ويا عزيزي المستر كيري (تابع لرسالة سابقة) لن تصدق عندما أقول إنني متعاطف معك. وأحيانا إلى درجة بالغة. فلست أذكر وزير خارجية أميركية تعثر كما تتعثر. لماذا؟ لأنه لم يكن هناك رئيس متبلد مثل رئيسك. يوم جاء، كان أول ما فعل أنه أوكل إلى جورج ميتشل المعالجة السرية للموضوع الفلسطيني. بعد أشهر غاب ميتشل. ثم تكرمت سعادتك وقلت ما معناه، انسوا كل مسألة أخرى ولنركز على الحل في فلسطين. ضحكنا، لكننا قبلنا. فيا عزيزي المستر كيري، ماذا جرى؟ أليس من كلمة واحدة؟ كما قلت لسعادتك في الرسالة الأولى، اللعنة على سوء الطالع: رئيسك أوباما ورئيسه بوتين. لا سابقة لهذا الأمر في الصراع الروسي الأميركي. دائما كان هناك حد أدنى من الشجاعة عند صاحب البيت الأبيض، والحد الأدنى من اللياقة عند صاحب الكرملين. الأول كان يراعي التزاماته خوفا على سمعته في التاريخ، والثاني كان يعرف أن سمعة بلاده سيئة فلا يدفع بها إلى السوء الأخير.
سعادتك بين رئيسين لا يراعيان أحدا أو شيئا. واحد، لأنه لم يسجل عملا سياسيا أو دبلوماسيا واحدا منذ وصوله، وواحد، لأنه لم يسجل عملا إنسانيا واحدا. لا في الداخل ولا في الخارج. تماما مثل إخفاقات الأول، في الداخل وفي الخارج. ما أصعب أن يكون المرء وزيرا لخارجية أميركا ويستفيق كل يوم فيمط ذراعيه في الهواء وينادي على حيويته ثم يخاطب الرجل الذي في المرآة: لا تفعل اليوم شيئا يا جون.. اسمع ما يقوله لك سيرغي لافروف.. وافق. وناده باسمه الأول، سيرغي، كما يفعل السيد وزير الخارجية الدكتور وليد المعلم. يشرح الصدر السيد وزير الخارجية، قولا وأسلوبا وهدوءا وسعة صدر. بالمعنى غير المجازي طبعا. يدور المستر كيري في العواصم، لكنه يدور حول نفسه. 67 وزيرا قبله كانت لهم شخصيتهم. هو له شخصية رئيسه. ليس المطلوب طبعا أن يكون في رجولة المسز أولبرايت أو خشونتها أو صلابتها في مخاطبة الآخرين، خصوصا الأصدقاء، لكن أيضا الدبلوماسية لا تعني أن يكون الوزير مثل دولاب الهواء. ورقة متعاكسة تدور حول نفسها.
يذكرني المستر كيري في ارتخائه أمام خصوم حلفائه التاريخيين في هذه المرحلة الشديدة الصعوبة بالرسالة التي بعث بها الثعلب الكبير «لورانس العرب» (تي. إي. لورانس) إلى الثعلب الصغير مارك سايكس، الشريك المتهم بالتنازلات للفرنسي جورج بيكو. يقول لورانس عام 1917: «إنني أدرك أنه قد يتعين علينا أن نبيع أصدقاءنا الصغار (العرب) لكي نسدد لأصحابنا الكبار (فرنسا والحركة الصهيونية الدولية) أو أن نبيع أمننا المستقبلي في الشرق الأدنى لكي نؤمن انتصارنا الحالي في الفلاندرز. قل لي مرة أخرى ماذا يجب أن نعطي الفرنسيين وماذا يجب أن نعطي اليهود، وسوف أسهل الأمر عليك».
قل له..
منقول عن الشرق الاوسط