الإسلام كرّم المرأة أمر لا خلاف فيه ولست بصدد التدليل على هذا الأمر الثابت، ولكن العلة مجتمعة في التطبيق والفهم السقيم لنصوص واضحة لا تحتاج إلى تفسير. وإذا تغاضينا عن موضوع الفهم الذي قد يختلف من شخص إلى آخر بحسب مداركه ووعيه فأين سيرة المصطفى وأين قصص زواجاته وأين سيرته العطرة التي لم تثبت أنه يوماً ما قام بالتعرض والتعدي على أنثى أو خادم أو طفل؟
بالطبع أوافق جداً على حسد بعض النساء الغربيات لنا بناءً على الشرح الذي وصلها عن مكانة المرأة في الإسلام، فنحن هنا وفي هذه الخانة فقط، نستحق الحسد وربما ليس الحسد، ربما الغبطة والرغبة في الحصول على ما أرساه رب العالمين من فوق سبع سماوات وجاءت به سيرة المصطفى العطرة التي تتوافق معه بالتطبيق الفعلي.
نأتي إلى التطبيق الفعلي من صاحب الشرح الفوشي الذي لا يتوافق مطلقاً مع ما ذكرته أعلاه في مقدمة مقالتي، التطبيق الذي يقول إن كثيراً من الإناث لا يستطعن استلام إرثهن، لأن ذكور عائلتهن يمنعونهن من ذلك، وانتظرت أن نلغي موضوع الوكيل الشرعي وتتبنى محاكمنا فكرة توزيع الإرث بحضور جميع الأطراف، عندها فقط سنتأكد أن كل شخص حصل على حقه الشرعي، وستختفي قضايا الإرث من على كاهل المحاكم. نتوقف قليلاً عن الكثير من الإناث اللواتي لا يستطعن أن يتزوجن بسبب ولي أمر يعضلهن ويمنع عنهن حقهن الشرعي والإنساني في الزواج وتكوين أُسْرة مع إنسان تقبل به ديناً وخُلقاً وفكراً وربما مذهباً أيضاً. ولدينا من الأمثلة ما شوّه الدين بأكمله وما وصل إلى الآخرين عندما حرمنا أُسْرة من البقاء معاً، لأن ذكور عائلتها رفضوا نسبه بعد إنجاب طفلين، وغيرها من الحكايات والقصص التي لا يصدقها عقل ولا منطق ولا تتواءم مع الدين الذي لم يفرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى فقط، لا بالفخذ ولا بالكتف ولا بغيرهما، إنما بالتقوى فقط.
التطبيق الذي مكّن أباً من سلب اسم وهوية إحدى بناته اسمها ليزوّج به أختها الأخرى ويتركها بلا هوية كما ذكرت صحيفة الشرق عن المواطنة ليلى، التي تزوجت أختها جمعة ببياناتها وأوراقها الثبوتية والتي توقعت بعد نشر هذه القصة الفاضحة والخطرة أن نسمع بنظام صارم وسريع يُلزم كل أب ويمكّن كل أم من استخراج شهادة ميلاد لأولادهما من دون انتظار تفضُّل الأب، لأنه حق من حقوق الطفل المولود. انتظرت أن أسمع أن عدداً كبيراً من المحامين ورجال القضاء أعلنوا عن تبنّيهم لهذه القضية الخطرة، انتظرت أن أسمع أن الجهات الأمنية ألقت القبض على الأب بتهمة سلب اسم إنسانة على قيد الحياة وبتهمة التزوير عندما قام بتزويج أختها باسمها وعندما وهب اسم إحداهما لامرأة أخرى هدية لا تُرد ولا تستبدل!
وحل الموضوع السابق حل بسيط اختلف فيه المختلفون، وهي الصورة الشخصية التي تمكّن موظف الحكومة من التأكد من الهوية، لن أخوض كثيراً في هذه الفقرة التي خاضها الكثيرون، لأن خطورة وسلبيات كشف الوجه بالنسبة إلى بعض الأشخاص أخطر من سلب اسم إنسانة وتزوير في شخصية ووضع أبناء تحت اسمها هي لم تنجبهم، والحصول على إرث يخصها وهذا ما يتنافى مع الدين الحكيم.
نحن نسمع عن غبطتكن لنا ونبتسم في ذهول (بصراحة)!
نفرح أحياناً بسماع الأخبار الجميلة عن تكريم الدولة للمرأة ودخلوها مجلس الشورى، تعرض وتناقش قضايا مجتمعها وليست القضايا التي تخص بنات جنسها فقط، على رغم أنها في التوقيت نفسه لا تتمكن من السفر إلا بورقة صفراء استبدلت منذ فترة ولله الحمد بموافقة إلكترونية (تحفظ شيئاً من الكرامة أمام خلق الله) في المطارات.
عندما كنا صغاراً كنا نلعب لعبة اسمها غريب (وهي كلوا بامية القطة العمياء قطعت قميصي… إلخ) تتكرر عليّ هذه الأنشودة وهذه اللعبة كلما جاء طاري حسادنا… وأريد أن أخبرهم أن الإسلام فعلاً وحقاً وصدقاً كرّم المرأة، ولكن التطبيق يعود بنا كل مرة إلى أنشودة ولعبة كلوا باميا.. اتركوا عنكم الحسد وانضموا إلينا لنأكل باميا مع بعض!
* نقلا عن “الحياة” اللندنية – الطبعة السعودية