طلال عبدالله الخوري 15\6\2017 © مفكر حر
نقلت وكالة “ار تي ” الإعلامية الحكومية الروسية, اليوم الخميس, جلسة أسئلة وأجوبة بين الرئيس فلاديمير بوتين، والمواطنين الروس (يحاول بوتين ان يظهر نفسه كديمقراطي, ولكننا نعرف خدع المخابرات الروسية وهي مماثلة لديمقراطية المخابرات السورية ) قال بوتين فيها:” إن مهمتنا على المدى القريب تكمن في زيادة قدرات الجيش السوري القتالية، لكي نتمكن بعد ذلك من الانسحاب بهدوء إلى قاعدتينا العسكريتين في حميميم وطرطوس, ولنتيح للقوات السورية فرصة العمل بفعالية وتحقيق أهدافها المرجوة … إن الخبرة التي اكتسبتها القوات المسلحة الروسية في ظروف القتال بالخارج، واستخدامها لأحدث أنواع الاسلحة الروسية، لا تقدر بثمن, … وأن التدخل العسكري الروسي في سوريا جاء بمنفعة كبيرة بالنسبة لقطاع التصنيع العسكري في روسيا، إذ سمح باختبار أحدث أنواع الأسلحة وتصحيح العيوب وزيادة جودة تلك الأسلحة الروسية … إن موسكو لا تعتبر الولايات المتحدة عدوا لها، ولكن لن نسمح بحل الأزمة السورية بدون تعاون روسي أمريكي بناء … هناك الأزمة السورية وقضية الشرق الأوسط. ولقد اتضح للجميع أننا لن ننجح في شيء بدون تعاون مشترك بناء (يقصد بين روسيا واميركا) … أن الطيران الروسي سيواصل مساعدة جيش النظام السوري عندما تقتضي الضرورة بعد تعزيز قدراته”. انتهى الإقتباس.
من قراءتنا لسطور بوتين وما بينها وفوقها وتحتها, نلاحظ بأن مطامع بوتين في سوريا لم تتغير ابداً منذ عهد الاتحاد السوفياتي وهي تتلخص بالتالي:
أولاً: امتلاك اوراق تفاوضية مع أميركا والغرب, من خلال تهديده الصريح بتعطيل اي حل في سوريا او في قضايا الشرق الاوسط بدون مشاركته والأخذ بمصالحه بعين الاعتبار, وهو لم يسمي كلامه تهديد, وإنما اختار له تسمية دبلوماسية وهو ” التعاون البناء بين أمريكا وروسيا على الحل “, أي بكلام آخر فإن خطة بوتين هي تقوية جيش المجرم بشار الاسد لكي يفرض نفسه كشريك بالحل, ويكسب أوراق تفاوضية لكي يناور بها في ملفاته الأخرى مع الغرب, مثل احتلاله لشبة جزيرة القرم الاوكرانية والمقاطعة الاقتصادية لبلاده, وتدخله بالانتخابات الرئاسية الاميركية ..
من المعروف بالقانون الدولي ان لا تتدخل القواعد العسكرية الأجنبية بالصراعات الداخلية للبلد المقامة على أرضه, ولكننا نجد بأن القواعد العسكرية الروسية شاركت بكامل قوتها مع النظام بحربه ضد الشعب السوري الذي عانى من استبداد عائلة الاسد الاجرامية لمدة 47 عاما, وهذا التدخل يجب أن يرفضه كل وطني سوري حر.
ثانياً: استخدام الشعب السوري كفئران تجارب لكي يتدرب به جيشه ويكتسب خبرات قتالية من جهة, ومن جهة أخرى لكي يجرب عليه أسلحته الجديدة المتطور مثل الطيران وأسلحة الدمار الشامل مثل غاز السارين الذي جربه في الغوطة الشرقية وخان شيخون في إدلب, وقد كنا قد أشبعنا هذين الموضوعين بحثاً في مقالنا: ما معنى ان يقول بوتين بأن سوريا ارخص ساحة لتجريب اسلحتنا وتدريب قواتنا
الأن ننتقل إلى مناقشة الحل الأميركي وكيف أنه سيصطدم مع المطامع الروسية في سوريا لا محالة.
من الواضح بأن سياسة ترامب الأميركية في سوريا قد تبلورت واكتملت وأصبحت واضحة لا تخطئها عين باحث أكاديمي, لأنها تعتمد ببساطة على علم السياسة والاقتصاد, وكنا قد تنبأنا بها بمقالات سابقة, وسنعيد بلورتها هنا: حيث أنها تعتمد بشكل أساسي على رغبات الناس في كل منطقة من مناطق سوريا والعمل على تحقيق رغبات الناس في العيش بمناطقهم بشكل آمن يحققون التنمية بها, ويبنون المدارس والمستشفيات والطرقات ويخلقون فرص عمل لكي يتمكن الشباب من الزواج وتربية أبنائهم بعيش كريم,.. على سبيل المثال المناطق الكردية العربية في شمال شرق سورية, اجتمعت أميركا مع زعماء المنطقة هناك, واكدوا لها بأهدافهم هذه, لذلك هي تساعدهم على تنمية قدراتهم الدفاعية مثل القوى الكردية والعربية والقوات الخاصة بقيادة “أحمد الجربا” رئيس الائتلاف السابق, وتساعدهم على طرد داعش من مناطقهم لكي يتمكنوا من إدارة مناطقهم والعيش بسلام وامان يسمح لهم بالتنمية بها,.. وهذا ما سيحصل أيضا بالمناطق الجنوبية في درعا والسويداء حتى الجولان والحدود الاردنية والاسرائيلية… اما المناطق الشرقية المحاذية مع الحدود العراقية فسيتم تحييدها, ومنع النظام وروسيا وايران من الوصول اليها وربطها مع ايران من خلال العراق, لانها ستشكل تهديدا للمناطق السورية الآمنة التي ترعاها أميركا وحلفائها في الشمال الشرقي والجنوب كما ذكرنا حيث توجد القواعد الأميركية والبريطانية, وهذه المناطق يمكن ان تشهد مواجهة عسكرية مباشرة بين اميركا وحلفائها من جهة وروسيا وايران والنظام السوري وحزب الله من جهة أخرى… ونحن لا ندر كم لديهم من الحماقة لكي يتجرأوا على مواجهة اميركا هناك, لاننا نتوقع بأنها ستكون مقبرة لروسيا والنظام السوري وإيران معاً بكل ما للكلمة من معنى, وال 59 توماهوك من “ابو ايفانكا” يشهد على ذلك.
اما منطقة ادلب حيث تنظيم جبهة النصرة فرع القاعدة السورية فلن تقترب منه اميركا, وتركتها تحت اشراف تركيا والإخوان المسلمين, وهذا الحل يناسب اميركا, طالما أن الناس هناك على الارض راضين به. … ونفس الكلام ينطبق على المناطق الداخلية والساحلية حيث تتمركز قوات الشبيحة الاسدية, فهي تحت اشراف روسيا والنظام وايران وهذا ايضا يناسب اميركا طالما ان الناس على الارض هناك راضين بهذا… طبعا اذا تأكدت أمريكا بأن الناس هناك لا يريدون هذا الواقع, فهي مستعدة ايضا لمساعدتهم, ولديها الوسائل لهذا, ولكن يجب ان تتأكد اولاً من ان الناس هناك فعلا يريدون التغيير… وحتما سيسعون للتغيير عندما يرون ان المناطق المجاورة التي تشرف عليها أمريكا تتطور وتزدهر ومناطقهم تتأخر تحت نير العبودية والاستبداد.
من هنا نرى ان الفرق بين اميركا وروسيا, هو ان اميركا تريد تقوية سلطة الشعب لكي يختار من يحكمه بنفسه ويدير شؤونه بنفسه, بينما بوتين يريد تقوية جيش الأسد ومخابراته لكي يفرض سلطته على الناس, ولكي ينتزع بالنهاية أوراق تفاوضية في ملفاته العالقة الأخرى .