ديانا مقلد
هناك شيء من العدوى الإيجابية يصيب من يتصفح هاشتاغ «قهقهة» على «تويتر»، أو هذا ما أصابني على الأقل. هذا الهاشتاغ يعج بصور فتيات ونساء تركيات مبتسمات ضاحكات مليئات بالحياة. تنتقل سريعا تلك الطاقة الطافحة من وجوههن لتتسرب تلقائيا نحو الناظر إليها فيشعر بالحاجة إلى الانتساب إليهن والوقوف معهن. هكذا وجدت نفسي أتصور وأدرج صورتي ضمن هذا الوسم أو الهاشتاغ تضامنا مع حق التركيات وحق أي امرأة في العالم في أن تضحك وتبتسم.
الأرجح أن نائب رئيس الوزراء التركي «بولينت أرينتش» قد صمّت أذناه وأرهق نظره من وجوه وأصوات النساء الضاحكات المقهقهات في تركيا اللواتي ملأت صورهن وفيديوهاتهن الفضاء الإلكتروني وتكاد لا تتوقف عن التزايد في الأيام الأخيرة. و«أرينتش»، وهو أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، كان قد حاضر ثاني أيام عيد الفطر عن الآداب العامة من منظوره، مسهبا في الحديث عن ضرورة «مراعاة» النساء للأخلاق في الأماكن العامة فلا يتحدثن بأمور «تافهة» عبر الهاتف أمام الناس، حاثا المرأة التركية على عدم الضحك في العلن «حفاظا على الأخلاق» كما قال.
سقطة نائب رئيس الوزراء هذا دوّت في السماء التركية ضحكات وقهقهات كثيرة ملأت فضاءات تركيا والعالم أيضا. فقد شنت نساء وفتيات حملة صاخبة أشهرها كان هاشتاغ «قهقهة» على «تويتر». آلاف الصور والتعليقات والضحكات ضج بها العالم الإلكتروني، وفي الشوارع أيضا، حيث سارت في تركيا تظاهرات لنساء يضحكن احتجاجا ورفضا لتصريحات المسؤول التركي. وتعيدنا حملة «قهقهة» التركية إلى حملة صور الإيرانيات المبتسمات من دون غطاء الرأس والتي انطلقت في فضاءات «تويتر» و«فيسبوك» وما زالت لإيرانيات ضمن حملة «حرية مسروقة» احتجاجا على فرض الحجاب.
الآن أتت حملة «قهقهة» التركية لتصب في خانة هذا النوع من الرفض والاحتجاج السلمي النسوي ولكن الإيجابي أيضا الحافل بالمضامين السياسية..
كيف يمكن لسلطة أن تواجه ضحكات نسائها وفتياتها؟ بل لِمَ تفترض أي سلطة أن الضحك والابتسام أمر غير أخلاقي؟.. ولماذا تشعر بعض السلطات أن عليها ضبط تلك الضحكات وزجرها؟!
حين ننظر إلى الصور التي طاف بها «إنستغرام» لنساء وفتيات طافحات بالحياة وبالضوء وبالمشاعر الدافئة لا مجال سوى أن نشعر بأن التضامن شيء جميل، وأن الضحك والابتسام بات الآن حركة احتجاج لكل النساء، خصوصا بعد أن جذبت تلك الحملة ابتسامات داعمة من كل أنحاء العالم.
والحقيقة فإن الدعوة إلى الكف عن الضحك التي أطلقها المسؤول التركي تنطوي على تكوين ثقافي شمولي ضارب في عالمنا، فلطالما أخاف الضحك الديكتاتوريات. وفي حالنا في الشرق يبدو ضحك النساء مهددا أكثر لسلطة شمولية ذكورية نموذجها في الحالة القصوى أبو بكر البغدادي، لكن يبدو أن حزب العدالة والتنمية التركي لم ينج منها في سياق ما يقول إنه إسلام حديث.
تخيلوا أي مجتمعات سنكونها إن خلت من ضحكات النساء.
نقلا عن الشرق الاوسط