قلوبنا تتابع أنفاس المعركة الأخيرة في حرب صادق العظم من أجل الحياة التي وظف عقله ووجدانه دفاعا عن وجهها المشرق تنورا ويقظة وتقدما في وسط كل هذا الظلام العالمي الذي يحيط بوطنه سوريا أسديا وبربريا ……………
منذ أكثر من سنة لم ألتق بصديق العمر صادق جلال العظم، منذ المؤتمر الفكري للمعارضة السورية في باريس الذي كنت وإياه تقريبا الوحيدين اللذين لا ننتمي للأقليات ( حيث يبدو صادق وكأنه مندوب لدمشق وكأني مندوب لحلب ) ولذلك وصفتنا المعارضة الأقلوية العلوية الأسدية في جريدة النهار اللبنانية، بأننا كنا الوحيدين في هذا المؤتمر نمثل (الصوت الطائفي)، واستكثروا وجودنا (الداعشي الدمشقي والحلبي ) بين العلمانيين !!!!
كان صادق مرفوضا من النظام الطائفي الأسدي مدعي العلمانية، لأنه لم يكن أسديا رغم رئاسته لفترة قسم الفلسفة في جامعة دمشق،لأنهم كانوا خجلين من أنقسهم أن يعتقد الناس أن صادق لبناني، كما كان يعتقد بعض الناس بل وبعض الأوساط الإعلامية أن نزار قباني لبناني .. لأن النظام الطائفي الأسدي كان يزعجه دائما وجود أسماء علم بارزة على المستوى العربي والدولي ليسوا داعشيين رجعيين ، بل ولاحتلالهم عربيا ودوليا مقدمة طلائع التنوير ليس سوريا فحسب بل وعربيا ….ولذا فإن المفكر المصري التنويري الكبير الراحل محمود أمين العالم، اعتبر أن كتاب صديقنا صادق ( دفاعا عن المادية والتاريخ ) هو أهم كتاب في الفلسفة صدر في بداية التسعينات عربيا …
حيث في هذا الكتاب يكشف صادق (ابن البوراجوازية الارستقراطية الدمشقية العريقة) عن مدى عمقه المعرفي فكريا وفلسفيا في تبنيه التيار اليساري الديموقراطي أكثر من كل أدعياء اليسار الحزبوي، رغم أن الشيوعيين كانوا يعتبرونه ليبراليا (اصلاحيا ) كما فعلوا من قبل مع ياسين الحافظ الذي كشف عن مدى الفاقة الفكرية والنظرية ليس لدى التيار الشيوعي (ليس البكداشي فحسب، بل والمنقلبون عليه ممن سمي بالمكتب السياسي … )
ما يحز بنفسي شخصيا أن صادق سيغادر الدنيا، وربما سنلحقه قريبا ، دون أن يكحل عينيه وعيوننا بسقوط النظام البربري الوحشي الأسدي، ودون أن تدرك المعارضة الرسمية المسبقة الصنع أهمية الرأسمال الرمزي لصادق ، حيث راحت تستثمر اسمه في مجال استثماراتها الخاصة دون تحويله إلى استثمار وطني ثوري كما يستحق، لكن ثورة الحرية في سوريا التي ستعود قيادتها لجيل الشباب ممثل العولمة الثقافية والمواطنة العالمية التي طالما تحمس لها صادق بوصفها مدخلا ضروريا لا بد منه لمسألة الحرية سوريا وعربيا، كون الحرية ليست مسألة ثقافية وطنية وقومية فحسب، بل ولا بد لها من بعدها الكوني، ستكتشف أجيال الشباب السوري والعربي عاجلا أم آجلا قيمة الرأسمال الرمزي لصالدق جلال العظم على المستوى الوطني والثوري السوري والعربي ….
ننتظر من الصديق الغزيز المواجهة الشجاعة مع الموت كما عهدناه فكريا ، وأن لا تكون هذه هي معركته الأخيرة كما يخبرنا أبناؤه (عمرو وايقان )، بل أن تكون إحدى جولاته الشجاعة التي سيخرج فيها منتصرا، فصادق من النوع الذي لا يموت بموت جسده …