سمير صالحة: عن الشرق الاوسط
جون كيري وزير الخارجية الأميركي الجديد، الذي أراد أن يكون الشريك الاستراتيجي التركي بوابة عبوره إلى عواصم المنطقة في جولة شرق أوسطية شاقة ومتشابكة، ربما يشعر بكثير من الكآبة وخيبة الأمل، بسبب خياره هذا الذي خذلته أنقرة فيه.
وعلى الرغم من مسارعة الوزير الأميركي لتدشين بركة المياه في باحة السفارة الأميركية في أنقرة باسم الشرطي التركي الذي قضى في الهجوم الذي استهدف المبنى، مركّزا على وحدة المصير بين أنقرة وواشنطن، وعلى الرغم من دخول الرئيس التركي عبد الله غل على الخط، في محاولة لتلطيف الأجواء وتبديد السحب الداكنة في أجواء العلاقات التركية – الأميركية، عبر تقديم هدية تذكارية للضيف الزائر، تعبيرا عن التقارب والتمسك بهذا التحالف الاستراتيجي المفترض، فإن الاختلافات في وجهات النظر تكاد تتحول إلى خلافات وتباعد في التعامل مع كثير من الأزمات والقضايا الإقليمية والدولية، لن يكون من السهل تجاهلها أو تجاوز ارتداداتها.
كيري وقف أمام عدسات الكاميرا التركية يتحدث عن المصالح المشتركة، ويذكّر الأتراك بالدعم الأميركي المفتوح لأنقرة على طريق العضوية الأوروبية، ويدعو لرفع أرقام التبادل التجاري بين البلدين، التي وصلت مؤخرا إلى 12 مليار دولار، لكن نظيره التركي داود أوغلو اختار نهجا آخر في المحادثات، وهو الترديد على مسامع ضيفه أن حل الصراع العربي – الإسرائيلي والاستقرار الدائم لا بد أن يقوم على قرارات الأمم المتحدة المعلنة عام 1967.
كيري الذي جاء يقرأ على مسامع الأتراك أولويات واشنطن ويطالب أنقرة:
– بأن تكون أكثر تفهما وتعاونا مع المشروع الأميركي – الروسي للحل السياسي في سوريا، لا بل يطالبها بإقناع المعارضة السورية بقبول خارطة الطريق المفترضة لإنجاز العملية الانتقالية هناك.
– وأن تضع حدا لتوتر علاقاتها مع إسرائيل، وضرورة إعادة هذه العلاقات إلى سابق عهدها، لأن واشنطن تدفع ثمنا باهظا بسبب القطيعة القائمة بين أهم حليفين استراتيجيين لها في المنطقة.
– وأن تنهي حربها المفتوحة مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عبر دعمها للقوى السياسية المحلية المقربة إليها.
– وأن تحسم موقفها في مسألة تقلق واشنطن، وهي قيادة حركات إسلامية لمسار التغيير في بلدان الربيع العربي، ويعتبرها البيت الأبيض مصدر خطر على سياساته ومصالحه العربية.
– وأن تهضم كلام سفيرها لدى تركيا ريكاردوني، الذي قيل إنه تجاوز الخط الأحمر، عندما بدأ الحديث عن مسار التغيير والديمقراطية في تركيا.
وجد أن الأتراك فاجأوه بما لم يتوقع:
– تمسك أردوغان برحيل الأسد، واقتراب هذا الموعد الذي لن يستطيع أحد أن يمنعه، وأن دعم المعارضة سيستمر بالسر والعلن، وفي كل المجالات دون تمييز بينها، طالما أنها تشكّل جزءا من خطة التغيير في سوريا، وأن طرق الحل الحقيقية تمر عبر ضغوط مباشرة تمارسها واشنطن على موسكو وبكين لتغيير موقفيهما، وليس عبر الترويج لمشاريعهما في سوريا.
– رفض أي حوار مع تل أبيب قبل تحقيق المطالب التركية بشأن حادثة الاعتداء على «أسطول الحرية».
– تذكير واشنطن بالنتائج السلبية الكثيرة التي تسببت بها سياستها العراقية، وتحديدا نتائج الانسحاب من العراق، حيث تقف البلاد على مفترق طرق خطير، وضرورة الإسراع في إقناع حكومة المالكي بتغيير أسلوبها ومواقفها حيال مسار العملية السياسية الداخلية، وتجاهل المشهد القائم في العراق اليوم ببعده الإيراني، الذي يمهد لحالة مشابهة في سوريا.
– دعوتهم الإدارة الأميركية لمراجعة مواقفها من الحركات الإسلامية، التي وصلت إلى السلطة في بلدان الربيع العربي، بعد انتخابات مشروعة، وأن النقاشات القائمة في هذه البلدان هي دليل عافية، بعد سنوات طويلة من غياب الممارسات الديمقراطية والمشاركة السياسية التي حرمت منها هذه الحركات.
– انزعاج أنقرة من وقوف واشنطن وراء سفيرها، بدل إقناعه بتغيير أسلوبه وطريقة تعامله مع المسائل الداخلية التركية، وعلى رأسها مسائل سياسية وقضائية حساسة لن يسمح الأتراك بإشراك أحد في معالجتها.
هرم الدبلوماسية الأميركي كيري صدمه أردوغان أصلا، قبل ساعات من وصوله إلى العاصمة التركية، حين فجر قنبلته من فيينا حول الصهيونية ومساواتها بالجريمة ضد الإنسانية، مما اضطره لرفض موقف رئيس الحكومة التركية و«استهجانه»، ليأتي الرد من داود أوغلو مجددا بأن أنقرة ليست ضد دولة إسرائيل، بل ضد ممارسات حكومة نتنياهو في التعامل مع الشعب الفلسطيني. أنقرة بدت قبيل وصول كيري وكأنها تتعمد ما يجري، من خلال توجيه رسالة الاستعداد لإضرام النار في سفن العودة، إذا ما تمسكت الإدارة الأميركية بسياسة حشر تركيا في زاوية «بيت اليك» الإسرائيلية والسورية والعراقية، وربما الإيرانية في المستقبل.
كيري الذي جاء يذكّر الأتراك بأيام شهر العسل، ومواقفه الدائمة إلى جانب أنقرة وقضاياها الإقليمية والدولية، فوجئ بأن أردوغان يضع أمامه مشهدا سوداويا حول مسار العلاقات التركية – الأميركية نفسها، قد يتطلب تعريج الرئيس الأميركي أوباما على العاصمة التركية قبل زيارة تل أبيب الشهر المقبل، وإذا ما كان فعلا يريد حماية علاقات بلاده بتركيا في مثل هذه الظروف الصعبة.