في عام 2001 التحقْتُ بدبلوم الدِّراسات العليا في دمشق، واستأجرتُ بيتاً صغيراً في مخيَّم فلسطين . .
في مخيَّمَي فلسطين واليرموك نضجْتُ كثيراً بالمَعنى السِّياسيّ والاجتماعيّ، وأذكرُ أنَّهُ في فترة وجودي الأولى كانت الانتفاضة الفلسطينيّة الثّانية في أوجها، وكان نعيُ الشُّهداء يوميّاً في المخيمات، وكانت المسيرات شبه يوميّة، وكذلكَ توزيع المنشورات السِّياسيّة والنَّشاطات ووو . .
كذلكَ كنتُ ما أزالُ مُقيماً في المخيمات عندما سقطت بغداد عام 2003 ، وكانَ الشُّعور الجمعيّ مُعادياً لدخول أمريكا إلى العراق بغضّ النَّظَر عن الموقف من صدّام حسين، حيث ذهب العشرات من أبناء المخيم للقتال في العراق، وكانت تُنشَر نعوات الكثيرين منهم بشكل يومي، فضلاً عن تشييعهِم الذي كان يتحوَّل إلى مظاهرات . .
نعم: كانَ المُخيَّم فرناً سياسيّاً حقيقيّاً أنضجَني، وكنتُ أشعرُ وأنا فيه كأنَّني في قلب الأحداث الفلسطينيّة على نحْوٍ خاصّ، والأحداث العربيّة على نحْوٍ عام، وهوَ ما لا تلمسُهُ في أي مكان آخَر في سورية المُغلقة على نفسِها في تلك الحقبة . .
في قلب المخيم تعرَّفْتُ على مزيج سُكَّاني مُدهش من فلسطينيّين وسوريّين من كُلّ أنحاء سوريّة، وكانت الفتاة المُحجَّبة تمشي
جنباً إلى جنب مع الفتاة التي ترتدي الموضة بقبول عام، وبلا أي مُضايَقة، وهُناك تنعَّمْتُ بألذّ المأكولات والمطاعم ومحلات الصَّندويش وأسواق الخضار التي كانت جميعُها بأسعارِها الرَّخيصة رئة لفقراء ليسَ المُخيَّم فقط، بل كامل دمشق . .
لا أنسى مقولة شارون الشَّهيرة: لكَ يوم يا مُخيَّم اليرموك، وكم يبدو الأمر كوميديّاً وتراجيديّاً أنْ يُدمَّر المُخيَّم على أيدي مُدَّعي المُمانَعة والمُقاوَمة تدميراً مُتعمَّداً لتصفية مَسألة حقّ العودة، وكان يُمكنْ لو أراد النِّظام السّوري وإيران تحاشي تدميره . .
الصُّورة لشارع لوبيا الذي لطالما سهرْتُ فيه مع شادي الحيّوك أحد أعزّ أصدقائي في حديقة عبد القادر الحسيني الموجودة في فرع منهُ، وكان شادي مثلي طالباً في الدبلوم، ويعمل حارساً ليليأً على تلكَ الحديقة، وقد فقدَ منذ سنوات منزلَهُ ومكتبتَهُ التي بذَلَ لأجلها عشرات آلاف اللّيرات . .
شارع لوبيا الذي نراه الآن في هذِهِ الصّورة، كانَ مقصد مشوارٍ يوميّ على الأقلّ لشرب الكوكتيل وصندويشات السجق في أحد المحلات التي كان يُديرُها فلسطيني شهير لا يكُلِّمُني إلّا وهو يقول لي: خيّا …
مازن أكثم سليمان