– كتب القديس يوحنا الحبيب عن آخر ما يتذكره قبل أن يصير بأكمله في الروح.كان يتذكر الكنيسة (أنا يوحنا أخوكم و شريككم) و يتذكر إسم المكان(جزيرة بطمس) ويتذكر السبب لوجوده هناك (عقوبة النفي للجزيرة بسبب الشهادة لربنا يسوع).كان مختصراً جداً فى وصف الأرض كمن يغادرها بسرعة شديدة.ثم تبدأ تفاصيل أخرى عن أرض لم يبصرها أحد مثله و عن إعلانات كان صدر المسيح يؤهل تلميذه لأجلها. لكي يكون من أدرك حضن المسيح على الأرض هو من يدرك أسراره في السمائيات و من أحبه في المجئ الأول أراه ما سيكون في المحئ الثانى. صار يوحنا في الروح و ليس من نفسه صار بل من الروح القدس الذى إحتواه.
– علمنا يا حضن المسيح كيف نكون في الروح كما علمت حبيبك يوحنا.علمنا كيف إذا أتت الضيقة ندوسها كالأبطال بالإيمان.ننظر إليك بعمق و ثبات حتى تذهب الضيقة من سكنى الفكر.تحوم حولنا الضيقات لكن لا تجد فينا مسكناً.تصبح الضيقة مجرد عنوان بغير تفاصيل لأنك تعلمنا أن لا نستغرق فيها بل فيك نتمعن و ننشغل.تصبح جزيرة الثعابين بطمس مجرد إسم مكان لا يعني لأولادك شيئاً.ففى حضنك تستوى بطمس و السماء.و يصبح النفى كالعناق.لا فرق بين الأرض و السماء إن جعلتنا فى الروح مثل يوحنا.
– هذا الذى يسلم لك أمره تضعه فى الروح.لأن التسليم هو سكب الإنسان بأكمله فى بوتقة الروح.و كلما ضاقت بنا الأرض كلما إنضغط الفكر تجاهك يا ربنا. السكيب و إنحصر في يدك.لهذا أوصيتنا بلسان بطرس أن نفرح بالضيقات.فمن الضيقات ندخل إلى الروح و نكون هناك فلماذا لا نفرح بها.فرٍحنا يا رب في ضيقاتنا بعمل روحك المعزى فتكثر إعلانات المحبة و الغفران فى حياتنا.
– حين يتسلم الرب كل لحظة في حياتنا يصير العمر كله يوماً للرب.ما أجمل أن ينسب الزمن إلى الله حيث كل ما عنده أبدى و يبطل نسب الأيام للإنسان حيث ما عنده يزول كالبخار. تصير أعمارنا يوماً لك؛ ما أجملك يا رب.حين التوبة تمجدك كالكمال.المحبة تمجدك كالجهاد.العمق يمجدك كالبدايات.من الصغار و الكاملين مجداً لأن العمر صار يومك تصنع فيه ما شئت.
– حين نجد لذة فى سكنى روحك فينا.نعيش به و ننقاد.ننمو به و نمتلئ.حتى لا يكتف الروح بسكناه فينا فيأخذنا لنكون فيه.نكون فى روحك كما هو فينا.يا للعجب.هذا هو الإتحاد الفائق العقل.تماماً كإتحادنا بجسد الإبن نثبت فيه و هو فينا هكذا الروح أيضاً يبادلنا المحبة ذاتها.هذا العجب يؤهلنا لكى ننال شوقنا إلى شركة الثالوث.لأنه حين نصير فى الروح نكون فى شركة الثالوث.
– حين نكون فى الروح فهذا لا يشترط أن نغادر الأرض بل أن تغادرنا الأرض.تنحل قوتها أمامنا و يزول سلطانها.حين تتحول إشتياقاتنا إلى المسيح و يميل الحنين إلى حنينه.الروح القدس يفعل لنا هذا و يزيد.تنضوى النفس تحت هيمنة روح الله و يتروض الجسد لينقاد بروح الله و تشبع أرواحنا بإتحادها بروح الله.فيكون الإنسان كله فى الروح و يهتف بفرح مثل يوحنا كنت فى الروح.
– علمنا أن نكون فى الروح بكل الوعى كما وضعت تلميذك فى كمال المعرفة.الروح و الجهل لا يجتمعان لأن روح الله هو روح المعرفة الإلهية.فالروح الذى أعطى الكلام بألسنة أعطى في الوقت ذاته المعرفة للترجمة.لذا ليس من الروح القدس من يفقد الوعى و يتمرغ فى الأرض بل هو مصروع من روح آخر يحن إلى الأرض.أما الروح القدس فيرفعنا إلى إعلاناته السمائية من غير أن نفقد إنسانيتنا أو نسلب من الله ألوهيته.
– جعلت تلميذك فى الروح فى بطمس فلا فرق عندك بين بطمس و بين الهيكل.ما دمت حاضراً فالسماء معك. تتقدس المواضع بوجودك . يا رجاء التائهين في البرارى منتظرين أن يكونوا فى الروح يوماً لك.يا متكل البائعين الأرض. المنسيين من الجميع هؤلاء الذين هم أقرب لعمل روحك لأنهم لا ينتظرون غيرك و مَن غيرك يعرفهم؟ علِمنا أن لا تختلف عندنا الأسماء و لا نتمسح بالأماكن أو الأبنية.بل نراك أينما كنا لا سيما فى الضيقات.أهلاً ببطمس التي منها يمكن أن نكون في الروح.و أيضاً أهلاً بالهيكل الذى نراك تملأه.فى بطمس الصحراء يقدسك حبيبك و هو الذى فى المجامع كان لك الأقرب.فلنكن مثله متعلمين أنك فوق المكان .
– كنت فى الروح فما عدت أعرف الأشياء من نفسى بل من الروح القدس.ما عدت أسمع من نفسى أو أكتب من نفسى أو أمتنع عن الكتابة من نفسى هذا كان حال القديس يوحنا.و كل من كان فى الروح.كان يوحنا قد إختبر أن يكون فى الروح فى أفسس و هو يكتب الإنجيل منذ عشرة أعوام . الآن أيضاً كان فى الروح .و كما قال فى الإنجيل أنه يكتب ما رآه فى المسيح. هكذا في الرؤيا كان يري و يكتب ما رآه لأنه كان في الروح فعشرة أعوام فى كهولة العمر الذى تخطى المائة عام لم تصب الروح بالشيخوخة. إذ صار الإنجيل عند يوحنا هذيذ لا ينقطع فإمتلأ بالروح من غير شك.. لأن الساكن فى الروح لا يشيخ أبداً.
– كلما توشحت بالمحبة تصير في الروح.كلما كان غفرانك لأعداءك قريب مثلما قربه إلى قلب الله تصير في الروح.كلما إنغمست فى عمق الحديث مع الله بكل الصور تكون حينها في الروح.كلما عشت الوسائط بروح الله تقودك إلى الروح.كلما إنهمك الفكر فى كلمة الله ينهمك الروح القدس فى رفعك.الروح يأخذك حينما يجد فيك إستعداداً للوجود فيه.حينها تترنم بعشق للثالوث ينسكب من شفتيك كلام المجد و التسبيح.تبصر عيناك ما لا يبصره التراب.النور يأخذك إلى حيث الأنوار.فإستعد لهذه الكرامة فهى حتماً للجميع .لا تستصغر شأنك لأنه متى رأى الروح إتكالك يأتى و يحملك فتكون فى الروح ناسياً ضعفك متغنياً بقوة الروح.