تكثفت الدلائل في الشهرين الأخيرين على قيام نظام الأسد باستخدام الكيماوي مجددا في أنحاء مختلفة من سوريا وخصوصا في منطقة ريف دمشق، والغوطة على نحو خاص، حيث تدور معارك قوات النظام والميليشيات الطائفية التابعة من مسلحي حزب الله ولواء أبو الفضل العباس ضد قوات المعارضة السورية.
ورغم أن استخدام الكيماوي مجددا ارتبط باتهام المعارضة لنظام الأسد باستخدامه، فإن الأخير لم ينف استخدام الكيماوي، لكنه اتهم المعارضة بذلك، وهو سلوك طبيعي لنظام اعتاد الكذب والتلفيق، وفي موضوع الكيماوي ذاته، كان قد اتهم المعارضة باستخدام الكيماوي في المجزرة التي ارتكبها صيف العام الماضي في الغوطة، قبل أن تبين التحقيقات الدولية أكاذيبه، وتؤكد عبر التحقيق، أنه قام بالمجزرة عن سابق إصرار وتصميم، وهو ما دفع المجتمع الدولي للتحرك من أجل نزع السلاح الكيماوي من يد النظام تحت التهديد باستخدام القوه ما لم يستجب للطلب الدولي.
وكما هو معروف، فإن نتائج المساعي الدولية في نزع الأسنان الكيماوية للنظام كانت محدودة، ولم تتمخض عن نتائج حاسمة. ورغم أنه تم تأمين المنشآت الكيماوية المعروفة، لكن لم يتم إخراج سوى قسم صغير لا يتجاوز 15 في المائة من ترسانة كيماوية هي الأهم والأخطر في العالم، وهو إنجاز محدود بكل المعايير في قضية، تتصل بنظام كاذب ومراوغ، اعتاد التهرب من أي التزامات، اضطر لإعلان قبولها، وقد تحدثت تقارير ذات مصداقية عالية، عن قيام نظام الأسد بتهريب جزء من ترسانته الكيماوية إلى لبنان، ووضعها هناك في مستودعات حزب الله لتكون احتياطا لهما في معارك لاحقة. بل إن بعض التقارير، أكدت أنه حتى لو سلم نظام الأسد كل مخزونه الكيماوي، فإنه لن يمتنع عن إنتاج واستعمال سلاح كيماوي جديد في حربه على السوريين، ولن يمنعه عن ذلك عدم توفر مراكز تقنية لهذه الصناعة القاتلة، لأن بإمكانه إنتاجها بوسائل بدائية وبتكاليف بسيطة، واستخدامها عبر سلاح الجو ولا سيما الحوامات على نحو ما يجري في استخدامه للبراميل المتفجرة، التي يصنعها بمواد ووسائل بدائية وبأقل التكاليف، ويرميها على المناطق المدنية بواسطة الطائرات، فتقتل وتدمر بأكثر الأشكال وحشية.
وسط هذه الوقائع، ثمة حقيقة مؤكدة، خلاصتها أن ملف كيماوي الأسد ما زال مفتوحا رغم أن كثيرين في العالم ولا سيما في الولايات المتحدة قدروا، أنه تم إغلاق الملف، وأن السلاح الكيماوي للأسد خرج من المعادلة السورية، وقد اضطر الأميركيون وغيرهم مؤخرا إلى الاعتراف بخروقات الأسد في استخدام الكيماوي، وثمة مطالبات متزايدة للتحقيق في ذلك، والنتائج الدالة على استخدام الكيماوي من جانب قوات الأسد تبدو مؤكدة، لأن ثمة وقائع ومعطيات معروفة وثابتة، لن تحتاج لجان التحقيق الدولية إلى جهد ووقت كبيرين للوصول إليها والتأكد من صدقيتها، الأمر الذي سيضع المجتمع الدولي وخصوصا كلا من روسيا والولايات المتحدة أمام حقيقة الكذب والخداع الذي مارسه نظام الأسد في موضوع الكيماوي، كما في كل القضايا التي أحاطت بالقضية السورية طوال أكثر من ثلاث سنوات مضت.
لقد بات على العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى اتخاذ مواقف جدية وحاسمة، ليس من الملف الكيماوي لنظام الأسد، وإنما من النظام كله بسياساته وممارساته في ضوء إصراره على مسار الحل الأمني العسكري ورفضه الذهاب إلى حل سياسي أو الدخول في مسار تطبيقي إليه وفق ما تجلى في «جنيف2» باعتراف الأمم المتحدة، وهذا يعني ثلاثة أمور أساسية، أولها أن سياسة الكذب والمراوغة سوف تستمر، والثاني أن ممارساته ضد الشعب السوري في القتل والتدمير والتهجير وإنتاج الإرهاب مستمرة أيضا، والثالث، أن تلك السياسات والممارسات، ستظل تشكل مصدرا لتهديد الأمن والسلام الدوليين، ليس في الشرق الأوسط وحده، وإنما على الصعيد الأبعد، مما يفرض ضرورة غياب هذا النظام، وذهابه إلى غير رجعة، ومساعدة السوريين لإقامة نظام ديمقراطي، يوفر لهم الحرية والعدالة والمساواة، ويجعل سوريا قوة هدوء وسلام وتعاون في الشرق الأوسط والعالم، كما ينبغي أن تكون.