الدكتور محمد برازي
عندما أنهيت عملي قرّرت العودة للبيت مشياً على الأقدام للتمتّع باستنشاق الهواء النقي المنعش العليل ، ولأخفّف من وطأة الأفكار التي أثقلت كاهلي ، وسرت بخطاً متلعثمة حسب تداعيات الأفكار والأحداث التي كانت تتوارد من الذاكرة ومن اللاوعي لمنطقة الوعي المستنفرة لاستيعاب كل ماتجده في طريقها ، ربما بسبب الملل أو الغربة أو الوحشة أو التفكير الذي تجاوز الحد المسموح به ، ولن أقول الخط الأحمر لأن الخطوط التي تعني ذلك هنا هي صفراء ، وكان الصمت يلفني ولكنه كان صمتاً موحشاً ، وليس هناك ماهو مؤنس سوى بصيص أمل يتضاءل ، والصمت تربة خصبة تنمو فيها أي فكرة ، وانتابني دوار هادئ نتيجة صراع وعراك لأفكار ومواقف وأحداث وذكريات أرهقتني ، حتى شعرت بضرورة حمل رأسي على يدي ، ثم التفت خلفي وأمامي فلم أجد من يحدثني أو أحدثه فانخرطت في الأحلام والأوهام ، وما صحوت إلًا على صوت بائع الكتب على الرصيف ، فدفعني الفراغ والفضول لتصفح بعض العناوين والتي كان أكثرها وكالمعتاد من نوعية كيف تكتب رسائل الغرام .. كيف تكتب موضوعاً في الإنشاء .. كيف تتعلم الفرنسية في خمسة أيام .. وكل مايخطر ببالك من لغات العالم ، ولكن في زاوية جانبية لفت نظري بعض عنوان لكتاب قرأت منه :كيف تصبح …، فظننت أنه يتحدث عن الإصباح ، وذهب خيالي الى اصباح بعد كوابيس من ليل طويل ، أو إصباح بعد ليل ملون بالأحلام الوردية أو الرمادية وغالباً ماتكون سرابية، فمددت يدي لسحب ذلك الكتاب من أجل معرفة ذلك الإصباح الذي يتحدث عنه ، وكانت المفاجأة عندما تبين لي انه يتحدث عن : كيف تصبح كاتباً في خمسة أيام ، وهنا انتابني شعور بالنشاط والحيوية ، وبدأ بصيص ذلك الأمل بالتوهج في داخلي ، وهذا مادفعني الى شرائه ومن ثم حث الخطا به نحو البيت .
وبدأت بالقراءة ، وكان الدرس الأول : تعلم الأحرف الأبجدية ، وكان ذلك سهلاً فأتقنتها لأ نني نشأت على حفظ هذه الحروف ، والدرس الثاني : تعلمت منه كيفية توصيل هذه الأحرف مع بعضها البعض لتشكيل كلمة تدل على معنى ، وكان ذلك سهلاً أيضاً ، والدرس الثالث : بأن لكل حرف من حروف الأبجدية يد واحدة قد تكون يمينية أو يسارية حسب الحرف أو اثنتين ، وكل حرف يتصل بأخيه أو بأخويه وذلك حسب جهة توضّع يده أو يداه ، والدرس الرابع : تطبيق وتركيب جملة مفيدة مما تعلمته حتى ولو كانت جملة اسمية ، فكتبت التالي :
إذا هبّت الرياح ببلدة ………… فالأرض تثبت والغصون تميل
ثم قلبت الصفحة حسب التعليمات وكان الدرس الخامس حيث المفاجأء : مبروك لقد أصبحت كاتباً وكدت أطير من الفرح ، واتصلت بأصدقائي لأزف لهم البشرى بأنني أصبحت كاتباً ، ودعوتهم للإحتفال معي في هذه المناسبة ، وأثناء الإحتفال ونشوتي به ، سألني أحد أصدقاء صديقي الذي حضر معه : هل أنت كاتب ليبرالي أم كاتب راديكالي ؟ وبما أنني لم أستوعب ماقاله قلت له : شو يعني قصدك ؟ فقال لي : هل أنت كاتب كلاسيكي أم كاتب حداثي ؟ عندها شعرت بثقل في رأسي ، ودوار في عقلي ، وكركعة في معدتي ، وضاعت مني وعني الكلمات ، ورحت أتلمس الأحرف الأبجدية مرة أخرى علها تسعفني في هذا المأزق الذي لم أحسب له حساب ، فقلت له : أنا مجرد كاتب ، لست ليربالي ولست كاريدالي ، فقال لي : بل يجب أن تنتسب الى مدرسة على الأقل تبلور من خلالها هويتك ! فقلت له : لقد بلورت هويتي عند محل تجليد الهويات وحافظت عليهامن التلف ، ولست بحاجة لذلك الآن ، أما المدرسة فقد انتميت الى مدرستي الإبتدائية والتي تعلمت فيها الأحرف الأبجدية وتخرجت منها بشهادة أحتفظ بها ، فقال لي هذا لايكفي لابد أن تكون ملتزماً ، وأنا لا أقصد المدرسة التي تعلمت فيها الأبجدية ؟ فقلت له : ان هذه المدارس التي تتحدث عنها لم تكن على زماننا .
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :