لا يفوت بنيامين نتنياهو، الذي سيزور موسكو قريبا، مناسبة لتأكيد رؤيته للحدود التي يريدها لاسرائيل. تشمل هذه الحدود قسما من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس، ومرتفعات الجولان. لم يعد مشروع نتنياهو، ولم يكن يوما سرّا. الجديد ان كلّ ما يفعله الآن، في ضوء التطورات التي تشهدها سورية، يأتي بتنسيق مع روسيا الموجودة عسكريا على الارض السورية.
لم يرد «بيبي»، كما يسمّيه الاسرائيليون، في ايّ يوم مفاوضات جدّية مع الجانب الفلسطيني. كان همّه، ولا يزال، منصبّا على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية من اجل خلق واقع جديد على الارض من جهة وتطويق القدس من كل جانب من جهة اخرى.
قضى نتنياهو على خيار الدولتين، الذي نادى به المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتّحدة، منذ زمن. اعترض دائما على كلّ ما من شأنه التمهيد لتسوية معقولة ومقبولة تؤمن الحد الادنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. الأكيد ان قوى فلسطينية مدعومة من الخارج مارست لعبة التطرّف والعمليات الانتحارية في مرحلة معيّنة من اجل وصول نتنياهو الى السلطة في 1996 خلفا لإسحق رابين. مارست هذه القوى اللعبة المفضلة لليمين الاسرائيلي، وهي لعبة تقوم على مقولة ان «لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه».
انتهز «بيبي» مرور ما يزيد على خمس سنوات على الحرب الدائرة في سورية، وهي حرب يخوضها نظام أقلّوي في مواجهة مع شعبه، من اجل عقد جلسة لمجلس الوزراء في احدى المستوطنات المقامة في الجولان المحتل منذ نصف قرن الّا سنة واحدة. نعم منذ نصف قرن عندما كان حافظ الاسد وزيرا للدفاع وقبل وصوله الى الاستفراد بالسلطة في العام 1970.
اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي من الجولان انه سيبقى اسرائيليا «إلى الأبد».
بقي الجولان تحت سيادة الدولة السورية المستقلّة اقلّ من ربع قرن، وهو تحت الاحتلال الاسرائيلي منذ نصف قرن. لماذا لم يفعل النظام السوري شيئا من اجل استعادة ارضه المحتلة طوال كلّ هذه المدّة؟ حسنا، كانت هناك حرب اكتوبر في العام 1973. اعتبرها النظام السوري انتصارا عسكريا، في حين وصلت القوات الاسرائيلية نتيجة تلك الحرب الى ابواب دمشق.
كان امام النظام السوري منذ انتهاء تلك الحرب، التي استثمرها سياسيا الى ابعد حدود، خياران. إمّا استعادة الارض بالقوّة وإمّا الدخول في مفاوضات كي يعود الجولان الى اهله. فضّل النظام السوري حال اللاحرب واللاسلم. كان النظام السوري في كلّ وقت عاجزا عن الحرب وعاجزا عن السلم. فضّل المتاجرة بالجولان على ايّ شيء آخر. فضّل في الوقت ذاته اعتبار الانتصار على لبنان بديلا من الانتصار على اسرائيل. لذلك كان هناك دائما اتفاق ضمني بين النظام واسرائيل على ابقاء جبهة جنوب لبنان جرحا مفتوحا يستفيد منه الجانبان في حين لم يعد عصفور يمرّ في سماء الجولان منذ توقيع اتفاق فكّ الاشتباك السوري ـ الاسرائيلي في العام 1974 برعاية «العزيز» هنري كيسينجر وزير الخارجية الاميركي وقتذاك.
رفض النظام السوري في كلّ وقت الدخول في مفاوضات جدّية من اجل استعادة الجولان. وهذا ما كان يناسب اسرائيل التي لم تعترض يوما في العمق على السياسة التي يتبعها هذا النظام. ففي مؤتمر مدريد للسلام الذي انعقد في أواخر اكتوبر 1991، بعد ثمانية اشهر من انتهاء الاحتلال العراقي للكويت، كانت هناك محاولة جدّية برعاية اميركا والاتحاد السوفياتي والاتحاد الاوروبي من اجل التوصل الى تسوية شاملة. كان الموقف السوري في ذلك المؤتمر من النوع المضحك ـ المبكي، اذ اقدم فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري وقتذاك، على عمل ذي طابع مسرحي يستهدف اظهار اسحق شامير، رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي كان يرأس وفد بلاده بانّه ذو تاريخ ارهابي. هل تاريخ شامير الذي كان عضوا في عصابة «ايرغون» سرّ عسكري لا يعرف عنه احد شيئا باستثناء فاروق الشرع… ام ان همّ وزير الخارجية السوري كان محصورا في ذلك اليوم في الاستحواذ على رضا حافظ الاسد من جهة وتوجيه رسالة الى اسرائيل من جهة اخرى؟
فحوى تلك الرسالة الموجّهة من وزير خارجية النظام الى كلّ من يعنيه الامر ان سورية غير مهتمّة باستعادة الجولان وان الاولوية هي للمتاجرة بالهضبة المحتلة التي كانت حكومة مناحيم بيغن اعلنت في الثمانينات ضمّها رسميا بعد موافقة الكنيست على ذلك.
تبيّن في المدى الطويل، اي بعد نصف قرن من احتلال الجولان ان سورية والشعب السوري يدفعان ثمنا غاليا لنظام حكمهم بالحديد والنار وكان يختلق الحجج من اجل بقاء الاحتلال.
كانت احدى الحجج اللافتة تلك التي استخدمها الاسد الاب في لقائه الاخير مع الرئيس بيل كلينتون في ابريل 2000، اي قبل شهرين من وفاة الاسد. تمسّك الاسد الاب في الاجتماع الذي انعقد في جنيف بانسحاب اسرائيلي الى خط معيّن على ضفة بحيرة طبريا بحجة انه كان يصطاد السمك هناك وانّه لا يستطيع التخلي عن شبر من الارض. راح عن باله ان مستوى المياه في البحيرة تقلص منذ ما قبل العام 1967.
في كلّ الاحوال، لم تكن اسرائيل ضدّ هذا الطرح، هي التي كانت دائما ضدّ اعادة الجولان، حتّى لو كان ذلك في ظلّ اتفاقات معيّنة. كانت تعرف ان النظام السوري سيجد مبررا لرفض كلّ عرض يعيد لسورية ارضها المحتلّة.
لم يكن الجولان يوما همّا لدى النظام السوري. كان همّه الوحيد البقاء في السلطة والمزايدة على العرب الآخرين وابتزازهم وصولا الى تمكين الاب من توريث البلد لابنه في السنة 2000.
من الطبيعي ان تقبض اسرائيل حاليا ثمن استثمارها الطويل المدى في نظام لا يتردّد لحظة في خدمتها. خرّب هذا النظام سورية ولبنان. كذلك، اخذ الفلسطينيين من كارثة الى اخرى بدليل توريطهم في حرب لبنان بين 1975 و1982. منعهم طوال تلك المرحلة من الإقدام على ايّ خطوة يمكن ان تساعدهم في بلوغ حلم الدولة المستقلّة. جعلهم اسرى شوارع بيروت وازقتها واداة في إبقاء الجنوب اللبناني جرحا نازفا، بدل استغلال الفرص المتاحة. ليس صحيحا انّه لم تتوافر فرص امام الفلسطينيين في مرحلة ما بعد حرب 1973 وفي عهد جيمي كارتر وبعد التوصل الى اتفاقي كامب ديفيد في العام 1978. احد الاتفاقين كان خاصا بالفلسطينيين في مرحلة كان عدد المستوطنات في الضفّة الغربية ما زال محدودا. هل من يريد ان يتذكّر ذلك ؟
على الصعيد الاسرائيلي، يمكن القول ان النظام السوري ادّى كلّ المطلوب منه، خصوصا عندما لعب دورا اساسيا في تمكين ايران من تعميق الشرخ المذهبي في المنطقة. لذلك، يأتي اجتماع مجلس الوزراء الاسرائيلي في الجولان وما تلاه من كلام لبنيامين نتنياهو تطورا اكثر من طبيعي وفي السياق المنطقي لتطور العلاقة بين النظام واسرائيل، مع ما يعني ذلك من استمرار للاحتلال.
كان هذا الاحتلال في كلّ يوم وطوال أقلّ بقليل من نصف قرن خير معين لنظام اخذ على عاتقه تحويل السوريين عبيدا لديه وسورية مجرّد مزرعة لدى العائلة الحاكمة.
*نقلاً عن صحيفة “الراي”
لو اردنا شرح الجاسوسية المفضوحة التي لا تفيد العدو و لكنها تزيد من فرص تفكيرة بوجود مرتزقة للأدوار الوشخة ،لاخذنا مقالك و صورتك و جعلنا منها مثالاً مضحكاً للمهتمين الصغار بشؤون الوطن.
هههههههههه
المقال لا يصلح لشيئ، و مضحك لسببين بسيطين
1- الاجترار
2- إجترار الإجترار.