علي الكاش
مفكر وكاتب عراقي
من الأمور الواضحة وضوح الشمس أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي سلمت شيعة العراق دفة الحكم، التي كانت أشبه بحلم وردي يداعب عقول رموزهم السياسية والدينية. ولا فخر لما يسمى بالمعارضة العراقية في هذا الشأن، معظمهم كانوا يتسكعون على أبواب وعتبات المخابرات الأمريكية والبريطانية والسورية لبيع غيرتهم على الوطن وكرامتههم مقابل حفنة من الدولارات. ولم تكن الإدارة الأمريكية جاهلة بأن المعارضين العراقيين شراذم ولا شعبية لا حظوة لهم و داخل العراق، فهم مرتزقة ولا يمثلون شيعة العراق، وهذا ما تحدث عنه الكثير من المحللين والسياسيين الأمريكيين، فقد ذكر جيف سيمونز ” ليس هناك زعيما واحدا من المعارضة مؤهل ليحل محل صدام حسين”. وسمى دافيد برات المعارضين العراقيين في الخارج بـ” الاوغاد الذين يريد بوش ان يحلهم محل صدام حسين” الصنداي هيرالد/ اسكلندا في 22ايلول 2002.
بل يمكن الجزم إن الإدارة الأمريكية قد إختارت هؤلاء الأوغاد لأنها على يقين ودراية كاملة بأنهم سيدمرون ما يتبقى من عراق ما بعد الغزو، وفعلا كان الأوغاد عند حسن ظن الإدارة الأمريكية. إن أمن الكيان الصهيوني كان المطلب الثاني بعد السيطرة على النفط من غزو العراق بإعتراف الأمريكان أنفسهم والمسؤولين العراقيين كالرئيس السابق جلال الطالباني. وهذا الهدف يتطلب إنهاء دولة العراق وتحويلها إلى دويلات هشة تحت مسميات الفدرالية والكونفدرالية. هذا الهدف معلن وليس جديدا وسريا، بل هو أحد أهم النقاط التي ركز عليها منظر السياسة الخارجية الأمريكية اليهودي هنري كيسنجر، ودونها في مذكراته عام 1976″ إذا أردنا أن نكسر إرادة الأمة العربية والإسلامية، علينا أن نكسر إرادة الأمة العراقية”. (مذكرات كيسنجر، دار النهضة العربية/56). وتمكنوا بعد أقل من ثلاثة عقود من كسر إرادة الأمة العراقية بمساعدة المنحرفين من أبنائها.
لا أحد يجهل أيضا بأن الإدارة الأمريكية أزاحت بوجهها عن أهل السنة، بعد أن شبههم بول وولفووتز، نائب وزير الدفاع الأمريكي بقوله” إنهم نازيون”. وما ذكره بول بريمر، رئيس سلطة التحالف المؤقتة في بغداد لسنة كاملة (2003-2004) ” كل سُنّي بعثي، وكل بعثي صدّامي، وكل صدّامي نازي”. لذا فإن الإدارة الأمريكية سمحت لشيعة السلطة بالعبث بمقدرات العراق السياسية والإقتصادية بحرية تامة وبلا تدخل أو ردع، سمحت لهم بسرقة الأسلحة العراقية الثقيلة وتهريبها إلى إيران، وسمحت لهم بإغتيال القيادات العسكرية والطيارين وكبار العلماء والأساتذة، وأفرغت البلد من الكفاءات. بل سمحت لهم بقتل عشرات الآلاف من أهل السنة على مرأى من قواتها خلال الحرب الأهلية عامي 2006 و2007 رغم علمها بأن نظام الملالي في إيران هو المسؤول عن تفجير العتبات المقدسة في سامراء ولا علاقة لأهل السنة ولا تنظيم القاعدة بالعمل الإرهابي، كما إعترف الجنرال كيسي في كلمته يوم 22/ 6/ 2013 خلال تجمع ( من أجل الحرية) التي نظمته منظمة مجاهدي خلق في باريس للفترة 20 ـ24 شهر حزيران 2013 بقوله ” أن النظام الإيراني الحاكم متورط بتنفيذ التفجيرات التي استهدفت مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006، مما أدى إلى إشعال الفتنة الطائفية في العراق”، وإتهم كيسي طهران صراحة بأنها “مسؤولة عن أغلب الهجمات المسلحة في العراق التي تستهدف المواطنين الأبرياء”. معزيا ذلك بأن “إستهداف مرقدي الإمامين العسكريين ما هو إلا جزء من مشروع لإشعال الفتنة الطائفية في العراق”. وجاءت الكارثة بقوله” قمت بتبليغ نوري المالكي، بتورط طهران بالهجوم الذي استهدف مرقدي الإمامين العسكريين”.
عندما تتخذ الإدارة الأمريكية موقفا عفويا ونظريا في دعم أهل السنة فهذا ينطلق من مصلحة آنية سرعان ما تنتهي مع الإنتفاء من غرضها مثل تشكيل الصحوات. وهو ما عبرت عنه صحيفة لوفيغارو الفرنسية الذي جاء فيه ” إنه في خضم هذه المواجهة واسعة النطاق التي تدور بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط، تتجنب الولايات المتحدة الانحياز المطلق لأي معسكر، وتتخذ مواقف غامضة ومتناقضة، وتعتمد سياسة اللعب على عدة حبال”.
ويلاحظ إنه من إحتلال العراق من قبل نظام الملالي بتفاهم وتنسيق مع الشيطان الأكبر، بدأ النفوذ الإيراني بالسطوع والنفوذ الأمريكي بالأفول عند زعماء الشيعة، المالكي مثلا الذي زار مقبرة جنود المارينز في واشنطن وقرأ سورة الفاتحة على فطائسهم النتنه، بعد فشلة في الرئاسة الثالثة حمل الإدارة الأمريكية كل مشاكل العرق! ونسى إنه في غفلة من الزمن حقق بواسطة الأمريكان ما لم يجرأ على الحلم به. وهذا الأمر ينطبق على عمار الحكيم ومقتدى الصدر وبقية الرهط السياسي والمذهبي.
في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية تجلى الموقف بشكل أوضح وهذا ما عبر عنه الكاتب ديفيد روثكوف بقوله” أن ما قاله قائد القيادة المركزية الجنرال لويد أوستن، الذي شجب فكرة القتال إلى جانب قوات شيعية قتلت الجنود الأمريكيين أثناء حرب العراق مؤثر، ولكنه يظل فارغا؛ لأنه يعبر عن خداع، فالعالم كله يعرف أن الولايات المتحدة تقدم الدعم للميليشيات الشيعية. ويعرف العالم بالرغم من الكلام الأمريكي كله أن طهران تعزز من نفوذها على حكومة بغداد؛ لأنها مستعدة لوضع قوات برية على الأرض، ولهذا السبب يتم التعامل مع الجنرال قاسم سليماني، قائد لواء القدس، على أنه بطل في مناطق الشيعة والأكراد أيضا، ولكن لا يتعاملون مع الجنرال اوستن بالطريقة ذاتها”. (مجلة السياسة الخارجية في نيسان 2015). فقد أعتبر زعماء الشيعة الجنرال سليماني منقذ العراق، وخرجت تصريحات تعتبر نظام الملالي هو الذي يحافظ على العراق ويحفظ أمنه، وصارت الولايات المتحدة مرتع الشيطان! تناسوا بسرعة غريبة إن الولايات المتحدة لا غيرها من سلمهم السلطة.
قبل السيطرة على تكريت توالت الإتهامات الشيعية للقوات الأمريكية بدعم تنظيم الدولة الإسلامية، وكرر زعيم ميليشيا بدر (هادي العامري) هذه الإتهامات، وكذلك رئيس لجنة الأمن في البرلمان الإرهابي العتيد حاكم الزاملي وفقا لتوجيهات إيرانية بالطبع، وصرح آمر لواء علي الأكبر التابع للمرقد الحسيني( قاسم مصلح) لموقع العتبة الحسينية، إن” الطائرات الأميركية قامت بقصف مواقع عراقية عند مدخل تكريت، أوقع العشرات من الشهداء والجرحى من بينهم 17 من منتسبي الشرطة الاتحادية إضافة إلى قيامها بإنزال جوي داخل تكريت لإنقاذ عدد من العناصر التابعة للنظام الصدامي البائد” ـ يقصد رغد صدام وعزت الدوري ـ. وإتهموا الولايات المتحدة بإنزال مظلات أسلحة وذخيرة لداعش في الأنبار وتكريت وديالى، وغيرها من الإتهامات الباطلة.
لم تجرأ الولايات المتحدة الامريكية عبر سفيرها في العراق سوى الإجابة على هذه الإتهامات الخطيرة بشفافية أكثف من شفافية الجعفري مصرحا ” لا صحة لهذه الأخبار” فقط! في حين كان جواب رئيس الوزراء أفضل من السفير الأمريكي خلال لقائه مع طاقم صحفي في 23/2/2015 بقوله” لقد حققت بنفسي عن هذه الأخبار وتبين إنها كاذبة، وهذه الكذبة تسعى لتحقيق أهداف معينة”. وكذلك صرح وزير الدفاع خالد العبيدي ووزير الخارجية إبراهيم الأشيقر بأنها أخبار كاذبة وإتهامات مفبركة، ولكن الجميع لا يجرأ على توجيه أصابع الإتهام إلى نظام الملالي بإعتباره مصدر الكذبة! لقد تحول العراق الى ساحة صراع نفوذ بين الولايات المتحدة الأمريكية ونظام الملالي الحاكم في إيران، ويدفع الشعب العراق من دماء أبنائه فاتورة هذه الصراع المرير، بسبب الجهل والطائفية والعنصرية والإنقياد إلى الزعماء الدينيين وقلة الوعي الوطني.
رغم فشل جنرالات إيران وأزلامهم في العراق من زعماء الميليشيات وما يسمى بالحشد الشعبي في السيطرة على تكريت وتكبدهم مع الحشد الشعبي خسائر فادحة في الأرواح والأسلحة والمعدات فإنسحبوا وهم يجرون ذيول الهزيمة، ولم يتم السيطرة على تكريت إلا بعد تدخل الولايات المتحدة التي إشترطت إنسحاب الحشد الشعبي ـ ربما هي مناورة لأنهم في الحقيقة لم ينسحبوا ويتركوا ممتلكات وأموال أهل تكريت لغيرهم كما تبين لاحقا ـ وأن يتسلم الجيش العراقي زمام المبادرة. مع هذا يصرح وزير الخارجية العراقي إبراهيم الأشيقر خلال لقائه مع مرتضى سرمدي نائب وزير الخارجيّة الإيرانيّ والمبعوث الخاص للرئيس الايراني حسن روحاني بكل وقاحة” أنَّ العراق يُثمِّن كلَّ الجُهُود التي تـُبذل من قِبَل الدول الصديقة في هذا الظرف الاستثنائيّ وان لايران دورا كبيرا في تحرير تكريت”! حتى هذا الذي يسموه التحرير نسبوه إلى غير أهله!
والمصيبة الأكبر إنه رغم الإشارات الفاضحة لتوغل عناصر الحشد الشعبي إلى تكريت لغرض النهب والسلب والحرق والتدمير والإنتقام والثأر، وهناك العشرات من الأفلام والوثائق التي تثبت هذا. بل وصل الأمر إلى إنسحاب(أحمد الكريم) رئيس مجلس محافظة صلاح الدين ـ وهو من ازلام الحكومة الطائفية ـ مع مجلس إدارته الى خارج حدود قضاء تكريت إحتجاجا على ” إنتهاكات الميليشيات السائبة” حسب تعبيره، مناشدا الحكومة بوقف عمليات السرقة وتفجير المنازل والمتاجر والبيوت. وذكر أن الفوضى في المدينة تسببت بحرق المدينة أمام أعينهم و” لا يمكنهم السيطرة على الوضع”. وقدر ما أحرق وسرق بالمئات من البيوت والمعامل والمتاجر.
بل إن احد النواب من جحوش أهل السنة (مطشر السامرائي الدايح) وهو من أنصار الحشد الشعبي صرح ” على الرغم من قرار رئيس الوزراء بمحاسبة الذين يقومون بعمليات النهب، إلا إن تلك الجماعة خرجت عن سيطرة الحكومة العراقية”. مؤكدا بأن ” مسلحي الفصائل والجماعات التي قامت بالنهب في تكريت يؤمنون بأن أموال المواطنين وممتلكاتهم حلال لهم”! أي المرجعية الدينية كما يبدو تحلل سرا، وتحرم جهرا!
النتيجة التي خلص لها النواب الجحوش من أهل السنة” لا فائدة من إخراج داعش من المدينة وإستبدالها بقوة أخرى تقوم بسلب ونهب المواطنين” حسب تعبير السامرائي. وهذا درس بليغ لأهل الأنبار والموصل، ما حدث في ديالى تكرر في تكريت ولا قدرة للحكومة على كبح جماح المليليشيات الشيعية، ولا عذر لها أيضا. وهذا يعني إن تحرير الموصل والأنبار سيدخل في باب المستحيلات طالما إن رئيس الوزراء ضعيف أمام الميليشيات الشيعية وقوات الحشد الشعبي. سيقاتل أهل الموصل والأنبار حتى النفس الأخير لا حبا بتنظيم الدولة الإسلامية فحسب بل كي لا تتكرر مأساة ديالى وصلاح الدين في محافظاتهم.
لنترك هذا جانبا، ونسمع تصريحات الأمريكان بعد ما يسمى بتحرير تكريت!
ذكر مسؤول عسكري في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أن بلاده” تراقب عن كثب أي تجاوزات محتملة للقوات العراقية وحلفائها في تكريت، لكن حتى الساعة ليس هناك تأكيد لتجاوزات”. كل هذا الحرق والسلب والتدمير ، ولا توجد تجازوات برأي الأمريكان!
هل هو العمى أم التعامي يا ترى؟
علي الكاش