قراءة في المناورات العسكرية المشتركة برعاية قاءاني في #سوريا
يشرف إسماعيل قاءاني قائد قوة القدس الإرهابية المنضوية تحت مظلة قوات حرس نظام الملالي على مناورات عسكرية مشتركة لمواجهة التحديات العسكرية والأمنية في سوريا بحسب التصريحات، والتقى قاءاني في سوريا عدداً من المسؤولين الرسميين والعسكريين والسياسيين والشخصيات فضلاً عن قيامه بتفقد عدد من مناطق العمليات، وتدارس المناطق والمحاور السورية الحساسة في إطار المواجهة المشتركة للتحديات والانفلات العسكري والأمني في سوري ، وقال قائد قوة القدس الإرهابية في تصريحات صحفية خلال الزيارة إن أمريكا تعد المصدر الرئيسي للفساد والفوضى والإرهاب والنزاع في سوريا والمنطقة والعالم، مشيراً إلى أن “سوريا وإيران بلدان شقيقان ويتمتعان بعلاقات استراتيجية متميزة وشاملة وعميقة، وأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستقف إلى جانب الشعب السوري وقيادته في مواجهة التحديات” ولم يكتف قاءاني بذلك، بل أشار إلى أن “وجودهم في سوريا كان في المجال الاستشاري، والجيش السوري اليوم بحاجة إلى إعادة تأهيل، والقوات المسلحة الإيرانية على استعداد من منطلق أنها تتمتع بتجربة 8 سنوات فيما أسماه بـ الدفاع المقدس وتأهيل القوات المسلحة لمساعدة الجيش السوري في مجالات الصيانة والتدريب والتجهيز” وأشاد قاءاني بـ”العلاقات الأخوية” بين سوريا وإيران مؤكدا أن إيران “ستقف إلى جانب الشعب السوري وقيادته في مواجهة التحديات” وبالمناورات المشتركة التي تخرج عن الإطار الإستشاري يعزز قائد فيلق القدس النفوذ الإيراني في سوريا ويعترف في الوقت ذاته ضمنياً بحجم التواجد العسكري الضخم لحرس الملالي في سوريا بما يسمح لها بإجراء مناورات مع جيش بقايا الدولة السورية.
والجدير بالذكر أن هذه الزيارة تأتي في خضم تشديد إسرائيل لهجماتها ضد المواقع الإيرانية على الأراضي السورية، وتتزامن مع تصاعد التوتر بين سلطات الإحتلال والفصائل الفلسطينية المدعومة من طهران، وتنتشر مليشيات ما يسمى بـ الحرس الثوري ومعسكرات الميليشيات الموالية لإيران في أنحاء عدة من سوريا وأبرزها لواء “فاطميون”، ولواء ”فاطميون“ هو لواء عسكري يتشكل أغلب أفراده من مرتزقة شيعة من الأفغان حيث يخضع لإشراف وتدريب قوات قوات حرس نظام الملالي؛ وذلك للمشاركة في معارك مسلحة في سوريا، بزعم الدفاع عن المراقد والأضرحة الشيعية، وتعرضت القوات الإيرانية الى هجمات بطائرات يعتقد أنها إسرائيلية أدت لسقوط عدد كبير من عناصر وضباط الحرس، ويشكل فيلق القدس الإرهابي ذراعا عسكرية لقوات حرس نظام الملالي خارج الحدود، وكانت الولايات المتحدة قد أدرجته على قائمتها لـ”المنظمات الإرهابية” في العام 2019 على الرغم من تأكيد نظام الملالي بأن أنشطته في الخارج تصب في سياق التعاون الإقليمي الهادف إلى تعزيز الاستقرار ومنع التدخل الغربي.
التصريحات تتنافى والحقائق
الحقيقة المؤكدة هي أن هذه التصريحات لا ترتبط بالحقائق من قريب أو من بعيد؛ نظراً لأن السبب الرئيسي في التواجد الإيراني في سوريا هو أن هناك أطماع وصراعات خفية لنظام الملالي يديرها من على الأراضي اللبنانية والعراقية واليمنية والسورية، وما يُشاع من خلاف بين الملالي والولايات المتحدة ما هو إلا ذر للرماد في العيون ويأتي الحديث عن المناورات العسكرية المشتركة في ظل تأكيدات عن إعادة انتشار أميركي في شرق سوريا المحاذي للعراق، وتتقاسم السيطرة على هذه المنطقة كل من الحكومة السورية والميليشيات الإيرانية من جهة، وما تسمى بـ قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي ضد داعش الذي تقوده الولايات المتحدة من جهة ثانية، وتحمل زيارة قائد قوة القدس الإرهابية إلى سوريا في هذا التوقيت رسالة من طهران وهي مدى اهتمام النظام الإيراني بالحفاظ على نفوذه العسكري في سوريا؛ لا سيما في ظل تطورات الساحة العسكرية التي تشهدها سوريا في المرحلة الراهنة؛ فضلاً عن أن هناك تقارير تفيد بأن قوة القدس الإرهابية تكبدت خسائر فادحة خلال الفترة الأخيرة في سوريا حيث إن عناصر كثيرة من قوات هذه القوة قد لقوا مصرعهم سواء في الاشتباكات مع معارضي الحكومة السورية أو في الهجمات الجوية التي تشنها إسرائيل من آن لآخر على سوريا والتي تستهدف مواقع إيرانية، فيما كان أبرز قتلى قادة الفيلق على الإطلاق القيادي أصغر باشبور الذي كان أحد أهم مساعدي قاسم سليماني.
وتجدر الإشارة إلى أنه يتم تشييع جثامين قادة ومقاتلين قُتلوا في المعارك بسوريا إلا أن المسؤولين الإيرانيين يتعمدون إخفاء أي معلومات متعلقة بالخسائر التي تتكبدها قوات قوة القدس الإرهابية في سوريا، وتتزامن زيارة قاءاني لسوريا مع تصاعد التحذيرات من تهديدات النظام الإيراني لا سيما عبر وكلاء طهران من الجماعات المسلحة الطائفية في المنطقة في إطار تسليط المجتمع الدولي الضوء بشكل أكبر مؤخراً على الأزمة في سوريا، والحقيقة هي أن النظام الإيراني يستغل الأزمة السورية لصالح مشروعه العسكري في المنطقة، وكذلك لإيجاد منفذ لأزماته الاقتصادية إذ حذر مراقبون من أن مشروعات طهران الاقتصادية في دمشق ستكون أدوات بيد قوات حرس نظام الملالي لتعزيز نفوذه في الشرق الأوسط.
المستجدات الأمنية والعسكرية في سوريا
مسلحون متطرفون في منطقة التنف يعدون مجموعات تخريبية ويخططون لزعزعة الوضع في سوريا، وهناك تأكيدات عن إعادة انتشار القوات الأمريكية في شرق سوريا المحاذي للعراق، ومن ناحية أخرى نجد أن تركيا تهدد بالتوغل في شمال سوريا، حيث يهدف أردوغان إلى بإنشاء “منطقة آمنة” بعمق 32 كيلومتر في شمال شرق سوريا رداً على التهديدات المتصورة من “وحدات حماية الشعب” و”وحدات حماية المرأة”، أكبر مكونين في قوات سوريا الديمقراطية، وتعتبر الحكومة التركية هاتين المجموعتين إرهابيتين ومرتبطتين بـ “حزب العمال الكردستاني” المسلح الذي تخوض تركيا معه نزاعاً على الأراضي التركية منذ عقود، وقد كانت التوغلات العسكرية التركية السابقة في شمال سوريا والتي تهدف أيضا إلى صد القوات التي يقودها الأكراد، وقد ساهم قيام روسيا بعد غزوها لأوكرانيا بسحب عدد من قواتها العسكرية العاملة في سوريا في انتشار حبوب الكبتاغون التي حوّلت سوريا إلى دولة مصنعاً ومرتعاً ومصدراً للمخدرات.
إن عملية تأجج المظاهرات في سوريا لا تستوجب إجراء مناورات مشتركة بين جمهورية الحرس وبقايا جمهورية الأسد في سوريا. والمناورات العسكرية المزعومة التي دفعت إسماعيل قاءاني لزيارة سوريا لا تهدف إلى استعراض القوة العسكرية لميليشيا النظام الإيراني في سوريا وتعزيزً قدرات القوات السورية، بل هي من أجل التخطيط لقمع المظاهرات الشعبية المتصاعدة في سوريا.
حجم التواجد العسكري النظامي لنظام الملالي في سوريا
لقد تدخل نظام الملالي الحاكم في إيران في الصراع السوري بوقت مبكر، ونشر بعض قواته النظامية هناك تحت ذريعة محاربة إرها ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية” لكن هذه القوات المشكّلة أساسا من مشاة المدفعية والمظليين لم تعد اليوم موجودة في سوريا! فمن هي أطراف هذه المناورات المشتركة؟ وهل هي مناورات دولة مع دولة أم هي مناورات لميليشيا مع دولة؟ لم يعد هدف إيران من الوجود في سوريا المشاركة بالمعارك وإنما الردع والنفوذ والهيمنة، وفي هذه الحالة لا تُرسل طهران جنود الجيش النظامي لتنفيذ أجندتها بل تعتمد بدلاً من ذلك على من تسميهم مجازاً “المستشارين العسكريين” الذين هم في واقع الأمر جزء من قوات حرس نظام الملالي، وبالتحديد قوة القدس الإرهابية المنضوية تحت مظلة هذه القوات والمختصة بتنفيذ العمليات الخارجية النوعية، وتتوزع عناصر هذه القوات في الوقت الحالي ما بين خبراء صواريخ بالستية، وخبراء قيادة واتصالات واستخبارات، فهم من يتحكمون في كل ما له علاقة بالقوة الرادعة، ويصل عددهم إلى حوالي 1000 عنصر، ولا أحد يستطيع تقديم أرقام دقيقة حول تعداد الوجود العسكري والأمني للملالي في سوريا ذلك لأن إيران تعتمد أيضاً على المليشيات الشيعية الموجودة في سوريا، وكذلك على حزب الله اللبناني”.
وتدرك إيران أنها لا يمكنها أن تحافظ على قوات لها في هذه المنطقة الواقعة على الحدود مع إسرائيل بشكل دائم، وبناءا عليه فإن هدف نظام الملالي على المستوى المتوسط هو البقاء في سوريا وقتاً كافياً لضمان إرساء نظام حكم مناسب لها لا تتضرر معه مصالحها في هذا البلد، أما على المستوى الإستراتيجي البعيد فإن الشغل الشاغل للملالي هو تأمين ممر بري يربط إيران بلبنان والبحر المتوسط لتصدير الغاز والنفط إلى أوروبا.
وبناءً عليه، فإن حجم التواجد العسكري النظامي لنظام الملالي في سوريا لا يسمح بإجراء مناورات عسكرية مشتركة، وعلى الجانب الأخر نجد أن حجم القدرات العسكرية المتدني للقوات المسلحة السورية التي هي قوات دولة ذات سيادة وتاريخ لا يسمح لها بإجراء مناورات مع ميليشيات مسلحة.
وبالتالي لن تسفر هذه المناورات عن إعادة الهيبة والسيادة المفقودة أمام الإنتهاكات المتتالية دون أدنى ردٍ حتى ولو كان رداً خجولاً، ولا ترمي هذه المناورات كالعادة إلا إلى قمع المدنيين السوريين العزل في ميادين التظاهر.
فماذا وراء زيارة إسماعيل قاءاني قائد قوة القدس الإرهابية إلى سوريا؟ ولماذا لا يوقف قاءاني تهريب السلاح والمخدرات من سوريا إلى الدول العربية، وخاصة الأردن طالما لديه هذا القدر من القوة على الأراضي السورية بما يسمح له بإجراء مناورات مع دولة؟
الحقيقة التي يجب أن نعرفها جميعا هي أنه لم تعد هناك دولة نظامية في سوريا ولم تعد هناك سيادة إذ بات بقاء النظام في سوريا مرهون بوجود عالم ميليشياوي، كذلك لا تتوفر الرغبة لدى النظام الإيراني في كف الأذى عن الدول والشعوب العربية، والدليل على ذلك هو استمرار حملات تهريب المخدرات والسلاح، وتهريب البشر، واختراق الحدود بعد عمليات التطبيع التي لا تزال قيد التجربة بين نظام الملالي وبعض الدول العربية!! فهل ينجح هذا التطبيع مع الوضع في الاعتبار أن النجاح مرهون بصدق النوايا وهو المبدأ الذي لا يؤمن به الملالي وفُطِموا على ذلك.
د. سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي