قال ابن كناسة:
يا واعظ النّاس قد أصبحت متّهمــا … إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها
كمن كسا النّاس من عري وعورته … للنّاس بادية مــــــا إن يواريها
يبدو ان وزارة خارجية حزب الدعوة قد وطنت نفسها في خيمة الخزي والعار والإنسلاخ عن العروبة والإجماع القومي، فمواقفها السياسية رهن سياسة نظام الملالي، ولم تتمكن منذ الإحتلال الغاشم من إتخاذ موقف واحد يخالف ولاية الفقيه أو على الأقل إستنكار ناعم لتدخلات نظام الملالي في الشأن العراقي والتصريحات المسيئة لسمعة العراق. بل يمكن الجزم بأنها لم ولا ولن تخرج من الصدفة الإيرانية. مواقفها في العلاقات الدولية تتبع إملاءات الخامنئي وممثله السفير الايراني في العراق مائة بالمائة. وليس مهما عند الوزير الجعفري ان يبصق عليه كل وزارة خارجية العرب لتمرده عن الإرادة العربية، مقابل إبتسامة ماكرة من الولي الفقيه، ويتحدثون بكل وقاحة عن السيادة العراقية التي لا وجود لها إلا في عقولهم المتهرئة! ربما مفهوم السيادة في وزارة خارجية حزب الدعوة يختلف عما هو متعارف عليه في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة! لكن الا يعرف الجعفري وهو كما يدعي من أتباع آل البيت ويشعل وزارة سيادية في الحكومة الملائكية ـ حسب تعبيره ـ قول الإمام علي بن أبي طالب” إنما يستحق السيادة من لا يصانع ولا يخادع ولا تغرّه المطامع”. أو ان مثل هذا العبارات المهمة لا تستحق التوقف أمامها، لأنها موجهة للعامة وليس للحكام.
في آخر تصريح من نظام ولاية الفقية عن عاصمتهم بغداد كما صرحوا سابقا، هدد علي اكبر ولايتي كبير مستشاري المرشد الاعلى الايراني علي خامنئي المتظاهرين العراقيين بتوجيه واستخدام مليشيات الحشد الشعبي لقمعهم! مضيفا بأن مليشيات الحشد الشعبي لن يصعب عليها ان تتصدى لبعض الاطراف غير المسؤولة وغير الواعية التي تثير الاضطرابات والقلاقل في الساحة العراقية! يقصد بالطبع أتباعه الصدريين بعد أن رددٌ البعض منهم هتافات ضد الجنرال سليماني (الحاكم الفعلي للعراق) وضد التدخل الإيراني في الشأن العراقي الداخلي. يبدو ان خنوع الصدر خلال السنوات الطويلة لإرادة الولي الفقيه لم يشفع له أزاء هتافات رددٌا بعض أتباعه!
كما صرح ولايتي في 7/5/2016 لصحيفة الأخبار اللبنلنية بأن” أية قوة لن تستطيع ازاحة رؤساء الجمهورية فؤاد معصوم، والحكومة حيدر العبادي، ومجلس النواب سليم الجبوري من مناصبهم، وأن الحضور الأميركي، اليوم، هو أضعف ممّا كان عليه منذ شهرين أو ستة أشهر، أو سنة من الآن”. بمعى ان الولي الفقيه راضي عن الأضلاع الثلاثة المعوجة.
التصريح وقح بكل معانيه المقززة، وهو إعتراف كامل بأن الحشد الشعبي يؤتمر بأوامرالخامنئي وليس حيدر العبادي، ولذا سدٌ الولي الفقيه بمداسه كل الأفواه التي كانت تعتبر الحشد الشعبي حشد رسمي خاضع لسلطة حيدر العبادي. طبعا هناك الكثير من المؤشرات التي تؤكد بأن الحشد الشعبي لا يشتري العبادي بزبانه كما يقال في المثل العراقي. وأن منعه من زيارة المقدادية بعد أن خربتها ميليشيات ولاية الفقيه، والتندر على حكومته من قبل زعيمي ميليشيا بدر هادي العامري، وعصائب أهل الحق قيس الخزعلي أبرز دليل على ضعفه والإستهانه به وبحكومته الفاسدة. الأنكى منه هو إعلان الأمين العام لسرايا الخراساني، علي الياسري، في لقاء متلفز مع قناة عراقية ” ندين بالولاء لخامنئي لأنه يقدم لنا كل ما نحتاجه من دعم. إننا لا نأخذ الأوامر من حكومة إيران بل من خامنئي كونه الولي”. ونفس الكلام كرره زعيم ميليشيا بدر وعصائب أهل الحق، دون ان يعلق العبادي على هذه التصريحات المهينة له شخصيا بإعتباره القائد الفضائي للحشد الطائفي.
كالعادة وضع وزير خارجية حزب الدعوة إبراهيم الجعفري قطعتي قطن في أذنية كي لا يعلق على تصريح لارجاني، مع ان مثل هذه التصريحات تمثل تدخلا سافرا في الشأن الداخلي العراقي وتتعارض مع علاقات حسن الجوار، بل تمس سيادة الدولة هذا ان كان للدولة أصلا سيادة. ولو كان هذا التصريح صادر عن السعودية او تركيا او البحرين لتحركت ديدان الجعفري مسببة حكة شديدة وما هدأت إلا بعد ان يكيل الصاع صاعين لهذه البلدان. هذا الجعفري الذي لا يفهم شيئا من أبجدية الدبلوماسية والذي أفنى عمره في الشعوذة والدجل والسفسطة وقراءة الأدعية أقام الدنيا ولم يقعدها عندما أجمع العرب على إعتبار حزب الله اللبناني حزبا إرهابيا، لكنه سكت عندما تعلق الأمر بالبلد الذي يفترض إنه يمثله! والعجيب أنه كان مزهوا لأن ولاية الفقيه عبرت عن شكرها لتمرده عن الإجماع العربي!
الحكومة العبادية والبرلمان الجبوري أيضا لاذا بالصمت، كأن الأمر لايهمهم، كما قال الأصفهاني” هما كحماري العباديّ. حين قالوا له: أيّ حماريك شر؟ قال: هذا ثم هذا”. الغريب ان دخول بعض المتظاهرين العراقيين لمجلس الدواب إعتبروه إهانة كبيرة للدولة والمساس بهيبتها (يقصدون هيبة القنفة)، في حين تصريح لاريجاني لا يعتبر إهانة ومساس بهيبة الدولة العراقية! لا نفهم مبررات هذه التبعية المخزية والرهان على الفرس الأعرج، مع ان المرجع العراقي الصرخي الحسني ذكر” من يراهن على إيران فهو أغبى الأغبياء، فإيران حصان خاسر”. وهذه هي الحقيقة كل المؤشرات الدولية وفي المنطقة وداخل إيران تؤكد هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. لكن كما يقال لا حياة لمن تنادي.
في الوقت الذي إنزوت فيه وزارة خارجية حزب الدعوة في زاوية الخزي العار، إنبرت منظمة للرد على تصريحات لارجاني الإستفزازية. فقد نشرت هيئة الدفاع عن حقوق الانسان في العراق بيانا صحفيا رفضت فيه تصريحات لارجاني، مؤكدة بأن هذا التصريح يؤكد تدخلات النظام الايراني في شؤون العراق الداخلية، وهي موجودة على ارض الواقع العراقي ومتغلغلة في جميع مفاصل الدولة ومتحكمة بكل قراراته السيادية. وإعتبرت تصريحه” تجاوزا لكل الحدود واللياقة الدبلوماسية والاعراف الدولية في علاقات الدول، والتي لم يجرأ على مثلها حتى الإحتلال الأميركي تحسبا لردود الأفعال لدى العراقيين، وانما دأب عليها وبالاستمرار مسؤولي النظام وبشكل متكرر فبعضهم صرح بان بغداد عاصمة للامبراطورية الاسلامية الايرانية وغيره الكثيرون واليوم ولايتي يعلن ما لم يجرأ عن اعلانه رئيس الوزراء او وزيرا الدفاع او الداخلية في العراق او غيرهم من ان المليشيات هي التي أخرجت المتظاهرين من قبة البرلمان العراقي والمنطقة الخضراء وليس الجيش او القوى الأمنية العراقية”.
الحقيقة ان الحياء لا ينقص لارجاني كما جاء في بيان المنظمة الموقرة، فهو يمثل سياسة بلده الإستيطانية والتوسعية في المنطقة والمعروفة للجميع ما عدا عبيد ولاية الفقيه. لكن الحياء ينقص وزير الخارجية إبراهيم الجعفري الذي إختفى كالأرنب المذعور في جحر وزارته ولم ينبس بكلمة وهو الذي صدع رؤوسنا بإستنكار التدخل التركي في الموصل عبر المحافل العربية والدولية. العيب كل العيب عندما تصمت وزارة الخارجية وتتولى منظمة عراقية الرد على وقاحة لاريجاني.
فعلا صدق الشاعر القائل:
أليس من البلوى بأنّك جاهـــــــــــل … وأنّك لا تدري بأنـــك لا تدري
إذا كنت لا تدري ولست كمن درى … فكيف إذن تدري بأنك لا تدري
علي الكاش