الموضوع :
وددت أن أبحث عن التسجيل المصور المتداول على وسائل التواصل الأجتماعي والمطروح أعلاميا ، قبل عدة أيام / منتصف ديسيمبر 2016 ، حول أب يوعد بأرسال طفلتيه بحزامين ناسفين (*1) ، من أجل تفجير نفسيهما في ساحة الميدان بدمشق / سوريا …
المقدمة :
أرى أن الموضوع ليس من السهل تناوله وطرقه ، لأنه يضم بين دفتيه تعقيدات متعددة ، من النواحي النفسية ، مؤشرات العقلية العقائدية وربطها بالموروث الأسلامي ، وأخيرا من ناحية الأرتباط الأبوي بأطفاله !! ، هذا من جانب ، ومن جانب أخر هناك تجاوز لخطوط كانت ليست من المعتاد تجاوزها من قبل الأرهابيين ، لأن الدعاة مثلا يحفزون على الجهاد دون أن يرسلوا أولادهم .. ومن جانب ثالث / وأراه الأهم ، يرتبط بمفهوم المحبة والقتل في العقلية الأسلامية .
القراءة :
1. سأطرق الموضوع من حيث أختتمت كما هو مطروح في المقدمة أعلاه ، والمتعلق بمفهومي القتل والمحبة في العقلية الأسلامية ، فلنسرد أولا تعريف القتل ، وبشكل مجرد بعيدا عن أي ناحية عقائدية ، ف ” القتل ” يعرف على أنه : ( عملية إنهاء حياة كائن حي بإرادة آخر ويمكن ان يستخدم في عملية القتل أدوات حادة أو قوية أو ثقيلة أو سلاح ناري أو مواد سامة . القتل كفعل لا يقتضي بالضرورة وجود صفة جريمة ، إذ يمكن ان تقع عملية قتل خطأ كما يمكن ان يكون فعل القتل مقصودا لمجرم أو سفاح أو غير ذلك . وهناك نوع آخر غير عمدي فالقتل العمدي هو الذي يقع بنية مرتكبه أما قتل الخطأ فهو الذي يقع عن غير قصد نية / نقل عن الويكيبيديا ) ، أما ” المحبة ” ، فأنها تفاعل رومانسي ، ترتبط بالشعور والأحساس الفياض ، وأرتأيت أن أستشهد بهذا المقطع الشعري المرهف / أستثناءا وبعيدا عن كل التعاريف ، لجبران خليل جبران 1883 – 1931 م ، شاعر لبنان والمهجر ، حيث أرى أن القصيدة أبلغ من أي تعريف للمحبة :
” إذا المحبة أومت اليكم ، فاتبعوها…
إذا ضمّتكم بجناحيها ، فأطيعوها…
إذا المحبة خاطبتكم ، فصدّقوها
المحبة… تضمكم الى قلبها كأغمار حِنطة…
المحبة… على بيادرها تدرسكم لتُظهر عُريكم
المحبة …تطحنكم فتجعلكم كالثلج انقياء
المحبة… لا تُعطي إلا ذاتها
المحبة …لا تأخذُ إلا من ذاتها
لا تملكُ المحبةُ شيئاً ، ولا تريد ان احدٌ يملكها
لأن المحبة مكتفية بالمحبة، بالمحبة …” 2 . أرى أن النص في الموروث الأسلامي ، أفرز حالة معقدة من العقلية لدى المسلم المطلع على هذا الموروث غير المتوازن ، حيث تتكون لديه / المسلم ، حالة نفسية معقدة يصعب تخطيها وتجاوزها ، هذا الوضع مع المسلم السوي !! ، فكيف الأمر والحال مع الجهاديين الذين فقدوا البصر والبصيرة ، فمثلا ، كيف التعاطي هؤلاء المغيبين فكريا مع سورة التوبة الأية 29 ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) ، أو الأية التالية ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين /57 سورة المائدة ) ، أن الفكر المتشكل للأسلاميين المنضوين بالتشكيلات الأرهابية سيكون ظلاميا عقيما ، لا يعرف منهجا أو طريقا للحياة سوى طريق القتل والموت . 3. ومن مقال للعالم النفسي المصري مصطفى صفوان / المقيم في فرنسا ، المنشور في موقع الجزيرة الألكتروني ” حول عقدة القتل عند سيجموند فرويد ” ، حيث دعا صفوان المشاهدين الذكور إلى ” ألا يغتروا بذكورتهم ويرحموا بناتهم ، وأن يحاولوا تكوين علاقة بين الجنسين أقرب للمساواة منها إلى علاقة الحاكم بالمحكوم ” ، فلو ربطنا جدليا ما حدث في تصرف الأب في الفديو المنشور في أعلاه وبين القول أعلاه للعالم صفوان لرأينا أن الأب يمارس دور الحاكم ، ولكن حاكما باغيا وجلادا بالوقت نفسه ، وأما الطفلتين هما ليست فقط محكومتين بل ضحيتان قبل أن يكون هناك حاكم ومحكوم وحكم .
4. وأذا تناولنا الأية التالية ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ 8 بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ 9 / سورة التكوير ) ، ونحلل الأمر ربطا بالحدث ، فنستنتج وضعية معينة للفعل المبين في الفديو المنشور والأية السابقة ، حيث أن المسلمين / ومنهم المجاهد الظاهر في الفديو ، رجعوا بأفعالهم بأسوأ ما كان يقومون به العرب بعصر الجاهلية قبل الأسلام في وأد البنات ، والذي المسلمين أتوا لتقويم هذه العادة كما يزعمون !! ، حيث أنهم لا يأدون بناتهم الأن بل يفجرونهم ، وأن تسبيب الحدث على أنه جهاد ، فهذا باطل ، وكل ما أقيم أو أسس على باطل فهو باطل ! .
5. أن التثقف ببعض من الموروث الأسلامي يولد نوعا من ” الفايروس ” ، يعمل على شل التفكير ويقتل الأحساس ويشتت التركيز ويحطم القواعد الأنسانية ويحفز على العنف لدى المتلقي ، والدلائل على هذا كثيرة منها ، حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة من قبل داعش وهو حي ، وهذا الأمر فعله أبو بكر الصديق ب ” الفجاءة ” (*2) قبل أكثر من 1400 عاما ، التمثيل بقوم من ” عكل وعرينة ” (*3) بأمر وتوجيه الرسول ، وهذا ما تقوم به المنظمات الأرهابية الأسلامية الان ، فكل ما يحدث الأن له مرجعيته بالموروث الأسلامي ، وهذا يشكل خطرا فكريا على الأنسانية .
6. ومن مؤشرات تفسير الذي عرض بالفيديو ، أراه كما يلي ، أن ” الفايروس ” الذي تحدثت / في أعلاه ، من الممكن أن يتحول الى ” سرطان ” ، وهنا لا يفيد أو ينفع به أي علاج ، لأن المعروض تجاوز كل الخطوط ، وهدم كل الأواصر الأبوية ، وحطم أواصر علاقة الرحم بين الأب وأولاده .. فأي تفسير أو تعليل يدفع الأب لأطفاله الى الموت ، وأي موت ، الموت بأبشع وأفظع طريقة ، أن الأب هنا ، أب بشخصية سادية أجرامية (*4) ، لأن فعله هو سحق للضحية بطريقة مروعة ، أرى .. أن الفاعل قد أنتهى نفسيا وعقليا ، وهو ميت أنسانيا ، وساقط أجتماعيا ، وأصبح عبدا لمكونات فكرية سيطرت على كل أفعاله الحياتية والمجتمعية ، فالأب ، كما يقال بالمصطلح الطبي ” ميت سريريا ” ولا ينقصه سوى رصاصة الرحمة .
7. الموروث الأسلامي بالمطلق يفتقر الى مفهوم المحبة ، ومعتمد في بنيته النصية على السيف / الموت والقتل ، وهذا مؤشر وواضح وجلي في النصوص ، الموروث الأسلامي ليس به مفهوما سلميا ولا أي قواعد للمساوات أو للعدالة المجتمعية ، موروث لا يقبل الأخر ، بل يلغيه ، ويركز أيضا على وصف غير المسلمين بالمشركين وبالكفرة وبالأنجاس ، وهذا ما نلحظه مثلا في سورة محمد الاية 35 ( فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) ، أو في سورة التوبة الأية 28 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ ) … فالموروث الأسلامي قد زرع في نفسية وعقلية المسلم الحقد والبغضاء والضغينة تجاه الأخر ، وكرس مفهوم القتل والعنف ، ولم تكن هناك أي مؤشرات للمحبة والتسامح والغفران ، ولهذا كان هناك خلافا وأختلافا وتناقضا عقائديا ، بين الأسلام والمسيحية ، وأعتقد أن موعظة الجبل للسيد المسيح تعطي صورة جلية لهذا الأمر – وهي ما أختتم به بحثي المختصر ” وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلَامِيذُه . فَعَلَّمَهُمْ قَائِلاً : ” طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ ، لِأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ . طُوبَى لِلْحَزَانَى ، لِأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ . طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ ، لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الْأَرْضَ . طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ ، لِأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ . طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ ، لِأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ . طُوبَى لِلْأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ ، لِأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللّهَ . طُوبَى لِصَانِعِي السَّلَامِ ، لِأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللّهِ يُدْعَوْنَ . طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِ ، لِأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ . طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ ، مِنْ أَجْلِي ، كَاذِبِينَ . اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا ، لِأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ “(أنجيل متى 5:1-12) / نقلت من موقع عقائد .
—————————————————————————————
(*1)
فيديو لأب يرسل ابنتيه لتفجير نفسيهما في ساحة الميدان بدمشق .
(*2) قصة الفجاءة : واسمه إياس بن عبد الله بن عبد ياليل بن عميرة بن خفاف من بني سليم ، قاله ابن اسحاق ، وقد كان الصديق حرق الفجاءة بالبقيع في المدينة ، وكان سببه أنه قدم عليه فزعم أنه أسلم ، وسأل منه أن يجهز معه جيشا يقاتل به أهل الردة ، فجهز معه جيشا ، فلما سار جعل لا يمر بمسلم ولا مرتد الا قتله وأخذ ماله ، فلما سمع الصديق بعث وراءه جيشا فرده ، فلما أمكنه بعث به إلى البقيع ، فجمعت يداه إلى قفاه وألقي في النار فحرقه وهو مقموط / نقل من kingoflinks.net/Mkhalfoon/1Abubaker/2Mkhlfat/8Fjaah.htm .
(*3) عن حديث عن البخاري ( 1 / 69 و 382 – 2 / 251 – 3 / 119 – 4 / 58 و 299 ) ومسلم ( 5 / 101 ) وأبوداود ( 4364 – 4368 ) والنسائي ( 1 / 57 – 2 / 166 ) والترمذي ( 1 / 16 – 2 / 3 ) وابن ماجه ( 2 / 861 و 2578 ) والطيالسي ( 2002 ) والإمام أحمد ( 3 / 107 و 163 و 170 و 233 و 290) من طرق كثيرة عن أنس بن مالك أن ناساً من عرينة قدموا على الرسول المدينة فاجتووها ، فقال لهم الرسول : إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا ، فصحّوا ، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام ، وساقوا ذود الرسول فبلغ ذلك النبي فبعث في أثرهم ، فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمَّل أعينهم ، وتركهم في الحرة حتى ماتوا . وهذا سياق الإمام مسلم / نقل بتصرف عن موقع الأسلام .
(*4) السادي الاجرامي / العدوانية : يعد هذا النوع من أكثر أنواع السادية وحشية . ويشبه هذا النوع الفرعي من
SPD
إلى حد ما السادية المتفجرة ولكنه أكثر منهجية في استخدام العنف والترويع ولا يفعل ذلك بسبب شعوره بالإحباط . وعلاوة على ذلك ، يختار الساديين من النوع المستبد ضحاياهم بعناية فائقة ومع ضمان ان من تم اختيارهم لن يقاوموهم ، وعموماً الساديين من هذا النوع يكون لديهم تدني في احترام الذات وانعدام الامن الذين يخفونه عن الاخرين من خلال سحق الاخرين الذين يشعرون بتفوقهم عليهم ./ نقل من الويكيبيديا .