تطورت فكرة الإله عبر الزمن بعد أن أخذ مفاهيم متعددة ودخلت في صراعات كثيرة ففي الحضارة الفرعونية وصل عدد الآلهة إلى حوالي تسعين إلها كانت تدور كلها في فلك الإله رع كبير الآلهة وحاولت كل أسرة فرعونية على مدى خمسة آلاف عام فرض نظرتها حول الإله حسب مصالحها والكهنة من حولها وتم استيراد بعض الآلهة من الحضارات الأخرى كالإله حورس من اليونانيين والقط المعبود من الفينيقيين .
في الحضارة الإغريقية تعددت الآلهة وتصارعت وقتل بعضها بعضا وكان لكل رمز في الحياة إله كإله الحرب وآلهة الخصب والجمال والزراعة .. إلخ .
في بلاد ما بين النهرين والشرق الأدنى ظهرت أيضا آلهات متعددة لكن أول طرح لتقليص عدد الآلهة وحصرها بين قطبين رئيسيين يمثلان مجمل الصراع في العالم كان من الديانة الزرادشتية وفيما بعد أخذت عنها الديانات الإبراهيمية هذه الفكرة لتنحصر العبادة حول إله الخير ويسمى الإله الآخر شيطانا يجب الإبتعاد عنه لا عبادته لدرء شره .
تلقفت البشرية هذا المفهوم الأوحد للإله وهو مفهوم المركزية الإلهية وأخذ أدوارا أكثر تشددا في الإسلام تحديدا حيث لا يقبل الشرك مع الله أبدا وأصبح العرب يتمسكون بهذه الفكرة حتى يومنا هذا وهو ما يتناسب مع العقلية البدوية حول مركزية رئيس العشيرة أو الحاكم الأوحد .
بعد أن تلقفت أوروبا الديانة المسيحية دارت قرونا في فلك المركزية الإلهية وكانت معظم أوروبا تتوحد تحت راية الكنيسة بمفهوم الدولة الدينية لكنها تخلت عن الفكرة مع بروز عصر النهضة والثورة الصناعية لأن المركزية الإلهية أضعفتها كثيرا وقامت الدول على أسس قومية أو وطنية ومن ثم ظهرت فكرة اللامركزية في الحكم في الدولة الواحدة لإعطاء المزيد من الحرية والديمقراطية لجميع فئات الشعب .
تعدد فكرة الآلهة كما كان لدى الإغريق وباقي الحضارات يحمل مفهوما ديمقراطيا ولا مركزيا للآلهة أما التوحد حول المركز الإلهي الواحد فهو يحمل بذرة تسلطية حيث أن نظرة المجتمع للحاكم دائما ما ترتبط بنظرته ومفهومه للدين .
مفهوم الإله لدى العرب والمسلمين مفهوم مركزي جدا فهو ملك قاس شديد لا يرحم من يخالفونه ويعذبهم في الدنيا والآخرة بأساليب تشبه فروع المخابرات من سحل وذبح وحرق وتمثيل وكسر وخلع وتعليق من الأرجل والرؤوس ولذلك لم تقم أنظمة لا مركزية الحكم في العالم العربي سوى فيدرالية قبلية في دولة الإمارات ولكنها رغم نواقصها وقبليتها تعتبر من أنجح نماذج الحكم في العالم العربي لأنها كسرت رتابة القاعدة .
إذا فهمنا هذه الفكرة فهمنا لماذا يظهر الدواعش في العرب ولماذا يمجد العرب الدكتاتوريات ويحنون إليها ولا يستطيعون التخلي عنها فمعظم من ثارو ضد بشار مثلا يمجدون صدام حسين بالمقابل ومعظم العرب يحبون هتلر رغم أنه لا ناقة لهم فيه ولا جمل وهذه العقلية تنسحب على باقي الدول الإسلامية أيضا حيث نجد أن غالبية دول العالم المتحضر دول فيدرالية وغالبية الدول الإسلامية لا فيدرالية حتى لو كانت ديمقراطية ومن الملاحظ أن الدول الإسلامية غير العربية قد تلجأ إلى تجارب ديمقراطية بشكل نسبي توافقا مع ثقافاتها المتراكمة خارج الدين لكن الدول العربية سرعان ما تدمر تجاربها الديمقراطية حتى لو كانت في إطارها المحدود وقد يأتي التدمير من الشعب نفسه قبل الحاكم نتيجة تراكم الموروث الثقافي البدوي والديني ولن ينصلح حال هذه الدول إلا بتطبيق ثالوث العلمانية والديمقراطية واللامركزية ولن تنجح إحداها دون الأخرى بما أن هذه الدول موبوءة بالطوائف والأديان والمذاهب والإثنيات والأعراق .
العرب يكرهون الفيدرالية واللامركزية في الحكم وهذا راجع لمفهومهم حول مركزية الإله الذي لن يتخلو عنه لا بتنحيته عن السياسة كما فعلت أوروبا ولا بتنحية المفهوم من أفكارهم وإيجاد خطاب ديني متجدد يعطي مفهوما جديدا للإله ما دام السلف والخلف مختلفين أساسا حول تحديد ماهيته وما دام هو نفسه قال عن نفسه ليس كمثله شيء .