الشرق الاوسط
دول الخليج كلها قلقة على الأوضاع في سوريا: حرب.. تدمير.. خراب.. تفكك الدولة، ومن ثم تداعيات ذلك على منطقة الشرق الأوسط بمجملها. قد تختلف نظرة كل دولة، لكن المحصلة أن القلق مشترك.
يقول لي دبلوماسي كويتي: «لو كنت مكان الرئيس بشار الأسد، فمن المؤكد أنني سأفكر بالخطة (ب)؛ أي لن ينتصر فريق عسكريا على الفريق الآخر.. إذن هناك حرب أهلية طويلة المدى، ومن ثم، لا بد أنه يفكر بدولة علوية».
أطرح هذه الأفكار على مسؤول كويتي كبير، فيجيب أن الوضع في سوريا صعب جدا بغض النظر عن المسار الذي ستؤدي إليه الأزمة الحالية.. في كل نتائجها، ستكون كارثية على المنطقة.. «وصلت الأمور الآن إلى أن الخطر وقع، وأن أي نتيجة مستقبلية ستكون لها انعكاساتها وإفرازاتها وتداعياتها بدرجات متفاوتة».
تعرف الكويت بوضوح أن الضرر الواقع اليوم أخف بكثير من ضرر الأسبوع المقبل، وإذا تأخر إيقاف هذه الحرب، فستكون الصعوبة والتكلفة أكبر. يقول المسؤول الكويتي الكبير: «الوضع متجه الآن إلى مقياس الخسارة المستقبلية والتكلفة. إنه في غاية الخطورة، وتداعياته لن تكون فقط على الشعب السوري، الضحية الأولى، بل ستمتد وتتجاوزه».
كانت الكويت قبل سنة ونصف السنة قد حذرت من أن الوضع في سوريا لن يكون نطاقه سوريا فقط؛ إنما المنطقة كلها. وهذا ما يحدث الآن إذا نظرنا إلى «توتر» الأوضاع على الأرض في العراق، أو إلى «تخبط» السياسة التركية، أو إلى «اهتزاز» الدول المجاورة لسوريا الأقل قدرة وسكانا ومساحة مثل لبنان والأردن، من دون أن ننسى طبيعة الحال «الكابوس» الذي تشعر به إسرائيل، في وقت تغرق مصر في مشكلاتها الداخلية الانتقالية.
يقول المسؤول الكويتي الكبير: «تقلقنا انعكاسات الوضع السوري على دول الجوار، امتدادا إلى ما بعدها. فالكويت ليست بعيدة عن الوضع، لأن تأثيرات سوريا على العراق، ستكون (تأثيراتها) علينا وتباعا على دول المنطقة».
رغم كل المحاولات لإيجاد حل للأزمة السورية، وإذا حصرناها فقط في النطاق الإقليمي، واستثنينا صراع الدول الكبرى على الساحة السورية: الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا من جهة، وروسيا والصين ودول الـ«بريكس» من جهة أخرى، فإننا نلاحظ صعوبة التوصل إلى حل إذا تركت الأمور تتطور بمكوناتها الحالية داخل سوريا. الكل دخل الآن في الحلقة الأصعب.
كانت دول مجلس التعاون الخليجي ترى أن الحل في سوريا يمكن أن يأتي عن طريق معادلة شبيهة بالمعادلة اليمنية، إنما مع تعديل بحيث تتوسع دائرة الحماية. في اليمن كان المطلوب عدم ملاحقة الرئيس علي عبد الله صالح قضائيا، أما في سوريا، فتكون الدائرة أوسع بحيث تشمل العلويين ومن حارب مع الأسد، على أن تتحمل دول مجلس التعاون مسؤولية إقناع المجتمع الدولي بكيفية وضع إطار الحماية وعدم ملاحقة المعنيين أو محاسبتهم.
يقول المسؤول الكويتي الكبير: «كان هذا مخرجا يجنب سوريا الانزلاق إلى التدمير الكامل ويجنب الدول الأخرى تأثيرات هذه الحرب. لكن الفكرة لم تلق قبولا لدى الطرف الروسي، ولو تم تطبيق هذه المعادلة حتى قبل خمسة أشهر، لكان الوضع أفضل، لكننا دخلنا الآن في المرحلة الصعبة».. يضيف: «بدأت الحسابات تتعقد إلى درجة أن فك تشابكها أصبح من المستحيلات. اختلطت الأمور وصارت هناك صعوبة في التعامل مع الأطراف كافة. هذا يدل على أن الحرب ستكون مدمرة طالت أم قصرت، وهي لن تكون فقط على سوريا، وإن كان، للأسف، الشعب السوري هو وقودها».
صورة سوداوية جدا؛ إنما متفق عليها بين الدول وراء الأبواب المغلقة، وعندما سأل مسؤول لبناني مسؤولا أميركيا التقاه في لندن: «هل تعتقد أن الحرب في سوريا ستمتد حتى خمس سنوات؟»، كان جواب الأميركي: «أنت متفائل جدا، ضاعف عدد السنوات إن لم يكن أكثر».
من جهة أخرى، عبر الدبلوماسي الكويتي عن قلقه من تداعيات هذه الحرب على الخليج من زاوية أن بعض أثريائه يمول ويدعم جهاديين للقتال في سوريا، وقد يكون بعضهم منتميا إلى «جبهة النصرة» أو إلى «القاعدة».. يقول: «هذا النوع، أي الجهاديون، دعمهم النظام السوري وحماهم وأوصلهم للقتال في العراق، ثم عادوا الآن لمحاربته. الخوف أن يتكرر السيناريو نفسه في دول خليجية». ويوم الاثنين الماضي نقلت «الشرق الأوسط» عن اللواء منصور التركي المتحدث الأمني في وزارة الداخلية السعودية قوله: «نعلم أن هناك سعوديين في سوريا، ووزارة الداخلية عازمة على التحقيق مع كل سعودي يقاتل هناك».
أنقل تخوفات الدبلوماسي الكويتي إلى المسؤول الكويتي الكبير، حيث يقول: «لا تزال الكويت تعاني مما تمخضت عنه كل الأحداث في أفغانستان من فكر متطرف، وتدريب وتسليح، وبعدها انتقلنا إلى البوسنة، ثم إلى العراق. عانت الكويت من جماعات كويتية متطرفة حاربت في العراق وحاولت القيام بأعمال تخريبية في الكويت».
كما يبدو، فإن الكويت لا تتوجس؛ بل هي على يقين من أن ما يحدث في سوريا يوفر فرصة ذهبية للمتطرفين من أجل استقطاب وتجنيد جماعات خليجية، كي تحارب في سوريا. وحاليا يتلقى المسؤولون الكويتيون بلاغات من أهالي بعض المقاتلين الكويتيين علموا بوجود أبنائهم إما في سوريا، أو على حدود بعض الدول المجاورة لها.
يقول المسؤول الكويتي الكبير: «تدرك الكويت أن لهذا الأمر مردودا خطيرا؛ ذلك أن الوضع في سوريا يستقطب بعض الشباب الكويتي ليغرر بهم بحجة الجهاد، وكما عانت جراء أفغانستان والعراق، ستعاني بشكل أكبر مما يحصل في سوريا. التطرف هو الأمر الخطير».. يضيف: «المشكلة أن الاستقطاب بدأ يتزايد، والتجنيد كذلك، وبدأت انفعالات الشباب تُستثمر لعمل شيء على الأرض داخل سوريا. وانتقل الأمر من قلق إلى واقع فعلي بوجود عناصر خليجية على الأرض السورية».
في حديثه إلى مجلة «أتلانتيك»، أشار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى أنه عرض على الأسد العيش في الأردن. وأسأل المسؤول الكويتي الكبير عما إذا كانت الكويت على استعداد لمنح اللجوء السياسي للأسد؟ فكان جوابه أن الكويت لا تقدم اللجوء السياسي إلى أي شخص كي تقدمه إلى الأسد، ويضيف: «الخيارات أمام الأسد متوفرة لتجنيب سوريا المزيد من دمار أبشع وأفظع.. هناك مخارج كثيرة له إذا فكر بالمغادرة، إنما ليس للكويت أي دور في استضافته».
هذا بالنسبة إلى مصير الأسد، أما الشعب السوري، فإن الكويت تحتل المقعد الأول لدعمه في تحقيق تطلعاته إلى الانتقال السياسي. وفي المؤتمر الذي دعت إليه مع الأمم المتحدة، جمعت مبلغ 1.6 مليار دولار، وانتهت الآن كل الإجراءات المتعلقة بصرفه، ودرست الوزارات المختصة مثل المالية والخارجية كل الاحتياجات والنداءات التي قدمتها المنظمات والوكالات إلى الأمم المتحدة، وسوف تبدأ قريبا عملية التوزيع على الشعب السوري في الداخل والخارج.