الشرق الاوسط
بسبب الغموض الشديد المحيط بمؤتمر جنيف 2، وتضارب المواقف الأميركية والروسية منه، وبسبب ما ينتجه الخلاف الدولي من تناقض بين موقفي طرفي الصراع السوريين. وأخيرا، بسبب الحاجة إلى اختراق يمهد لجنيف، ويساعد على قبول الذهاب إليه والمشاركة فيه بإيجابية، من الضروري أن تبادر الدول الأوروبية وأميركا ودول عربية فضلا عن الجامعة العربية، إلى عقد مؤتمر يضم مختلف أطراف المعارضة السورية، على أن يتم التوافق فيه على شكل الدولة السورية العتيدة بعد سقوط الأسد ونظامه، ويقر بصورة رسمية وجماعية وموثقة أنها ستكون دولة ديمقراطية، لن تغرق في فوضى السلاح أو تشهد قيام نظام مذهبي متطرف وعنيف، أو تعيش حالا من الاضطراب السياسي الدائم، الذي يمكن أن يستمر لفترة متوسطة وربما طويلة تمتد إلى خمسة عشر أو عشرين عاما. دون مؤتمر كهذا، ودون ما سينجم عنه من التزام دولي وعربي وإقليمي بالديمقراطية كنظام سوري بديل، سيكون من الصعب ذهاب السوريين إلى جنيف، ليس فقط لأنهم لن يقبلوا الإسهام في عمل تبدو نتائجه غامضة وغير مؤكدة، وإنما كذلك لأن التفاهم على سوريا المستقبل سيكون مستحيلا في ظل التقصير الدولي الفاضح حيال شعب سوريا وثورته، التي تذبح تحت أنظار العالم منذ عامين ونصف.
ليس من المقبول أو المعقول أن تذهب المعارضة إلى مؤتمر دولي لا تعرف ما سيتمخض عنه، ولو بصورة تقريبية، بعد التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب السوري، ويفوق عدد من كلفتهم حياتهم أو اعتقلوا ولوحقوا وجرحوا نيفا ومليون إنسان، جلهم شباب لم يروا من الدنيا شيئا غير القتل والسحق والاغتيال والتعذيب والتشرد والبطالة والفقر والملاحقة. وليس بإمكان المعارضة تجاهل رغبات الشعب، الذي لا يبدو شديد الحماسة لمؤتمر يحدثه عن السلام بينما يتعرض لخامس هجمة استراتيجية كبرى يشنها النظام ضده، منذ جنيف 1 قبل عام واحد فقط، دون أن يفعل أحد من الكبار أو العالم مجتمعا شيئا ضد خرق وانتهاك تفاهمه في جنيف 1، الذي لا تطالب وثيقته الصادرة بموافقة إجماعية من الخمسة الكبار بشن هجمات رسمية مكثفة ضد الآمنين من السوريين، وتطالب النظام بوقف إطلاق النار، وسحب جيشه من المدن، وإطلاق سراح المعتقلين، والسماح بالتظاهر السلمي، وعودة المراقبين العرب والأجانب إلى سوريا. إلى هذا، لن ترضي الضمانات الكلامية أحدا من السوريين، ولن تقنعهم بالذهاب إلى مساومة يشكون في نتائجها، لمعرفتهم بالنظام وأساليبه في المراوغة والكذب، وتمسك أربابه بالكراسي وتهافتهم المستميت على السلطة ومغانمها، واستعدادهم لقتل ملايين السوريات والسوريين في سبيل الاحتفاظ بها.
أخيرا، وبكل صراحة، يخشى السوريون أن تعقد أميركا وروسيا صفقة على حساب قضيتهم، تمكن النظام من القضاء على مقاومتهم وتدمير أملهم في تحقيق الحرية، وإعادتهم إلى وضع أشد سوءا من الوضع الذي كانوا عليه قبل 15 مارس (آذار) من عام 2011. وهم يرون أنه لا سبيل إلى قطع الطريق على هذا الاحتمال بغير عقد مؤتمر دولي / عربي يشاركون فيه، يضمن إقرار العالم بحتمية انتقالهم إلى الديمقراطية كنظام بديل لنظامهم الاستبدادي الراهن، ويبعث الثقة في نفوسهم، ويقنعهم أن تضحياتهم لن تضيع سدى، وأنهم في الطريق إلى تحقيق حلم الحرية، بما يمثله من انعطاف مفصلي في وجودهم، لطالما راود أحلامهم وغدا قاب قوسين أو أدنى من التحقق، باعتراف العالم ودعمه.
لا بد من المسارعة إلى إجراء اتصالات تكفل انعقاد المؤتمر العتيد في أقرب وقت، لما لانعقاده وما سيتخذ فيه من قرارات من نتائج إيجابية ستقنع السوريين أن العالم عازم على وقف تلاعبه بقضيتهم، وصراعاته في وطنهم، وأنهم لم يموتوا عبثا، وأن خيارهم الديمقراطي غدا خيارا عالميا وأنهم لم يعودوا مهددين بالفوضى المسلحة أو النزعات المتطرفة، التي يلوح خطرها في أفق المنطقة بأسرها، بعد دخول حزب الله وإيران إلى سوريا.
هذا المؤتمر يجب عقده، إن كنا سنذهب إلى جنيف 2. بغير ذلك، لن يكون الأمر ممكنا، وقد يبقى جنيف فكرة تراود الأذهان، تثير من المخاوف أكثر مما تبعث على الاطمئنان!