الإثنين 18 مارس 2013 / 19:11
عن “فورين بوليسي” – إعداد: طارق عليان
في مقال تحليلي نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية على موقعها على الإنترنت، قال الكاتب الصحفي حسن حسن، لم يتوقع أحد في سوريا أن تستمر الثورة المناهضة للنظام طويلاً أو تؤدي إلى سقوط هذا العدد من الضحايا والقتلى، لكن بعد سقوط نحو 70 ألف قتيلاً، وتشرّد نحو مليون لاجئ، وسنتين من الاضطرابات، ما يزال الوضع كئيباً ولا توجد بوادر انفراج تلوح في الأفق.
ورأى الكاتب أنه على الرغم من أن معظم اللوم يقع على عاتق وحشية نظام بشار الأسد، فإن فشل المعارضة المزمن في تشكيل جبهة فعّالة ضد النظام قد سمح بإطالة مدى الصراع القاتل، مضيفاً أن هناك جماعة واحدة مناهضة للنظام هي المسؤولة إلى حد كبير عن هذه الحالة الكئيبة المشوشة؛ إنها جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.
وأشار الكاتب إلى أنه أجرى محادثات طوال الثورة السورية مع شخصيات من المعارضة والنشطاء والدبلوماسيين الأجانب حول كيفية تعزيز الإخوان لنفوذ قوى داخل المعارضة الناشئة بعد أن كادت أن تندثر في يوم من الأيام.
ولفت الكاتب إلى أن النظام البعثي كان قد عمل بعنف ووحشية لمحو هذه الجماعة من الوجود في الثمانينات من القرن العشرين بعد إخماد النظام البعثي لانتفاضة قادها الإخوان في حماة. ومنذ ذلك الحين، كان الانتماء إلى جماعة الإخوان جريمة يُعاقب عليها صاحبها بالإعدام في سوريا، ورأت الجماعة وجودها وهو يذبل على أرض الواقع حتى أصبحت لا شيء تقريباً. لكن منذ اندلاع الانتفاضة في 15 مارس (آذار) 2011، انتقلت جماعة الإخوان ببراعة لتستولي على مقاليد السلطة من الفصائل السياسية والعسكرية للمعارضة.
ووفقاً لشخصية كانت حاضرة في المؤتمر الأول لتنظيم المعارضة السورية، الذي عُقد في أنطاليا بتركيا في مايو (أيار) 2011، كان الإخوان في البداية مترددين من الانضمام إلى كيان سياسي مناهض للأسد. وكانت الجماعة قد علقت معارضتها لنظام البعث رسميّاً في أعقاب الهجوم الاسرائيلي على غزة عام 2009، وانسحبت من التحالف مع عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق الذي انشق في عام 2005.
ومع ذلك أرسلت جماعة الإخوان أعضاءً منها للمشاركة في المؤتمر، منهم ملهم الدروبي، الذي أصبح عضواً في المكتب التنفيذي للمؤتمر. وفي الوقت نفسه، اتخذت خطوات لتشكيل مجموعات قتال داخل سوريا، وتجنيد مقاتلين محتملين، واستغلال اتصالاتها المحدودة نسبيا على الأرض في كل من حمص وحماة وإدلب وحلب.
وبحسب الكاتب، فإنه عند تبلور فكرة توحد كتلة المعارضة لقيادة ثورة شعبية واكتسابها زخماً، أصبح الإخوان أكثر مشاركة. وبعد شهر من الاجتماع الذي عقد في أنطاليا، نظمت مؤتمرا في بروكسل، حضره 200 شخص، غالبيتهم من الإسلاميين، والذي يُعد أحد عوامل الانقسام الأولى في وحدة المعارضة. نظمت جماعة الإخوان عدة مؤتمرات لاحقا شكّلت جماعات المعارضة لتعمل بمثابة واجهات لهذه الحركة، وسمحت لها بتعزيز وجودها في الكيانات السياسية.
بعد المؤتمر الذي عُقد في بروكسل، تم تشكيل ثلاث مجموعات على الأقل “لدعم الثورة السورية”. وواصلت المنظمات عملية التكاثر، وبعد بضعة أشهر من المؤتمر الأول اندمجت تلك المجموعات في الكيانات المعارضة التي كوّنت في وقت لاحق نواة المجلس الوطني السوري، وهي مجموعة شاملة تمثل ظاهريّاً جميع القوى المناهضة للأسد. وحدد المجلس مقاعد للإخوان وأعضاء إعلان دمشق وهم مجموعة من الإصلاحيين السوريين تأسست في عام 2005، لكن لدى الإخوان وجود كبير بالفعل داخل جماعة إعلان دمشق.
ووفقا لأعضاء في الائتلاف الوطني السوري الذين كانوا جزءاً لا يتجزأ من اجتماعات المعارضة في بدايتها، فضلاً عن نشطاءٍ على مقربة من جماعات الإخوان، اشتملت الجماعات التي كانت بمثابة واجهات للإخوان على: الاتحاد الوطني لطلبة سوريا الحرة، بزعامة حسن درويش؛ رابطة علماء بلاد الشام؛ التيار الديمقراطي الإسلامي المستقل، بزعامة غسان نجار؛ رابطة علماء سوريا، بزعامة محمد فاروق البطل؛ اتحاد منظمات المجتمع المدني وهي كتلة من 40 جماعة تنتسب إلى الإخوان؛ المجلس القبلي لعرب سوريا، بزعامة سالم المسلط وعبد الإله ملهم؛ مجلس الثورة في حلب وريفها، بزعامة أحمد رمضان، وهيئة حماية المدنيين، بزعامة عمار الحكيم نذير، وجبهة العمل الوطني، بزعامة رمضان وعبيدة نحاس، وجبهة العمل الكردية، بزعامة حسين عبد الهادي؛ صفحة الثورة السورية على الفيسبوك، التي تقرر أسماء الاحتجاجات في يوم الجمعة؛ تجمع حماة الثورة؛ الائتلاف الوطني لحماية المدنيين، بزعامة هيثم رحمة؛ الجمعية السورية للإغاثة الإنسانية، التي أسسها حمدي عثمان.
وتضم المجموعات الأخرى التي تمثل منافذ للإخوان، لكنها غير ممثلة في الكيانات السياسية: مركز الشرق العربي للدراسات الاستراتيجية والحضارة، برئاسة المتحدث باسم جماعة الإخوان زهير سالم؛ واللجنة السورية لحقوق الإنسان، برئاسة ممثل الإخوان وسفير المعارضة لدى بريطانيا وليد صفور. وتقود ابنة محمد فاروق طيفور نائب المرشد العام لجماعة الإخوان في سوريا مجموعةً تمثل النساء والأطفال أيضاً.
بالإضافة إلى ذلك، نفى بعض الأشخاص المنسوبين للإخوان أنهم كانوا جزءاً من الجماعة وأنهم انضموا إلى المجلس الوطني السوري بصفتهم “مستقلين”، ومنهم النحاس، مدير مركز المشرق العربي بلندن؛ ولؤي صافي، زميل سوري أمريكي بجامعة جورج تاون والرئيس السابق للمجلس السوري الأمريكي، ونجيب غضبان، أستاذ العلوم السياسية الذي يعمل أيضاً في المجلس السوري الأمريكي .
ووفقا للكاتب، فإن الهيمنة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين صارت أكثر وضوحاً في نهاية سبتمبر (أيلول) 2011، عندما التقت شخصيات من المعارضة والقوى السياسية في فندقين منفصلين في تركيا لتشكيل كيان سياسي يمثل جميع قوى المعارضة. وفي علامة مبكرة على مهارتها التنظيمية، قسمت جماعة الإخوان نفسها إلى مجموعتين، واحدة في كل فندق، للتأثير على كل جانب من حيث شكل الكيان السياسي المطلوب: ذهب زعيم الإخوان المسلمين، رياض شقفة، إلى فندق بينما توجه نائبيه طيفور وعلي صدر الدين البيانوني إلى الفندق الآخر. وقام الدروبي برحلات مكوكية ذهاباً وإياباً. نجحت الاستراتيجية، وتم وضع قائمة بالأعضاء المتفق عليهم في أحد الفنادق، وأضيف مزيد من أعضاء الإخوان والجماعات المنتسبة للإخوان قبل إعلان تأسيس المجلس الوطني السوري في 2 أكتوبر.
وبحلول شتاء عام 2011، كان الإخوان قد توسعوا في نفوذهم كثيراً. لم تمتلك الجماعة تأثيراً كبيراً في المجلس الوطني السوري فحسب، بل حصلت على أنصار في صفوف المنشقين عن الجيش ولجان التنسيق المحلية في سوريا. قبل مؤتمر سبتمبر(أيلول)، سافر نحو 100 ناشط شاب إلى تركيا، حيث قدم لهم الإخوان تدريباً إعلاميّاً وقدموا لهم الأدوات اللازمة. وعندما عاد المتدربون إلى سوريا، وفقا لأحد المنظمين لاجتماعات المعارضة، شكلوا لجان تنسيق في عشرات البلدات الصغيرة والمدن لدعم حركة الإخوان.
التقى أعضاء جماعة الإخوان أيضاً مع المنشقين عن جيش النظام السوري في وقت مبكر. ويذكر الكاتب قول منشق عسكري له إن الجماعة طلبت منهم الولاء مقابل قيام الإخوان بالضغط على تركيا لإقامة منطقة عازلة على طول حدودها مع سوريا. ولم تكلل جهودهم بالنجاح في هذا الوقت، لكن في وقت لاحق فاز الإخوان بولاء العقيد رياض الأسعد الذي أسس الجيش السوري الحر
(FSA)،
ليحل محل حركة الضباط الأحرار ذات الميول العلمانية.
وبحسب الكاتب، فإنه بعيد تشكيل الجيش السوري الحر، بدأت كتائب جديدة في اتخاذ أسماء دينية، بدلا من أسماء مناطق أو شخصيات وطنية. كان نفوذ الإخوان المسلمين داخل الجيش السوري الحر معروفاً للمنشقين عن الجيش في ذلك الوقت. وكان هذا هو السبب وراء انشقاق أول ضابط درزي من الجيش، وهو المقدم خلدون سامي زين الدين، واتخاذه خطوة غير معتادة بالانضمام إلى حركة الضباط الأحرار في أكتوبر(تشرين الأول) 2011، بدلاً من الجيش السوري الحر.
واصلت جماعة الإخوان جهودها المتواصلة في بناء نفوذها داخل قوات الثوار. وبحسب الكاتب، فقد شملت فصائل القتال المدعومة من قِبَل الإخوان: لواء التوحيد، المدعوم من قِبَل قادة الإخوان في حلب، ولا سيما البيانوني ورمضان؛ وبعض العناصر في كتائب الفاروق القوية؛ وهيئة حماية المدنيين، التي تعتبر الجناح العسكري للإخوان بقيادة الحكيم ؛ وأنصار الإسلام، ومقرها في دمشق والمناطق الريفية المحيطة بها. وتمتلك جماعة الإخوان المسلمين كتائب في جميع أنحاء البلاد والتي عادة ما تتضمن أسماؤها كلمة “درع”، مثل درع الفرات، درع العاصمة، ودرع المسجد الأقصى. كما يقومون بالتنسيق في بعض المناطق الأخرى مع جماعات متشددة مثل جبهة النصرة وأحرار الشام، وفقا لمنشقين عن الجيش.
والأهم من ذلك، برأي الكاتب، هو معارضة جماعة الإخوان بنجاح للمحاولات الرامية لتحديد كيفية إدارة الفترة الانتقالية حال سقوط الأسد. وتأمل الجماعة بما لا يدعو مجالا للشك في أن تكون قادرة على استغلال الغموض المحيط بتلك النقطة لامتلاك دفة القيادة بعد سقوط النظام القديم. في يونيو(حزيران) 2012، عقدت جامعة الدول العربية اجتماعاً كبيراً في إسطنبول لإعادة هيكلة المجلس الوطني السوري، وقال السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد للمعارضة إن المجلس يجب أن يُخضِع نفسه للجنة مستقلة من شأنها أن تضع إصلاحات داخلية إذا كانت تأمل في كسب مزيد من الدعم الأمريكي. واجتمعت لجنة في القاهرة في يوليو(تموز) 2011، وقدمت مسوّدة مشروع يحدد الفترة الانتقالية ويتناول واجبات قوى المعارضة ومصير الفصائل المسلحة بالتفصيل. كما شمل المشروع مادة هامة تجرّم استخدام المال السياسي لشراء الولاء.
ويرى الكاتب أن مسودة مشروع إدارة الفترة الانتقالية، الذي وقعت عليها قوى المعارضة في نهاية المطاف، قد وجّهت ضربةً قويةً لمخطط احتكار الإخوان للسلطة. لكن تحركت الحركة الإسلامية بسرعة لمنع أي قيود على قدرتها على تشكيل نظام ما بعد الأسد. ووفقاً لأعضاء حضروا الاجتماع، لم يقم المؤتمر الوطني السوري بتشكيل لجنة متابعة لضمان إدخال هذه المسودة في رؤية المعارضة على الرغم من الضغوط الخارجية التي تحث على ذلك. ووجه الإخوان ضربةً نهائيةً للمسودة عندما نجحت في إبعادها من بيانات تأسيس الائتلاف الوطني السوري، الذي أنشئ في الدوحة في نوفمبر(تشرين الثاني) 2012.
وألمح الكاتب إلى استفادة الإخوان من نفوذهم في تركيا وقطر ومصر، حيث عملت قناة الجزيرة القطرية على “تلميع” صورة الإسلاميين المناهضين للنظام في تغطيتها لأحداث الثورة السورية، مشيراً إلى أن الأخوان عمدوا أيضا إلى اختيار قادة يستطيعون السيطرة عليهم بسهولة أو ممن يفتقرون إلى المهارات القيادية. ووفقاً لعضو في ائتلاف المعارضة، فإن الإخوان أيدوا تعيين زعيم الائتلاف الوطني السوري الحالي، معاذ الخطيب، لأنهم يعتقدون في سهولة اقتياده لأنه “واعظ مسجد طيب القلب”.
لكن أثبت الخطيب أن الإخوان أبخسوه قدره لأنه لم يخضع لسيطرتهم، وأعلن من جانب واحد مبادرة شجاعة للحوار مع النظام، فتعرض لهجمات شرسة من جانب جماعة الإخوان وحلفاؤها؛ فقد وجّه الإئتلاف الوطني السوري انتقادات للخطيب بسبب “اتخاذه قرارات شخصية”، في حين رفضت جماعة الإخوان نفسها المبادرة ووصفتها بأنها “غير منضبطة وغير كافية”.
ويخلص الكاتب إلى القول بأن الإخوان المسلمين يعرفون جيداً أن عليهم قطع طريق طويل قبل أن يتمكنوا من السيطرة على سوريا. لكن قدرتهم على لعب دور رئيسي في إطالة الأزمة الحالية لا يبشر بالخير لدورهم في سوريا الجديدة بعد سقوط الأسد.