عبدالجبار سعد
ليس العقد الفريد هو عقد ابن عبد ربه الأندلسي ولكنه عقد الجواهر الثلاث التي تفتقت عنها عبقرية علماء اليمن الأفذاذ في كتابة مصنفات ثلاثة على نحو غير مسبوق وكان العلامة العبقري إسماعيل بن أبي بكر المقري المتوفى عام 837 هجرية هو أولهم والمتقدم عليهم بجوهرته الفريدة (عنوان الشرف الوافي.. في علم الفقه والعروض والتاريخ والنحو والقوافي) أما آخرهم فكان العلامة صفي الدين أحمد بن عبدالله السلمي الشهير بالسانه المتوفى 1122هجرية بجوهرته الأكثر تفردا (الإعلان بنعم الله الواهب الكريم المنان في الفقه عماد الايمان بترجيعات العروض والنحو والتصريف والمنطق وبتجويد القرآن وتتمات تروق الطالب والكاتب والشاعر والمثابر على نصح الرعية والسلطان) وكل هذا هو العنوان لكتاب الإعلان الفريد.
ولقد تأخر تحقيق (كتاب برهان البرهان الرايض في الجبر والحساب والخطأين والأقدار والفرائض) للعلامة الإمام برهان الدين ابراهيم بن عمر البجلي المولود عام 854 هجرية اي بعد اقل من عقدين على وفاة ابن المقري ليمثل بحق واسطة العقد العبقري الفريد لعلماء اليمن الذي أعجز وسيعجز الأفذاذ من بعدهم كما أحسب وكما يعتقد الكثيرون غيري.
الثلاث الجواهر الفريدة كلها كتبت على نحو معجز ففي كل منها تجتمع كوكبة من العلوم في كتاب واحد تقرأه من اليمين إلى اليسار فتعطيك علما ثم تجد في الصفحة نفسها رأسيا مجموعة أعمدة كل عمود منها يعطيك علما وقد تساوى الكتاب الأول والثاني بعدد الأعمدة وتفاوتا بنوعية العلوم ففي حين يركز الأول على العلوم النظرية فإن الثاني يركز أكثر على العلوم التطبيقية من حساب وجبر وفرائض واشباهها.
أما ثالثهما فقد كان الغالب عليه هو العلوم النظرية ولكنه كان زائدا على الجميع في عدد الأعمدة التي اختص بها صفحات الكتاب ففي حين كانت أعمدة الأول والثاني أربعة وخامسهم المتن الأصلي جاء كتاب الإعلان ليجعل أعمدة العلوم أو مايسمونها جميعا الترجيعات خمسة وسادسها المتن الأفقي الأصلي.
بقي أن نقول أن الكتاب الثاني والثالث قد قام بتحقيقهما وإخراجهما إلى عالم النور أستاذنا المبدع محمد بن محمد العرشي ولئن كنا قد استعرضنا كتاب الاعلان في وقفة سابقة تحت عنوان (الإعلان عن عبقرية أهل الحكمة والإيمان) حال ظهوره للعلن فلقد وجدنا لزاما علينا أن نحتفي بظهور واسطة العقد (برهان البرهان الرايض) بهذه السطور التي لن تفيه حقه ولا حق مصنفه ومحققه ولكن كما تقول العرب (مالا يدرك كله لا يترك جله).
وأول ما نلاحظه أن مصنف الكتاب قد اختار العنوان بعناية فايقة فهو قد اعتبر الكتاب برهانا عن ذاته فقد نسب الكتاب لنفسه باعتبار أنه هو ايضا قد سمي (برهان الدين) فاعتبر الكتاب برهانا مسطورا من برهان رايض.. وقد وصف نفسه بالرايض أي أنه لم يكلف نفسه كثيرا لإظهار هذه العبقرية الفذة من خلال هذا الكتاب الفريد كما أحسب.
الأستاذ محمد العرشي مثقف يغبطه كل مثقف فهو رغم ما تعتوره من معاناة صحية يجاهد على مدار الزمان ليتحفنا بعبقريات أهل الزمان فلا يمر شهر ولا عام من عمره النبيل إلا بعطاء عظيم من مائدة الثقافة الراقية.. يقدمها للقراء سواء على شكل مقالة أو كتاب أو تحقيق فكم من الكتب النادرة قام بتحقيقها وتقديمها إلى القارئ المعاصر ربما كان أهمها هذين الكتابين المعجزين (الإعلان والبرهان) أما المقالات فلعل أهمها على الإطلاق تلك الحلقات المتسلسلة عن بلاد اليمن ومناطقها ومآثرها والتي تنشرها جريدة الثورة تباعا و لم تنته منها بعد..
في كتاب “البرهان” قدم الأستاذ محمد العرشي للكتاب بمقدمة ضافيه تكادتكون كتابا مستقلا فقد عرض فيها لنشاط العلماء المسلمين والعرب واليمنيين وتناول عددا غير يسير من هؤلاء سواء القدماء أو المعاصرين وأضاف إليهم نبذا عن صلحاء ووجهاء اليمن منذ صدر الاسلام وحتى الآن بل أنه استقصى الكثير من المبدعين والمخترعين اليمنيين المعاصرين رجالا ونساء ومآثرهم واكتشافاتهم و كل ذلك لكي يثبت للجميع أن عبقرية أهل اليمن لم تنقطع.
كتاب “برهان البرهان الرايض” احتوى على خمسة علوم هي بحسب ما سأقتبسه من تعريفات أوردها المحقق بارك الله في جهده :
• علم الفرائض.. هو علم يعرف به كيفية توزيع التركة على مستحقيها..كما عرفها الجرجاني في كتابه التعريفات.
• علم الخطأين.. من فروع علم الحساب تستخرج به المجهولات العددية إذا أمكن صيرورتها في اربعة اعداد متناسبة..
• علم الجبر.. علم يعرف به استخراج مجهولات بمعادلات خاصة.
• علم الحساب.. طرق الجمع والطرح والقسمة والضرب والتضعيف..
• علم الاقدار المتناسبة.. مثاله أن الأربع المقادير المتناسبة ضرب الأول منها في الثالث كضرب الثالث في الرابع وهو من العلوم الهندسية..
وبعد فهذه التعريفات مختصرة من مختصرة وهي لا تغني القارئ من اقتناء الكتاب لمعرفة العبقرية في تصنيفه أولا وبالتالي في العلوم التي احتوته..
ويبقى البرهان واسطة العقد العبقري الفريد