كاشفوا عورةِ الأديان !
(ج 4 من تلخيص كتاب الخرافة) !
مقدمة :(العِلم هو ما تعلّمناهُ حول عدم خداع أنفسنا) !
هذه مقولة ريتشارد فاينمان ,صاحب فيزياء الكم ّ والحاصل على نوبل في الفيزياء عام 1965 ,عن دوره في تطوير الكهروديناميكا الكميّة ,وهو أكبر فيزيائي تقديراً في عصرنا .
الآن سوف أستمر بتلخيص كتاب (الخرافة في عصر العلم) لعالم الفيزياء الأمريكي (روبرت لي پارك) ,شارحاً في هذا الجزء (الرابع) سلوك العِلم مقابل سلوك رجال الدين ,الذين بأنفسهم يكشفون عورات ذلك الدين !
***
ص38
عندما تنبّأ (ثاليس الملطي) عام 585 ق.م. بحدوث كسوف للشمس
وفعلاً حدثَ أنّ مرّت سحابة من الظلام الدامس لفترة قصيرة فوق جزيرة ملطية
Mellitus
اليونانيّة .لم يدّعِ ثاليس أنّهُ يتحكّم بالكسوف إنّما يشرحهُ ,لأنّهُ كان مُعلماً لا ساحراً .
الغوامض (كالكسوف) هو شغل الشامانات والقديسين !
فَهِمَ ثاليس ما حصل وإستغّل الحدث لينص على قانون السبب والنتيجة ,الذي قد يكون ألمعَ بصيرةً على مرّ الزمن :
لكل فعل مادي سبب مادي .فالسببيّة تنهي الخُرافيّة !
لكن العالَم لم يكن يبحث عن سبب ,إذ لم تكن الكسوفات تُعّد أحداثاً طبيعية ,إنّما ماورائيّة ,وكلّ شيء تقريباً كان .
الله جعلَ الشمس تُشرق ,أرسلَ العواصف ,هزّ الأرض ,وأحياناً حجبَ الشمس .مَنْ نحنُ الفانون كي نسألَ الرب عن أفعالهِ ؟
في الواقع العُلماء يكرهون الغوامض !
العلماء يتيحون نتائجهم (متضمّنة تفاصيل الحصول عليها) لتدقيق كلّ شخص .وإن جاء شخص بنتائج أكثر دقّة ,أو تحليل أفضل للبيانات .
ستُعاد كتابة المراجع ,فلا يوجد إجابات نهائية مُقدّسة !
قد يبدو ذلك وصفة للفوضى .فحين يقوم العلماء بإعلان شرحٍ جديد يكون ذلك مُحبطاً لغيرِ العُلماء ,فيتسائلون :لماذا لايستطيع العلماء تحديد موقفهم النهائي ؟
لكن البديل هو الدوغما (التعصّب الديني أو العقائدي وعدم الخضوع للجدل والنقاش) !
الإنفتاح يُبعد العِلم عن كلّ الطُرق الأخرى للتفكير ,وكلّ ماسواه خرافة !
***
جَعلَ العلم كتاب الطبيعة مفتوحاً ,على صفحاته نرى ليس عالماً بسيطاً ,لكن على الأقل مُنظماً !
عالَم فيه كلّ شيء من مولد النجوم حتى الوقوع في الحُبّ محكوم بذاتِ القوانين الطبيعية .أكثر جزء من كتاب الطبيعة يبقى مُنتظراً القراءة .
لكن الهوموسابينس (الجنس البشري الذي ننحدر نحن منه) قام بالفعل بفكِّ الشفرة الجينيّة ,أرسل روبوتات لإستكشاف كواكبَ بعيدة ,وجعلَ كلّ معرفة العالم عند أنامل الناس العاديين .
تضاعفَت توّقعات الحياة ,تقلّص الجوع الى مُشكلة سياسيّة ,توّلت الماكينات الجُهد المُخدّر للعقل الذي كان يقع على كاهل عموم الناس .
كثير من الأمراض الكريهه التي هدّدت نوعنا ذاتَ يوم يمكن علاجها عن طريق العِلم ,أو حتى إستئصالها من كوكب الأرض !
خلال القرنين السابع والثامن عشر ,في فترة تُدعى عصر التنوير ,إعتقدَ الناس المُتعلّمون أنّ أهمّ منافع العِلم هي تحرير العالَم من الخُرافة .
لسوء الحظّ لم يحصل هذا .فمع أنّ الناس يتقبّلون هدايا العِلم ,فهُم يتعلّقون بخرافاتٍ قديمة تعلّموها في أحضان اُمهاتهم .(لماذا أتذكر أغلب العرب؟)
كلّما كان الإعتقاد غير معقول ,كان الدوام عليه يُعّد أكثر فضيلة .
كيف لنا أنْ نتحدّث عن إستدامة الخرافة في عصر العِلم هذا ؟
***
فتح الضوء /ص 39
يمكننا أن نعرف عن الماضي من خلال الآثار والمتحجرّات ,لكن لايمكننا الذهاب إليه .أمّا المستقبل فسوف نصل إلى عوالمهِ قريباً جداً .
الشيء المؤّكد هو أنّنا سنتمنى توّفر وقتاً أطول من الذي لدينا ,لإكتشاف تلك العوالم !
***
الكهرمان !
هو راتنج مُتحجّر من الأشجار الصنوبرية المنقرضة موجود في بعض
مناطق الغابات الصنوبرية العالمية التي تحجرت وتشكلت قبل الآف السنين .
الكهرمان لا يعتبر إطلاقاً من مجموعات الأحجار الكريمة المعدنية الأساسية ,إنما هي مواد عضوية نباتيّة متحجرة .لذلك نجد الكهرمان هش ويبعث روائح الشجر الصنوبري عند فركه باليد أو إحراقه .
ويتدرج لونه في العادة من أصفر إلى أصفر داكن .يوجد إمّا بأشكال دائرية أو كتل غير منتظمة أو بشكل حبوب أو قطرات .وهو يصبح كهربائياً سلبياً بالاحتكاك .
ما يهمّنا من الكهرمان الآن ,أنّه توجد أصناف من الحشرات المنقرضة
مغلّفة أحياناً في عينات الكهرمان !
وعن ذلك يقول مؤلف كتاب الخرافة في عصر العِلم (عالم الفيزياء الأمريكي روبرت لي پارك) مايلي :
مُستعيراً من فيلم الحديقة الجوراسيّة ,أفترضُ أنّ بعوصةً شفطت قليلاً من دمِ أحد أسلافنا الهوموساپينس (قبل 160 ألف عام) ثمّ أضحت حبيسة الكهرمان .موفرةً للعلماء الحديثين ( د.ن.أ ) بشري قديم !
أفترضُ أبعد من ذلك أنّ هذا ال د ن أ قد اُستخدم لإستنساخِ إنسان يتربى بعدها منذُ طفولتهِ في مجتمعِ اليوم .
ماذا نتوّقع أن يحصل ,ماهي الفروقات بين نسيج الإنسان المُستنسخ عنّا ؟
(لاحظوا حتى أفلام الخيال العلمي يستفيد منها العلماء في مزيد من تجاربهم العلمية .لأنّ تلك الافلام رغم كونها خيالاً ,إلاّ أنّها تستند على حقائق نظرية على الأقل) !
***
ص 40
نحنُ نصنع بيئاتنا ,ونجعلها تتوافق والجينات التي لدينا !
***
ص 41
التطوّر في غرفة التدريس !
نعيشُ حقبة إنتقالية من رؤية العالَم التقليدية في الأديان الكبرى ,الى رؤية العالم الحديثة القائمة على الطبيعة .
وقد سُرِّعَ هذا الإنتقال على يد تشارلز داروين !
لحماية أطفالهم من هذه الفكرة (الزنديقة) ,يسعى الخلقيّون لمنع تدريس علم التطوّر في المدارس العامة ,حتى هنا في أمريكا !
معظم الناس (بضمنهم بعض العُلماء) يتدبّرون أن يقفوا بين رؤيتيّ العالم الدينية والعلمية ,مُختارين أشياء من كلا القائمتين .
ففي حين قد يتقبّل الناس المتعلمون حقيقة أنّ قوانين الطبيعة تحكم سلوك الأجسام الماديّة ,إلاّ أنّهم يتردّدون أحياناً في الإعتقاد بأنّ الأحلام والعواطف التي تُحرّك مشاعرهم يمكن إحتزالها الى قوانين فيزياء !
في أمريكا إستغّل اليمين الديني هذا التضارب في سلوك ومعتقدات الناس ,ليمرروا قوانين تُقلّص من تدريس التطوّر في عدد من الولايات الأمريكية ,رغم أنّ التعديل الأوّل للدستور الأمريكي يمنع تمرير أيّ قانون يخدم لتأسيس دين للدولة !
***
ص 42 (مُحاكمة القرد) :
يتحدّثُ مؤلّف كتاب الخُرافة في عصرِ العِلم (عالِم الفيزياء الأمريكي روبرت لي پارك) عمّا سُمّي حينها مُحاكمة سكوبس أو مُحاكمة القرد .
فقد كان في دايتون ـ تينسي ـ الولايات المتحدة الأمريكية عام 1925 مُدرّس علوم شاب إسمه جون سكوبس .اُدين بإنتهاك (قانون باتلر) .ذلك القانون الذي اُقرّ قبل بضعة أشهر وينصّ على منع تدريس عِلم التطوّر !
بالطبع الذين أقاموا تلك الدعوى ضدّ المُدرّس الشاب (سكوبس) هم مواطنين محليين متطرفين في تديّنهم .إعتقدوا أنّهم سيكسبون القضية بسهولة ,رغم توّقعهم بأنّها سوف تٌستأنف في المحاكم الفيدرالية كونها غير دستورية !فماذا حدث بعد ذلك ؟
(الآن لاحظوا تأثير المثقفين والفنانين والنخبة عموماً .ومَنْ سينتصر في النهاية وإنْ بعد 40 عاماً ,تبعاً لقوّة الدستور ووضوحهِ) !
كانت المُحاكمة عرضاً صحيّاً لجدليّة التطوّر مع شخصيّات عامة رفيعة تقف على جانبي المسألة ,وحدثت تغطية إعلاميّة كثيفة للحدث .
وُجِدَ (سكوپس) مُذنباً ودفعَ 100 دولار كغرامة ,لكنّهُ إستأنفَ القضية في المحكمة الفيدراليّة !
مع ذلك تمّت إدانة سكوبس لاحقاً ,بسبب خلل تقني تلك السنة يتمثل بعدم إختبار دستورية (قانون باتلر) في أيّ محكمة عُليا .
بعد ثلاثين سنة قُدّمَت مُحاكمة سكوبس دراميّاً في مسرحية برودواي (لترثوا الريح) ,التي عُدّتْ إحدى أروع المسرحيّات الأمريكية في القرن العشرين .وعام 1960 أصبحت نسخة هوليوود أوّل فيلم يُعرَض في الطائرة ,حين قدّمتها شركة TWA لإغراء رُكاب الدرجةِ الأولى .
ربّما أعطت مُحاكمة سكوپس لأُمّة متعدّدة الثقافات بإضطراد ,أوّل نظرة قاسية لها الى الصراع بين العلمِ والدين .لكن من وجهة نظر قانونية فإنّ فشل قضية سكوپس في الترافع في محكمة فيدراليّة هو نكسة شديدة للعِلم !
إستغرق الامر 43 عام بعد (محاكمة القرد) ,قبل أن تُختَبَرْ دستورية القوانين التي تمنع تدريس (علم التطوّر) في المدارس .(سأختصر الآن)
تطوّعت مُدرّسة ثانوية في (ليتل روك) اُسمها (سوزان) لتؤّدي دور سكوبس في آركنساس .وثارت نفس الضجة تقريباً كما حدث مع سكوبس .
لكن في عام 1968 حكمت المحكمة العُليا الأمريكية في آركنساس ببطلان قانون آركنساس (الذي يشبه قانون بتلر في تينسي المذكور أعلاه) . بإعتباره ينتهك قيد التأسيس في التعديل الأوّل ,الذي يمنع تمرير أيّ قانون يخدم لتأسيس دين للدولة !
وللمفارقة فإنّ المجلس العام في تينسي قامَ بإبطال قانونهم نفسه (قانون بتلر) كونهم توقعوا نتيجة ماسيحدث معهم .فقد بدت (الخلقيّة) في حالة تراجع تام منذئذٍ !
لكن الجدير بالذكر أنّ محاولات الخلقيين لإيجاد خطط جديدة لمقاومة العِلم متمثلاً في نظرية التطوّر لم تتوقف الى يومنا !
إنتهى تلخيص الجزء الرابع !
***
الخلاصة :
لا أحد في هذا العالم يمكنه كشفَ عورةِ دينٍ ما ,أكثر من مشايخ الدين ذاته عبر أقوالهم وأفعالهم وتوصياتهم لأتباعهم !
الشيخ الذي يطلب من سامعيه أن يُردّدوا خلفه دعائه على أعدائهم :
(اللهم إقتُل رجالهم ,يتّم أطفالهم ,مكنّا من سبيّ نسائهم)
هذا شيخ يكشف عورة الدين نفسهِ بأوضح وأسهل طريقة ممكنة !
لايمكن لأيّ مخالف مهما أوتيّ من وضوح الدليل وذكاء الحُجّة وقوّة البيان (وسخرية الرسوم) ,أن يسيء لذلك الدين كما أساء الشيخ نفسه !
لماذا تغضب العامة وتهيج مشاعرها بسهولة عندما تعلم أنّ شخصاً ما تهّكم أو سخر من معتقداتها ؟
لماذا لا تغضب العامة من مشايخها الذين ينطقون كلاماً (مكتوب عندهم في كتبهم الثقاة) ,يجعل الإنسان العادي يذوبُ خجلاً لو قيلَ عن حيوان ؟ ***
و لاحظوا الفرق بين دساتير الغرب ودساتيرنا,لتعلموا سبب تخلفنا !
التعديل الأوّل للدستور الأمريكي يمنع تمرير أيّ قانون يخدم لتأسيس دين للدولة .لأنّهم يتصرفون كما يُعلنون :الدولة شخصية معنوية لا دين لها !
بينما المادة الثانية من دساتير العرب عموماً تقول مامعناه (مع إختلاف الصيغة) :الإسلام هو دين الدولة الرسمي ,اللغة العربية هي لغتها الرسمية ,مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع !
كيف إذاً سنعالج قضايا مُستجدة في حياتنا بشرائع وُضِعَت قبل 14 قرن ؟
هل كان يومها إستنساخ للخلايا والأنسجة ؟هل كان معروف علم الجينوم ؟ هل مارسوا زرع الأجنّة وما شابه من ملايين المستجدات في هذه الحياة ؟
الجواب لكلّ الأسئلة تنتهي بحاجتنا للعلمانية أولاً !
***
تحياتي لكم
رعد الحافظ
29 يناير 2015