كثيراً ما أًسئل: كيف لك أن تعيش في سوريا، وأنت تنتقد نقداً لاذعاً نظامهاالسياسي القائم، من غير أن تتعرض للملاحقات والمضايقات الأمنية والاعتقال، والنظام السوري معروف باستبداده وبكمه لأفواه معارضيه ؟ . لا جواب على أسئلة يفترض أن توجه للدوائر والأجهزة الأمنية والمخابراتية لدى هذا النظام، صاحبة القرار في توقيف واعتقال من تشاء من السوريين . كمعارض مستقل ، ومن منطلق وطني، بقدر ما انتقد النظام، كذلك انتقد المعارضات (المتحزبة) ، خاصة (معارضات الخارج) ، التي راهنت على الخارج في إسقاط النظام ودعت الى عسكرة (الحراك الشعبي المدني) ، كما انتقدتُ (المعارضات المسلحة) على احتمائها بالمدن والبلدات والمناطق المأهولة، الأمر الذي جعل المدنيين ابرز ضحايا النزاع المسلح على السلطة .
لا أدري إذا ( قلمي ) ، سلاحي الوحيد، يشكل خطراً على أمن ومستقبل النظام . لكن مؤكد أنه ليس خطراً على أمن الوطن، ولا يمكن أن أكون خطراً على وطن، نشأت فيه ، تعلمت في مدارسه ، يحمل هوية شعبي. فسوريا بالنسبة لنا السريان(الآشوريين) هي أكثر من وطن نعيش فيه وأكبر من دولة نحمل جنسيتها. لم ولن ارتكب جرماً ضد الدولة السورية . كل ما اصرح به وما أنشره واكتبه، حق يكفله دستور البلاد ” لكل مواطن الحق في أن يُعرب عن رأيهبحرية و علانية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة”. أعلم جيداً، في ظل الانظمة الدكتاتورية واللاديمقراطية، الدساتير معطلة. لا حصانة للمعارضين. وطنية المعارض، لن تحميه من الملاحقات والمضايقات الامنية ومن المحاكمات الصورية والحبس بتهم جاهزة (وهن نفسية الأمة، مناهضة أهداف الثورة، إثارة النعرات الطائفية، التحريض على الارهاب، وغيرها). خلال مسيرتي السياسية ، تعرضت للكثير من المضايقات والضغوطات الأمنية. اُستدعيت لجميع الأفرع والدوائر الأمنية في القامشلي ودمشق .الاستدعاء إحدى وسائل الضغط والترهيب والتهديد بالاعتقال، لإرغام المعارض على التراجع عن مواقفه. بعد عودتي من (مهمة سياسية) الى دول اوربية 2004، السلطات الأمنية سحبتمني (جواز السفر) ، مع الحرمان من الحصول على جواز سفر جديد والمنع من مغادرة سوريا. بإيعاز من احد (الأفرع الأمنية) المطلوب مني مراجعته، تم حجز (راتبي التقاعدي) منذ بداية هذا العام 2018 . أجراء تعسفي، غير قانوني وغير دستوري، يتعارض مع ابسط حقوق الانسان والمواطن . أنه تعدي صارخ على حقوقي وحقوق اسرتي، بحرمانها من مصدر رزقها. بعد الحجز على الراتب،السؤال الذي يجب أن يسأله هؤلاء السائلون: كيف لك أن تعيش في سوريا بلا راتب ومن غير دخل ؟؟. ما يمكن قوله في مسالة “الاعتقال السياسي”، ثمة اعتقاد سائد في مختلف الأوساط السورية ، أن (السلطات الأمنية) تترك بعض المعارضين، يكتبون ويصرحون، ينتقدون سياسات النظام من غير أن تتعرض لهم، بهدف تجميل صورة (النظام) أمام الراي العام المحلي والخارجي. ولتأخذ منهم، شهادة “حسن سلوك” باحترام حقوق الانسان وبالديمقراطية والحريات
السياسية والاعلامية. طبعاً، هذه ليست قاعدة ثابتة يعتمدها (نظام أمني)شديد الخصوصية والمركزية، وإنما مجرد “تكتيك ” يتبعه النظام عندما يكون مستقراً، مطمئناً لوضعه ، مرتاحاً بعلاقاته الداخلية والخارجية. أما في الظروف الصعبة والاستثنائية، كالحرب الراهنة التي مزقت الوطن وحيث النظام يخوض “معركة البقاء”، لا تساهل مع المعارضين، ولن يكترث النظام بما يقوله الآخرون عنه .
(بشار الأسد) ، خلف والده في الحكم عام 2000. في خطابه الأول(خطاب القسم)ارسل (إشارات إصلاحية) ، أوحت بعزمه على إرخاء “القبضة الحديدية” التيفرضها والده (حافظ الأسد) على المجتمع السياسي. بالفعل، طرأ تحسناًملحوظاً على مسار محاكمات الموقوفين السياسيين، وإن بقيت الشفافية والعدالة غائبتان عن محاكمات المعارضين. فلم يعد يُلقى بالمعارض سنوات وسنوات في السجون من غير أن يحاكم، كما كان يحصل في عهد الأسد الأب.الرئيس الشاب (بشار) شجع المعارضة على التحرك واطلاق نشاط (سياسي وحقوقي) معارض و تأسيس (منتديات سياسية ،جمعيات ولجان حقوقية)، طالبت النظام بإصلاحات سياسية وقضائية. تلك المناخات الايجابية، عرفت بـ”ربيع دمشق”، شجعت المعارضين(وأنا منهم)- رغم الخوف من الاعتقال- على مراجعة (الأفرع الأمنية) حين تستدعيهم للتحقيق. عندما استشعر النظام خطر استمرار “ربيع دمشق ” على وجوده ، سارع الى وأده ،باعتقال ابرز ناشطيه. اليوم، البلاد غارقة في حرب داخلية، وقد اكتظت السجون وأقبية الأفرع الأمنيةبالموقوفين والمعتقلين السياسيين والارهابيين والقتلة المجرمين. وضع(أمني ، سياسي ، قضائي) استثنائي، لا يشجع المعارض على مراجعة الأفرع الأمنية . الكثير من المعارضين ممن تم استدعائهم فضلوا الهجرة وترك البلد. بالنسبة لي، خيار (الهجرة) غير وارد، تحت أي ظرف .
كاتب سوري
المصدر ايلاف