قراءة في كتاب الدكتور محمد حبش العقوبات الجسدية وكرامة الإنسان – نحو فقه اسلامي مناهض للتعذيب

الدكتور محمد برازيmohamedbarzi
قراءة في كتاب الدكتور محمد حبش بعنوان : العقوبات الجسدية وكرامة الإنسان – نحو فقه اسلامي مناهض للتعذيب
الكتاب هو عبارة عن مجموعة مقالات نشرها في موقع كلنا شركاء ، ليسوّق بها عمّا تبنّاه من فكرة إلغاء أحكام القرآن الكريم على جرائم محدّدة تمس أمن المجتمع ، ووقف العمل بها وإلغائها واستبدالها بأحكام تنسجم مع مواثيق الأمم المتحدة ، ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والنصوص الملحقة .
والكتاب يشير بوضوح إلى البذور التي غرست في ذهن وعقل محمد حبش ، منذ نشأته وانتمائه إلى المدرسة التي تلقى بها علومه الشرعية ، وكان هو بمثابة الحاضن لتلك البذور التي نمت وترعرعت وتبرعمت وأزهرت حتى آتت أكلها ، وحان الآن موعد قطاف ثمرها ، في ربيع طال أمده لتوفير البيئة المناسبة لهذا الحصاد .
ولقد كانت سقطة الحبش مريعة إلى حدّ كبير ، عندما اشترط على قارئه أن يتخلّى عن عقله قبل الولوج إلى عالم كتابه الرحب ، وأجوائه الإيمانية ، تلك الفكرة التي لم يستطع أن يتخلّى عنها رغم مهاجمته وانتقاده لها ، وهي فكرة ( يجب أن يكون المريد بين يدي شيخه كالميّت بين يدي الغاسل ) و ( لا تعترض فتنطرد ) وباللاشعور هنا هو يفرضها على قارئ كتابه كما فرضت عليه قبلاّ ، وذلك كشرط مسبق من أجل فهم كتابه ، وذلك قوله في مقدمة الكتاب ( فإذا كنت ترى أن النصوص لا تحتمل إلّا تأويلاً واحداً ، وأن القرآن الكريم ليس فيه منسوخ ولا متشابه ، وأن النص الديني / ويقصد الحبش هنا بالنص الديني آيات القرآن الكريم / ليس ( حمّال أوجه ) فلن تفيدك هذه القراءة في شيء .
وأنا أسأل هنا أخي الدكتور محمد حبش : دعك من التأويل والمنسوخ والمتشابه ، واشرح لي كيف يمكنك أن تلزمني أو تشترط عليّ أن أؤمن بأن آيات القرآن الكريم ، أو كلام الله عز وجل ، هو كما تدّعي ( حمّال أوجه ) ولا يشفع لك أن تسند هذا القول لقائله أياً كان ، ولا أن تأتي برقم الصفحة ورقم الجزء ، ولا حتى باسم دار النشر ؟ لأن ذلك ما يبرّر به ( حاطب ليل ) ماينقله من الغير بلا إدراك ولا تمحيص ولا فهم لأبعاد ماينقل ؟
وهل لك دكتور محمد أن تساعدني على معرفة ماهي الأوجه التي أستطيع أن أحمّل عليها كلام الله سبحانه وتعالى في قوله :
( ذلك الكتاب لا ريب فيه )
( كتاب أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيم خبير )
( إنّه لقول فصل وما هو بالهزل )
( وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إلّا ذكر للعالمين )
( كلّا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )
( كذلك حقّت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون )
هل لك أن تساعدني أو ترشدني إلى طريقة أصرف بها معاني كلمات الله عز وجل عن ظاهرها إلى معان أخرى تنسجم مع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والنصوص الملحقة ؟
فماذا أفعل بالكتاب الذي ( أحكمت آياته ثمّ فصّلت ) وما هي الأوجه التي يمكن لي أن أحمّلها لهذه الكلمات ، لكي أصرفها وأطوّعها إلى معنى يتوافق مع مصالحي الشخصية ، بشكل أكون فيه ممتثلاً لأمر ربي ، طامعاً بدخول جنته التي لايستطيع أن يحتكرها أحد ؟
وكيف أفهم بناء على ذلك معنى قوله تعالى ( إنه لقول فصل وما هو بالهزل ) وكيف أفسرها على قاعدة ( حمّال أوجه ) هل من الممكن أن أقول ربما المقصود بذلك الفصل الأول أو الثاني أو الثالث أو …..من فصول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ؟ هل هناك فصل معين ، أم من الممكن لي أن أحمّلها على مايروق لي من الفصول ؟
لماذا قيّدتني يا أخي محمد بهذا القيد ؟ الذي أحرجني بفهم كتاب الله عز وجل ؟ وكتابك بنفس الوقت ؟ فإذا أنا لم أحمل كلام الله سبحانه وتعالى على قاعدة ( حمّال أوجه ) فلم أستفد من قراءة كتابك في شيء ، وأنا أحاول أن أقرأ كتابك لأفيد وأستفيد ، ولكن هذه العثرة كانت عائقاً أمامي عن الفهم والإفهام والإستفهام ؟ فإمّا أن :
١- أحرّف كلام الله وأُخرجه عن مقاصده وأُطوّعه لما يلبي مآربي الشخصية ، لكي أفه كتابك .
٢- أو ألتزم بكلام الله عز وجل ، وبذلك أكون قدّ فوّت على نفسي فرصة الإفادة والإستفادة من كتابك .
ثم يتطرّق الحبش إلى نصوص الدين والتي هي ( آيات القرآن الكريم ) في محاولة منه لتأصيل تلك الأحكام والحدود ، بين مفهوم داعش والعوام وبين مفهوم الفقهاء فيقول :
١- ( ذهب – عموم الناس من غير المتخصّصين – إلى إنكار هذه الأدلة ، واعتبروها تشويهاً متعمداً للدين)
٢- ( ذهب – الفقهاء ورجال الدين – الذين ناقشوا هذه الأدلة ثبوتاً ودلالة وفق أصول الفقه الاسلامي ، وأكّدوا على أنها لون من ألوان الجهاد الصحيح ، ولون من حكم الله في الأرض )
ثم يعود ليقرر ماهي الجرائم المستحقة للحدود وهي : السرقة ، الزنى ، الحرابة .
ويؤكد على أن دراسته لا تستهدف تغيير حكم الله في تغيير ( تحريم ) الجرائم ، ولكنه يتحدث فقط عن ( تطبيق العقوبة التي فرضها الله عز وجل على هذه الجريمة ، وعن إمكانية استبدالها بعقوبة أخرى ) ويستشهد على مشروعه بإلغاء حد العقوبة التي فرضها الله واستبدالها بعقوبة تتناسب وكرامة السارق أو قاطع الطريق ؟ بما ذهب اليه الخوارج ، ويسوّق الأدلّة التي استدل بها الخوارج على عدم شرعية الحدود والعقوبات المذكورة في القرآن الكريم ، وذلك في قوله ( ومع أن القول بالرجم هو ظاهر الفتوى على المذاهب الأربعة ، والمذهب الزيدي والجعفري الشيعيين……. أنكر الخوارج والمعتزلة وعلى رأسهم النظام ، هذا الحكم الشرعي بالكلية )
ثم يعلق على ذلك بقوله ( ولعلّ قائلاً يقول إن الخوارج بغاة وقاتلهم علي رضي الله عنه )
فلو جارينا الحبش بما ذهب اليه من طروحات في استبدال عقوبة السارق بالحبس ، فسوف يترتب على ذلك :
– تشتيت أسرة بكاملها وضياع أفرادها .
– ستشق الزوجة طريقها لتأمين لقمة عيشها ، إلى أن تصل لمحطة تأمين لذائذ عيشها .
– ستتولى الأزقة والطرقات والأقبية تربية الأطفال الذين فقدوا بوصلتهم .
– هناك الكثير من فاعلين الخير لتلقي مثل هؤلاء الاطفال ، وتوظيفهم في تنمية الموارد السياحية .
– سيدخل السارق الى السجن هاوياً ، وسيخرج منه محترفاً .
– سيتقن السجين في سجنه كل أنواع الموبقات والتي ستكون مهنته لاحقاً .
– سيعيش هذا السارق عالة على بقية أفراد المجتمع بما يحتاجه من لباس وطعام وغيره .
وذلك يعني تدمير خلية من الخلايا التي يتكوّن منها المجتمع ، وسيكون دمار هذه الخلية سبباً في دمار بقية الخلايا ، وسيحدث ذلك خللاً في المجتمع الذي يقوم أساساً على الأسرة ، وفساد الاسرة يعني فساد وإفساد ودمار المجتمع .
وبناء على ذلك سينهار المجتمع ، وستنهار معه كل منظومة القيم إن بقي منها شيء ؟
– هل نضحي بفرد لإنقاذ مجتمع ؟
– أم نضحي بمجتمع لإنقاذ كرامة سارق ؟


About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.