هناك كتابان يلتقيان، بمحض الصدفة، في موقع متشابه حول موضوع متشابه، ثم يفترقان تماما، الأول: رواية خيالية للكاتب ويليام غولدنغ بعنوان «لورد الذباب». الثاني دراسة أنثروبولوجية للعالمة الأميركية مارغريت ميد. يذهب غولدنغ في خياله إلى جزيرة في «بحر الجنوب» ليروي لنا قصصا تؤكد أن الإنسان يولد وحشا بالفطرة، وأن شهوة القتل غريزة فيه لا يروِّضها سوى التحضّر. أما الدكتورة ميد فتعقد دراسة مطولة لأهالي جزيرة ساموا وتنتهي إلى أن الإنسان مخلوق قانع ومسالم لا يهمه سوى أن يعيش بهدوء.
ذهب الأميركي نابليون تشاغنون إلى دراسة طبيعة البشر عندما توجّه عام 1964 إلى غابات الأمازون حيث تورم جسمه من عقص البق والحشرات، لكنه استمر في رحلاته إلى قرى العراة طوال ثلاثين عاما. عندما وصل في الزيارة الأولى، وجد أهل القرية مصابين بالجروح. لقد استعادوا قبل يوم واحد خمسة نساء من أصل سبعة، خطفهن رجال من قرية ثانية. دارت معارك بالسلاح الوحيد الذي يملكونه، العصي الغليظة. ومع الوقت اكتشف تشاغنون أن ربع أهالي المنطقة يموتون عنفا وأن رجلين من خمسة يشاركون خلال حياتهم في جريمة قتل.
الإنسان البدائي يريد كل شيء له وحده. والإنسان «المتحضر» أيضا. روى لي صديق أن صديقا له حقق في أعماله نجاحا مكّنه ذات يوم من شراء طائرة خاصة صغيرة صار يستخدمها في أسفاره مع عائلته. وفي إحدى المرات وصل المدرج في وقت واحد مع رجل أعمال كبير، فالتفت أولاده إلى الطائرة الضخمة، وتساءلوا لماذا ليست طائرتهم في هذا الحجم.
أرسل أولاده إلى البيت وتوجه هو إلى المكتب ليبدأ معاملات بيع الطائرة. لقد اكتشف أنها سوف تكون سبب شكوى وتذمُّر في العائلة. إن عيون البشر دائما على أرزاق سواهم. وكذلك الدول. أرادت بغداد البعث الخروج من أزمتها المالية بالسيطرة على نفط الكويت والإمارات. رأت أن الكويت دولة نفطية غنيّة ولم ترَ أنها تملك ثاني ثروة نفطية في العالم العربي، مضافا إليها أهم ثروة مائية.
حاولت اليابان السيطرة على جميع جوارها. وحاولت فرنسا وألمانيا السيطرة على دولة في حجم روسيا من دون التفكير في الثمن أو في الاستحالة. لا يرضى الإنسان بما لديه، إلا في جزيرة ساموا. البعض يعتبر المشاركة في السلطة جريمة والمشاركة في الرأي عيبا. قامت الثورات العربية لأسباب أصغر من ذلك بكثير. وبدا أن السبب الأكبر وراء الخراب هو التفرُّد. ومثل العراق في مجاهل البرازيل، يموت ربع الشعب العربي عنفا. ومع الأسف، إذا كان كافيا.