكتاتور) و (الموت لخامنئي) و(الموت لروحاني) في تظاهرات ١٤٢ مدينة منتفضة كانت اكثر الشعارات الرئيسية في الانتفاضة.
ما يجري الان هو انه يجب على دول المنطقة والعالم أن تعترف بشكل رسمي بالمقاومة الإيرانية وانتفاضة الشعب الإيراني المظلوم حتى يتم تمهيد الطريق نحو اسقاط هذا النظام المعادي للانسانية والداعم للارهاب وتسريع هذه العملية.