علم الأعداء أنه لا يمكن لمشروع وحدوي عربي أن يمر من دون دعم ومشاركة جناحي الوحدة التاريخيين، أي شعبي العراق وسورية، لذا كان من الضروري على من يريد ضرب ذلك المشروع أن يعمل من الداخل ويدعي الوحدة العربية الإسلامية التي أضر بها عبر تكفير الشعبين بها، فإن كانت القاهرة تاريخيا هي قلب مشروع الوحدة العربية فدمشق وبغداد هما رئتاها!
> > >
وقد يكون مستغربا (أو غير مستغرب) أن تظهر الوثائق السرية البريطانية لفترة 1958 ـ 1963 تقارير من سفارتها في بغداد تطالب بدعم وتأييد الزعيم عبدالكريم قاسم رغم توجهاته القريبة من الشيوعية في عز الحرب الباردة على حساب نصرة التوجهات والأنظمة القومية والوحدوية العربية، وكان واجبا بعدما ظهر ضعف نظام قاسم وانصراف الشعب عنه وتكرر المظاهرات والإضرابات والاعتصامات ضده، ان يتم اسقاطه بعد ضمان اختراق القادم الجديد.
> > >
ويعتقد أن حزب البعث بفرعيه السوري والعراقي تم اختراقه أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات إبان وجود قياداته واتباعه العراقيين (قسرا) والسورية (رفقا) في القاهرة، وأن الاختراق الدولي تم على يد وزير الداخلية المصري الغامض آنذاك زكريا محيي الدين الذي جعل رجل المخابرات الشهير مايلز كوبلاند كلماته مقدمة لكتابه الأشهر «لعبة الأمم» كدلالة على الإعجاب به، كما اختاره عبدالناصر رئيسا خلفا له بعد خطاب تنحيه في يونيو 1967 كوسيلة لتحسين العلاقات مع الغرب، والأرجح ان اختراق بعث العراق تم عن طريق صدام، وبعث سورية عن طريق اللجنة العسكرية السورية السرية.
> > >
وفي 8/2/1963 نجح حزب البعث وقوى وحدوية متحالفة معه في القيام بانقلاب في بغداد، وفي 8/3/1963 نجح حزب البعث والقوى الوحدوية المتحالفة معه في القيام بانقلاب في دمشق، وتم خلال السنوات اللاحقة التخلص من الوحدويين الحقيقيين داخل حزب البعث وخارجه عبر قتلهم أو رميهم في السجون، كما قام قادة الحزب في بغداد ودمشق بدلا من توحيد البلدين بادعاء العداء الشديد بينهما وتأجيج الفتن الطائفية والعرقية بين شعبيهما وضرب الطوائف بالطوائف والأعراق بالأعراق، وبادروا في عامهم الأول، أي عام 1970، بتحريض عملائهم في المنظمات الفلسطينية بالأردن للتعدي على الجيش الأردني واعديهم بالتدخل بالقتال معهم، ثم جلسوا للتفرج على نيران تلك الحرب التي أشعلوها والتي أضعفت التوجه الوحدوي لدى الشعب الأردني.
> > >
وفي ابريل 1975 أشعل مقاتلو جبهة التحرير العربية الفلسطينية الموالية للعراق فتيل الحرب الأهلية اللبنانية بحادثة عين الرمانة وتكفلت القوات السورية التي دخلت عام 1976 بحجة الرغبة في وقفها ببقائها لمدة 16 عاما حتى كفر العروبيون في لبنان بعروبتهم وبحتمية الوحدة العربية، كما حدث لاحقا في الكويت عام 1990 عندما تسبب الغزو البعثي والقتل والقمع في إضعاف التيار الوحدوي.
> > >
آخر محطة:
(1) المبالغة في العنف والتدمير وسفك الدماء الذي قام به البعث السوري عام 1982 تجاه حماة ومحافظات الشمال كي يكفرهم بالبقاء ضمن الدولة الواحدة، تقابله المبالغة في العنف وسفك الدماء الذي قام به البعث العراقي ضد الأكراد وأهل الجنوب عامي 1988 و1991.
(2) من يقرأ محاضر الوحدة الثلاثية بين مصر وسورية والعراق عام 1963 يكتشف ان هناك طرفا مصريا يدعي الوحدة إلا انه يقوم بتفجيرها من الداخل، وهو الاستاذ هيكل الذي هاجم القيادات الوحدوية في دمشق وبغداد، وكثير منهم ليسوا بعثيين، فأفشل تلك الوحدة، وكرر ذلك العمل لاحقا إبان مباحثات الوحدة الرباعية بين مصر وسورية والسودان وليبيا عام 1971 عندما حرض السادات على الانقلاب على أتباع عبدالناصر ممن أسماهم بمراكز القوى، فأفشل ذلك المشروع.
(3) في الأيام الأولى لانقلاب «الوحدوي» معمر القذافي وصل لطرابلس بشكل سري كل من البعثي القيادي العراقي سعدون حمادي ومحمد حسنين هيكل، حيث لقنا العقيد القذافي شهادتي دعم العروبة والوحدة قولا، وتدمير العروبة والوحدة فعلا.. وأمجاد يا عرب أمجاد!
نقلاً عن صحيفة “الأنباء”
www.alanba.com.kw/kottab/sami-alnisf/478799/22-06-2014