قصيدة محمد دركوشي : العزف على سيف دمشقي

 من مجموعته الشعرية أزاهير الرمادzyad1
 *************************
موتى بنو يعربٍ هلْ نافعٌ عتبُ
وهلْ مجيبٌ دعاءً ميّتٌ ترِبُ
عجبتُ من نافخٍ في الما ليوقدَهُ
وطالبٍ من أصمّ الصّخرِ ينتحبُ
يا بنَ الكرامةِ منْ أنباكَ أنّ بني
عدنانَ طرًا عقارَ الحزمِ قد شربوا
عاتبتَ قومًا صِغارًا لا قرارَ لهمْ
حتى الذبابُ حماهمْ راحَ يغتصبُ
عاتبتَ من ليسَ يُرجى حينَ نائبةٍ
أسيافهُ في الوغى التنديدُ والشَجَبُ
واللهِ لو هدّمَ الشيطانُ كعبتهمْ
لما شكتْ بينَهم في حَانها العنبُ
فليسَ في تغلبٍ ” جنّ غطارفةُ “
وليسَ عندَ تميمٍ ” جحفلٌ لجبُ “
وليسَ في العربِ العرباءِ معتصمٌ
ولا لديهمْ صَلاحُ الدينِ يُنتدبُ
يا بنَ الكرامةِ هلْ أغواكَ مجمعهمْ
عندَ ” النبيلِ” تلاقى القادةُ النجبُ
واعدتَ نفسكَ بالبشرى فلا ألمٌ
يأتيكَ منْ حاكمِ الفيحاءِ أو نصبُ
لا هدمُ أبنيةٍ أو هتكُ محصَنةٍ
ولا بيوتٌ بأرضِ الشامِ تنتهبُ
واللاجئونَ إلى أوطانهمْ رجَعوا
مثلَ الملوكِ كأنّ الناسَ ما نُكبوا
ومنْ قضى نحبَه سمّوا بكنيتهِ
ساحاتِ درعا كما ازدانتْ بهم حلبُ
وأدبرتْ فتكةُ الجوعِ الذي ضَويتْ
منهُ الجبالُ على الأيامِ والهَضَبُ
فالبَرّ يطرحُ بُرّاً في مراتعنا
والبحرُ مَرجانهُ وَفرٌ لمنْ يهبُ
لا أيّمٌ ترتجي خبزَ الزناةِ ولا
يزاحمُ الكلبَ بينَ الحاوياتِ أبُ
ألفى بقايا طعامٍ فاستوى فرِحاً
طيراً إلى طفلةٍ في الدّارِ ترتقبُ
فلمْ يجدْ دارهُ في الحيّ قائمةً
ولم يجدْ غيرَ نارِ الحقدِ تلتهبُ
يا بنَ الكرامةِ لمْ تمنعْكَ كثرتهمْ
مَا أكثرَ الذرّ لكنْ مَا لها غضبُ
أنّاتكَ الحمرُ لن تلقى لها أذنًا
سَلْ غزةً أهلَها هل يُرتجى العربُ
كمْ قمّةٍ عُقدتْ في غزّةٍ ومضتْ
وأهلُ غزّةَ عن غاياتها غَيَبُ
لو أنّهم أنفقوا بعضَ الذي بذلوا
في حفلهم لانتفى من أرضنا السّغبُ
اليومَ يختلفُ الأربابُ في سببٍ
وفي غدٍ قمّةٌ كي يُعرفَ السّببُ
وبعدها قمّةٌ للصّلحِ عاجلةٌ
وما سوى الكلمِ المعسولِ يُنتخبُ
بئسَ الرعاةُ رعاةٌ كلّما اجتمعوا
تجرّأ الذئبُ حتى ضاقتِ التربُ
***
هذي بلادي تعدّ الدهرَ نازفةً
جراحُها كالليالي في الورى قشبُ
يفرّخُ الموتُ أجداثاً لصبيتها
في كلّ سَاحٍ قبورٌ أينما لعبوا
هذي بلادي على أشلائها هجعتْ
وأرضها الروضُ يا مرعى الظبا خرَبُ
وأهلها الصيدُ في ساحاتها جثثٌ
تساقطوا مثلما تسّاقطُ الرطبُ
ومن نجا منهمُ يوماً إلى أجلٍ
أوفى أصيحابهِ التنكيلُ والتعبُ
مشرّدًا عافَ دفءَ الدارِ من وجلٍ
إلى خيامٍ بناها الذلّ والوصبُ
ومنْ تخلّفَ لا يبغي بها بدلًا
دونَ اغترابٍ عنِ الأوطانِ مغتربُ
ما حيلةُ الحرّ والشبيحةُ اغتصبوا
عاثوا, أذلّوا, أضلّوا, هدّموا, عطبوا
فإن تشظّى إلى الجوزاءِ منتفضًا
وفجرّ النفسَ بالباغي فلا عجَبُ
همُ الأذلّةُ والأرذالُ ما برحوا
الحرّ حرٌّ وإنْ داسوا وإن ضربوا
لا يشرفُ الذئبُ بالعدوانِ مفترسًا
ولا يهينُ الضحايا أنهمْ سلبُ
يا بنَ الكرامةِ لا ترهبْكَ حربُهمُ
إنْ ضرّموها فهمْ يومَ الردى حطبُ
فاسمعْ صريخهمُ في كلّ معركةٍ
مثل الكلابِ أمامَ الأسْدِ تنسحبُ
تاللهِ لولا عديدُ الفرسِ ما ثبتوا
تاللهِ لولا عتادُ الروسِ ما ركبوا
خمسونَ عامًا شعاراتٌ ممانعةٌ
وما تحرّرَ جولانٌ ولا نقبُ
خمسونَ عامًا وخيرُ الأرضِ منتَهبٌ
وحجّةُ اللصّ حربٌ سوفَ تلتهبُ
وعندما قرّر الحربَ الضروسَ رمى
شعبًا تربّتْ على أمجادهِ الحقبُ
كمْ عربدتْ في سماءِ الشامِ آمنةً
عقبانُ صهيونَ لا خوفٌ ولا رهَبُ
نارُ الخطاباتِ ترميها بكاذبةٍ
هل يحسنُ الحربَ من صمصامهُ الخطبُ
يخادعونَ الألى في كلّ مسألةٍ
عديلُ إعلامهمْ بينَ الورى الكذبُ
فكلّما ذبحوا في حمصَ منتفضًا
وفي حماةَ أطاحوا بالذي يثبُ
وكلّما قصفوا فرناً ومدرسةً
قالوا لنا: ثورةُ الأحرارِ ترتكبُ
وقامَ بوقٌ إلى الشاشاتِ مدّعياً
سبيُ العذارى لتقطيعِ الفتى سببُ
وصاحَ فينا: عصاباتٌ مسلّحةٌ
مندسّةٌ دأبها التخريبُ والشغَبُ
والشعبُ لم ينتفضْ يومًا لمظلمةٍ
هاجَ ابتهاجًا بما جادتْ بهِ السّحبُ
***
يا بنَ الكرامةِ صارَ الدينُ مغنمةً
باثنينِ رانتْ على قلبيهما الرتبُ
شيخيّ( ) عوجَا على درعا ومسجدِها
يخبركما حمزةٌ عنْ صبيةٍ كتبوا
الله .. حريّة .. في ساحِ مدرسةٍ
فاستنفرَ الجيشُ وهوَ اليومَ ينقلبُ
عوجا على العمَريّ المبتلى تريَا
أمّ الخبائثِ في محرابهِ شربوا
ومصحفَ اللهِ في أرجائهِ مزقاً
كمْ كنتُ أشفى بهِ إن شفّني الوصبُ
شيخَيَّ مَا حكمُ من يلقى منيّتَه
مدافعاً عنْ جَناءِ العمرِ يُنتهبُ
شيخيَّ مَا حكمُ من يُردى لمأثرةٍ
يصدّ عن حرّةٍ في الحيّ تغتصبُ
شيخيّ هل يَذبحُ الأطفالَ منتقِماً
فقيهُ قومٍ لهُ للمصطفى نسبُ؟
شيخيّ كلُّ يتيمٍ قلبهُ حَرَقٌ
يشكوكما لقويّ أخذهُ عجَبُ
وكلّ أمّ على طولِ البلادِ خلا
من طفلها صدرُها تدعو وتنتحبُ
***
يا بنَ الكرامةِ صُمَّ الأذنَ عن وترٍ
ألحانهُ في رواقِ ” الأمنِ ” تصطخبُ
المستبدّ كمَا المحتلّ كنسُهما
في شرعةِ الحرّ حقّ ليسَ ينشعِبُ
يا ليتني في قرى حورانَ محترقٌ
للوحشِ عظمي ومَا ضمّ الحشا نهَبُ
ولا أرى واحدًا في الشامِ مضطَهدًا
يثوي على الذلِ جندَ الغربِ يرتقبُ
هلْ يسعفُ الغربُ دارًا جارَ صاحبها
وما لهُ حَلبٌ فيها ولا جلبُ
غزا طرابلسَ من بغدادَ مجتهدًا
والزيتُ يلمعُ في عينيهِ والذهَبُ
كمْ يدّعي نصرةَ الإنسانِ قادته
تزولُ عنهُ بهمْ يا سيّدي الكربُ
فإنْ ألمّ بنا من أهلنا ألمٌ
أو جارَ جارٌ علينا منهمُ انقلبوا
وهيئةُ الأممِ الحمقاءُ لعبتهمْ
تغفو إذا عدِموا تصحو إذا نهبوا
***
يَا أيها الشعبُ ثرْ للحقّ منتسِباً
كلّ الخيولِ إليكَ اليومَ تنتسبُ
لا ترجُ نصرَ الذي يرنو منيّته
لديكَ ما كانَ يا شعبي لكَ الغلَبُ
فهمْ يرونَ ربيعَ الشامِ منتصراً
شتاءَ أنظمةٍ ظلماءَ ترتعبُ
أفقْ فليسَ يدعّ الوحشَ مفترسًا
إلا يمينكَ فيها السّيفُ يُختضبُ
ليستْ حقوقُ الورى من حاكمٍ هبةً
إنّ الحقوقَ بعزمِ الشعبِ تُكتسبُ
لا بدّ يبطشُ بالطاغي ضَحيّتهُ
فمصرعُ الظلمِ كالأقدارِ مُكتتبُ
يا أيهّا الشعبُ إنْ أغلظتُ معذرةً
وإنْ أطلتُ نشيدَ النارِ لا عجبُ
أنا الدمشقيّ مغروزٌ بخاصرتي
كلّ السّيوفِ التي اعتزّتْ بها العربُ
لا فادياً في فراشي اليومَ مضطجعٌ
فهلْ يضيعُ دمي أمْ يغضبُ الغضبُ
***
إني لأشكو وما في الجسمِ من عللٍ
والعينُ من غيرِ داءٍ دمعها سرِبُ؟
تفطّرَ القلبُ من قتلٍ أطالعهُ
وصدّعَ النفسَ ألا ترعوي النوَبُ
ضجّتْ على شفتي الألفاظُ غاضبةً
حتى خشيتُ بحدّ الحرفِ تحتربُ
أبتْ لديّ انتظامًا في مقطّعةٍ
وكيفَ ينتظمُ المذبوحُ يضطربُ
فالشعرُ إنْ لم يكنْ ريحاً وعاصفةً
أولى بمنْ ينظمُ الأوزانَ يحتجبُ
الشعرُ سيفٌ دمشقيٌّ عزفتُ بهِ
وهوَ الغرامُ الذي قد كنتُ أرتكبُ
عذرًا إذا ابتلتِ الأسماعُ من نغمي
فخدّ حرفيَ من فرطِ البكا رطبُ

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.