ديفيد إغناتيوس – الشرق الاوسط
يقنع تزايد الفوضى في المناطق المحررة بشمال سوريا بعض عناصر قوى المعارضة السورية بأن الدولة ستصبح «دولة فاشلة» ما لم تبدأ مرحلة انتقالية سياسية منظمة تخلو من الرئيس بشار الأسد قريبا. وجاء هذا التحليل الصادم في تقرير استخباراتي قدمته مصادر سورية تعمل مع الجيش السوري الحر إلى وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي. ويستعرض التقرير الوضع في المنطقة الممتدة من حلب إلى الحدود التركية التي اختفى منها جيش الأسد إلى حد كبير. كذلك يرسم التقرير صورة لمقاتلين يفتقرون إلى التنظيم، وتجار سلاح طماعين، وأمراء حروب استغلاليين.
ويبدو أن هذا الفراغ الأمني في حلب ساعد جبهة النصرة، المتحالفة مع تنظيم القاعدة. ولا تستفيد هذه الجماعة من براعتها في ساحة المعركة فحسب، بل من رفضها التورط في أعمال النهب والممارسات العدوانية الأخرى. وتحاكي جبهة النصرة، في تركيزها على العدل والمساواة والخدمات الاجتماعية، المنظمات الإسلامية المتطرفة الأخرى مثل حزب الله في لبنان وحركة طالبان في أفغانستان.
الوضع الأمني ليس سيئا في المناطق الريفية مثل محافظة إدلب، جنوب غربي حلب، بحسب مصادر سورية. وعلى عكس المدن التي تتسم بالتنوع العرقي، تعد البلدات والقرى الريفية أكثر ترابطا وتماسكا، حيث تشغل مراكز السلطة القبلية والتقليدية الفراغ الذي خلفه جيش الأسد المتفكك. ويوضح الاضطراب، الذي تشهده سوريا، مشكلة ظهرت في الحروب والثورات التي شهدها العالم العربي خلال العقد الماضي، ولم تحظ بقدر كبير من المناقشة، وهي أنه عندما تسقط الدول البوليسية القمعية بسبب غزو أجنبي أو حرب أهلية، قد يسقط معها الإطار الأساسي للقانون والنظام. وكانت هذه هي حالة العراق وليبيا وسوريا حاليا. إذا فكرنا في المستقبل سنجد أنه من الضروري أن تشجع الولايات المتحدة وحلفاؤها انتقالا للسلطة أكثر استقرارا إن أمكن، مع الحفاظ على المؤسسات الوطنية مثل الخدمات الحكومية والجيش، مع نقل سلطة إدارتها إلى قيادة جديدة أكثر ديمقراطية. وهذا ما حدث في الثورات التي لم تكن دموية إلى حد كبير في مصر واليمن، حيث حثّت الولايات المتحدة قادة الجيش على التخلي عن الحاكم الديكتاتوري.
ولم تحاول الولايات المتحدة بجد وحماس كبير التعامل مع مشكلة انتقال السلطة في سوريا من خلال تشجيع «المجالس العسكرية» في حلب وإدلب ومناطق أخرى على ذلك. وكانت الفكرة هي أن تدعم هذه المجموعات قيادة منضبطة ونظام بين صفوف الثوار، مما يساعدهم في التغلب على الأسد، وتمدهم ببعض البنية اللازمة للانتقال المنظم والإدارة الحكيمة. مع ذلك تقول مصادر سورية إن أغلب المجالس العسكرية تم حلها لأن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يستغلوها بشكل فعال في توصيل المساعدات إلى الثوار.
ويشير التقييم المتشائم، الذي قُدم إلى وزارة الخارجية، إلى انتشار المئات من المجموعات الصغيرة، التي يتراوح عدد أفرادها بين 10 و20 مقاتلا، في مختلف أنحاء حلب. وذكر التقرير «تحول الجيش السوري الحر إلى مجموعات غير منظمة من الثوار مخترقة من عدد كبير من المجرمين. وضاع كل ما نبذله من جهد مع المجالس العسكرية. أمراء الحروب ظاهرة موجودة على أرض الواقع الآن. ستكون النتيجة المرجحة للوضع الراهن هي تحول سوريا إلى دولة فاشلة إلا إذا حدث تطور ما».
وأوضح التقرير السوري أن هدف أغلب المعارك التي تدور رحاها في الشمال هذه الأيام هو الغنائم، حيث ذكر «أصبحت الانتهاكات التي يرتكبها الثوار ظاهرة يومية معتادة، خاصة ضد المدنيين، بما في ذلك نهب وسلب المصانع العامة والخاصة والمخازن والمنازل وسرقة السيارات». ويشير التقرير، على سبيل المثال، إلى نهب مخزن مملوك لشركة نفط سورية وبيع حبوب مهربة إلى وسطاء أتراك.
ويعاني المدنيون السوريون كثيرا؛ ففي حلب لا يجد الناس احتياجات الحياة الأساسية بسهولة، بحسب ما يشير التقرير. وارتفع سعر غاز البروبان والخبز بمقدار ثمانية أمثال، وارتفع وقود التسخين والبنزين بمقدار عشرة أمثال. ويقطع الفقراء، الذين يحتاجون بشدة إلى الحطب، الأشجار من الحدائق والمتنزهات العامة أو يستخدمون مقاعد التلاميذ في المدارس، بحسب ما جاء في التقرير.
في هذا الموقف الفوضوي، تكتسب جبهة النصرة المنظمة شعبية، لأن خطواتها للصالح العام ولا تتورط في عمليات نهب لممتلكات المدنيين كما يوضح التقرير. كذلك تشارك في المعارك مشاركة كبيرة، ولا تهتم بأن يُنسب إليها الفضل، وإذا حصل أفرادها على المواد الأساسية مثل غاز البروبان فإنهم يوزعونها على المواطنين مجانا. وإذا استمر الحال على هذا المنوال فسوف تصبح الجماعات المتطرفة في نظر الشعب السوري هي «المنقذ» من أمراء الحروب. وفي الوقت الذي توضح فيه آخر التقارير الواردة من سوريا مخاطر الموقف السلبي الذي تتخذه الولايات المتحدة، فإنها تشير في الوقت ذاته إلى أن التدخل العسكري الأجنبي قد يتسبب في مشكلات مشابهة مثل تلك التي شهدناها في ليبيا والعراق بعد إسقاط الحاكمين المستبدين. ويتمثل الحل في سوريا في دعم القوات العسكرية المعتدلة المنتمية إلى الثوار، والمساعدة في انتقال مستقر، مع الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة المهمة على أن تخضع لقيادة سياسية جديدة.
* خدمة «واشنطن بوست»