هل من حق لاعبي فرق كرة القدم المسلمين إفطار رمضان خلال التحضير لمسابقات كأس العالم أم لا؟
نقاش قد تصادفه على المواقع الاجتماعية وفي المقاهي وجلسات الأصدقاء. تلك الممارسة الدينية الفردية المحضة، تحولت بقدرة بعض المتخلفين إلى شأن عام يناقشه الجميع.
ما شأننا بصيام اللاعبين أو عدمه؟ الصيام ممارسة دينية فردية يجازي الله فاعلها بشكل مباشر. دينيا، أن يصوم اللاعب أو لا يصوم، فذاك يخص شأنه المباشر مع الله. ما بالنا جعلنا منه أمرا عاما مستباحا نناقشه ونصدر فيه الفتاوى ونحلل ونحرم ونبشر بالجنة وبالنار؟ بل إن هناك من ذهب حد طلب تأجيل مسابقات كأس العالم إلى ما بعد رمضان!
هكذا بكل بساطة. بكل جهل. بكل غباء.
اقرأ للكاتبة أيضا: حين يشرعن داء السكري التعدد الزوجي
فيما يخص لاعبي كرة القدم المشاركين في كأس العالم، لكن أيضا في المطلق، علينا أن نقبل بأن صيام الآخر أو عدمه لا يعنينا في شيء! حجة الإزعاج الذي يسببه المفطر للصائم هي حجة مفتعلة لعدة أسباب، من بينها ما يلي:
لا قيمة فعلية لأية ممارسة دينية ما دامت مفروضة، وما لم تتم عن اقتناع
أولا، هناك مسلمون كثر يعيشون في دول ذات أغلبية غير مسلمة. هؤلاء يصومون رمضان بينما زملاؤهم وجيرانهم لا يفعلون؛ من دون أن “يزعزع” ذلك قناعاتهم الدينية. لكن المسلم في البلد ذو الأغلبية المسلمة، ينزعج من إفطار جاره أو زميله. انزعاج انتقائي إذن، حسب بلد الإقامة وديانة أغلبية سكانها؟ وإلا، فكيف يصبح إفطار الآخرين في بلدانهم أمرا مقبولا لا يزعزع القناعات، ويكون إفطار شخص في بلدنا “مستفزا”؟
ثانيا، السياح عموما، واليهود والمسيحيون من مواطنينا، قد يأكلون بحضورنا، من دون أن يزعجنا الأمر. وحده إفطار من نعتبره مسلما يستفز مشاعرنا. ألسنا، مرة أخرى، أمام انزعاج انتقائي، حسب الدين الذي ننسبه للآخر؟
ثالثا، هناك مسلمون كثر حولنا يصومون خارج رمضان، إما لتعويض دين إفطار بعض أيام رمضان أو بهدف كسب الثواب والأجر. هؤلاء أنفسهم لا ينزعجون من إفطار الآخرين بحضورهم خارج رمضان، وينزعجون كثيرا من نفس الإفطار في رمضان. انزعاج انتقائي مرة أخرى، حسب زمن الصوم.
ببساطة، لأن الأمر، في كل هذه الحالات، لا يتعلق بانزعاج نابع من تأثير مشاهد الأكل على الصائم؛ ما دام هذا الانزعاج يعبر عن نفسه بشكل انتقائي حسب الديانة المفترضة للمفطر وحسب زمن الصوم وحسب بلد الواقعة. انزعاج نابع من الرغبة في ممارسة الوصاية على كل من يفترض أنه يشبهنا. بما أننا نعرف أنك مسلم وأنك “تنتمي إلينا”، فليس من حقك أن تختلف عن سلوكياتنا.
الانزعاج من المفطرين نابع من الرغبة في ممارسة الوصاية على كل من يفترض أنه يشبهنا
ثم، لنقلها صراحة: إذا كانت مجرد رؤية الآخرين يأكلون خلال رمضان تزعزع قناعاتنا وتزعج مشاعرنا كصائمين، فهذا يعني أن صيامنا هش غير قوي. وهذا يعني أيضا أن المشكلة ليست في المفطر، بل في هشاشة قناعاتنا وممارساتنا الدينية.
المفروض أن الدين الإسلامي، وباستثناء الكفارة، لا يفرض أي نوع من العقوبات على مفطر رمضان. “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به”. فقط. بينما بعض بلداننا تعاقب بالسجن مفطر رمضان، وبعض مواطنينا يعنفون غير الصائمين، والبعض الآخر يفتي في لاعبي كرة القدم وفي جواز إفطارهم من عدمه. والحقيقة أن الصوم ممارسة دينية فردية لا علاقة للآخرين بها.
اقرأ للكاتبة أيضا: رمضان والأربعون يوما
ما يفترض أن يهمنا في الموضوع هو مستوى الممارسة الرياضية في الملعب. الأهداف. المباريات. الفوز. أما صلاة وصيام وحج وزكاة اللاعبين، بل حتى إسلامهم من عدمه، فكل هذا يبقى أمرا شخصيا يخصهم.
قد يحق لنا نقاش تأثير الصوم، علميا وطبيا ورياضيا، على مستوى لعب المتبارين. تأثيره على حظوظ وإمكانيات الفوز (وهذا شأن وطني دنيوي كروي). أما نقاش حلاليته وحراميته، وجوبه أو عدمه، فهذا يجعلنا نأخذ مكان الله الذي وحده يقرر في ممارسات الفرد الدينية؛ وخصوصا في شأن الصيام.
باختصار، ليس من حقنا أن نفرض التدين بالقوة. قالها لامارتين ذات يوم: “لا قيمة للفضيلة بدون حرية”. ولا قيمة فعلية لأية ممارسة دينية ما دامت مفروضة، وما لم تتم عن اقتناع.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال