المقدمة :
القصة متداولة في المراجع الأسلامية نصوصا وأحاديث وروايات ، وليس لي من أضافات في كل ما سرد من روايات وقصص حول هذا الموضوع ، وانا لست بمبتدع روايات مستجدة حولها !! ، ولكني سأدلو بدلوي في هذا الشأن ، شأني شأن أي محلل أو كاتب أو مطلع أو قارئ أو باحث / سمني ما شئت !! ، وأن ذكرت بعضا من احداث القصة / الموضوع ، فأنما وروده سرد من أجل أكتمال حيثيات القصة ، وما يهمني هو قراءتي الحداثوية للقصة .
النص : أولا – في أول الأمر ، وكتمهيد للقراءة الحداثوية للموضوع ، لا بد لنا أن نوضح أن زينب بنت جحش ، هي أبنة عمة الرسول ( ولدت زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة قبل الهجرة النبوية بـ 33 سنة ، وقد كان اسمها بَرَّة ، فسماها النبي زينب ، وتُكنّى بأم الحكم . أبوها جحش بن رئاب الأسدي كان حليفًا لسيد قريش عبد المطلب بن هاشم ، ويبدو أنه لم يدرك الإسلام ، أما أم زينب فهي أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي محمد ، ولا تذكر المصادر أن أمها أسلمت ، ولزينب من الإخوة عبدالله الذي كان من المسلمين الأوائل ، وقتل يوم أحد ، وعبيد الله الذي هاجر مع زوجته أم حبيبة إلى الحبشة في هجرة المسلمين الأولى ، ثم ارتد عن الإسلام واعتنق المسيحية وبقي بالحبشة ، وأبي أحمد أحد السابقين في الإسلام .. / نقل بتصرف من الويكيبيديا ) ، وكانت زينب متزوجة من الصحابي زيد بن حارثة ، أبن الرسول محمد بالتبني ( .. كان زيد بن حارثة في أول أمر الإسلام ابناً للنبي محمد بالتبنِّي ، وكان يُدعى ” زيد بن محمد ” ، وقد زوَّجه النبي ابنة عمته ” زينب بنت جحش ” ، فلمَّا أبطل الله تعالى التبنِّي نُسب زيدٌ لأبيه حارثة ، ودعي بعد ذلك ب ” زيد بن حارثة ..” / نقل من موقع الأسلام سؤال وجواب ) . ثانيا – طلق زيد زينب وتزوجها الرسول بعده / لمعرفة زيد أن الرسول وقع في هواها ، وذلك لغاية محددة مشخصة وهي ألغاء عادة التبني ، التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي وأستمرت العادة بعد الدعوة المحمدية أيضا ، وهذا ما يدعيه ويؤكده جمهور وفقهاء المسلمين والمراجع الأسلامية !! وهذا الأمر مطروح في الكثير من النصوص التي تملأ المراجع والكتب والتفاسير ، لا أرى من داع لتكرار ذكرها ، ثالثا – المهم في هذا الموضوع هو طرح الفكر الحداثوي لهذه ” القصة ” ، مسردا كقراءة بعد مضي أكثر من 14 قرنا على وقوعها !! ، وهذا الذي سأتناوله في الأتي .
القراءة :
1- أرى أولا ان ميل الرسول لزينب كان نتيجة لواقعة معينة وهي واقعة أنسانية بشرية شعورية حسية عاطفية ، ولا أرى من تضخيم وتفعيل للأمر من أن زينب كانت للرسول من قبل ، والأمر مثبت في اللوح المحفوظ ، والذي ورد ذكره في كثير من المواقع منها / الأسلام سؤال وجواب (( إن الله يعلم أن زواج زيد بزينب لن يستمر إلا سنة واحدة ثم يتزوجها الرسول محمد ، وما قاله القرطبي رحمه الله :قال ابن العربي : فإن قيل : لأي معنى قال له أمسك عليك زوجك ، وقد أخبره الله أنها زوجُه ؟ )) ، وغير هذا الكثير من الروايات والقصص والاحاديث ، أنا شخصيا لا أميل لها ، ولكني أميل الى الأحساس والشعور والرغبة الذي وقع لدى الرسول تجاه زينب ، عندما شاهدها وهي في ” وضع خاص ” أختلفت الروايات فيه ، وما يؤكد ذلك الروايات التالية ، وهذا بعضا منها / نقلت بتصرف من موقع حراس العقيدة (( وفي رواية ذكرها ابن جرير في تفسيره قال : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان النبي قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش بنت عمته ، فخرج رسول الله يوماً يريده وعلى الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر فانكشفت و هي في حجرتها حاسرة ، فوقع إعجابها في قلب النبي ، فلما وقع ذلك كرهت الآخر- تفسير الطبري 22 / 13 .. وفي رواية أخرى ذكرها القرطبي في تفسيره قال مقاتل : زوّج النبي زينب بنت جحش من زيد فمكثت عنده حيناً ، ثم إنه أتى زيداً يوماً يطلبه ، فأبصر زينب قائمة ، و كانت بيضاء جميلة جسيمة منأتمّ نساء قريش ، فهويها وقال : سبحان الله مقلب القلوب ، فسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ، ففطن زيد فقال : يا رسول الله ائذن لي في طلاقها ، فإن فيها كبراً ، تعظم عليّ و تؤذيني بلسانها ، فقال : أمسك عليك زوجك واتق الله ، و قيل : إن الله بعث ريحاً فرفعت الستر و زينب مُتَفَضَّله في منزلها ، فرأى زينب فوقعت في نفسه ، وقع في نفس زينب أنه وقعت في نفس النبي وذلك لما جاء يطلب زيداً ، فجاء زيد فأخبرته بذلك ، فوقع في نفس زيد أن يطلقها – تفسير القرطبي 14/190 .. رواية ثانية عند القرطبي ، قال ابن عباس : وتخفي في نفسك : الحب لها وتخشى الناس أي تستحييهم وقيل : تخاف وتكره لائمة المسلمين لو قلت طلقها ، ويقولون أمر رجلا بطلاق أمرأته ثم نكحها حين طلقها – تفسير القرطبي ج 41 ص 190 .. وفي رواية أخرى : قال ابن إسحاق : مرض زيد بن حارثة فذهب إليه رسول الله يعوده و زينب ابنة جحش امرأته جالسة عن رأس زيد ، فقامت زينب لبعض شأنها ، فنظر إليها رسول الله وسلم ثم طأطأ رأسه ، فقال : سبحان مقلب القلوب والأبصار ، فقال زيد : أطلقها لك يا رسول الله ، فقال : لا ، فأنزل الله عز وجل ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه) …إلى قوله { وكان أمر الله مفعولاً } . تعدد نساء الأنبياء و مكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام ، اللواء أحمد عبد الوهاب – ص 68 .. )) ، 2- وتأسيسا على ما سبق وبما أن الرسول كان بشرا عاديا ، ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ، / 110 سورة الكهف ) ، وكذلك ما جاء في الحديث التالي الذي نصه كما يلي : ( حدثنا عثمان قال حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال صلى النبي قال إبراهيم لا أدري زاد أو نقص فلما سلم قيل له يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء قال وما ذاك قالوا صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم فلما أقبل علينا بوجهه قال إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين / نقل من موقع المكتبة الأسلامية ) ، هذا الأمر يشير الى أن الرسول بشرا عاديا مثلنا يهوى ، حاله حال البشر ، وما حدث مع زينب كان نتيجة لأن الرسول كان بشرا عاديا يهوى كأي فرد عاد !! 3- ولكن الغريب في الأمر قصة دخوله على زينب !! وأن الله هو الذي زوجه أياها ، وكان الله هو ولي أمرها ، وأرى أن هذا الأمر به مبالغة ربانية ألهية ، فكيف لله الواحد أن يقوم بألغاء التبني ( بنوة الرسول لزيد ) وبأعمال التطليق ( طلاق زينب من زيد ) وأن يقوم بأمور التزويج ( زواج الرسول من زينب ) وأن يكون ( وكيلها ) ، هذه أمور بشرية عرفية دنيوية !! وليس من أمور الخالق !! ففي موقع الدرر السنية / نقل بتصرف (( .. أن الله هو الذي تولى تزويجها : وهذا ثابت في قوله تعالى: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا / الأحزاب: 37 ، فهذه الآية تدل على أن الذي زوج النبي بزينب هو الله . وترتب على هذا الفضيلة : أنه لم يحصل في زواج زينب شيء مما هو معتبر في النكاح من ولي وصداق وشهود . قال ابن القيم : ( ومن خصائص زينب أن الله كان هو وليها الذي زوجها لرسوله من فوق سماواته ) ، قال الشوكاني : ( دخل النبي على زينب بغير إذن ولا عقد ولا تقدير صداق ولا شيء مما هو معتبر في حق النكاح في حق أمته ) ونزل القرآن وجاء الرسول ودخل عليها بغير إذن . ولهذه الفضيلة كانت زينب تفتخر على نساء النبي وتقول : زوجكن أهليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات .وفي رواية : إن الله أنكحني في السماء .. )) 4- هذا الأمر الذي جعل عائشة أن تلمح للرسول ، أن الله بمعنى .. يلبي لك ما تهوى وما ترغب !! ، وقد جاء في موقع مركز الفتوى (( .. فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما أن عائشة قالت : كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن للرسول ، وأقول : وتهب المرأة نفسها ! فلما أنزل الله : تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ / الأحزاب:51 ، قالت : قلت : والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك . واللفظ لمسلم. فهذا هو سبب قول عائشة لزواجه من زينب . ومعنى قول عائشة ذلك : أن الله يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور ، ولهذا خيره ويسارع في هواه أي رضاه ، كما قال ابن حجر.. )) ، 5 – ورجوعا لدور الله في التطليق والخطبة والتزويج و.. ، التي ذكرت في أعلاه ، فلم يرد من أسماء الله الحسنى (( .. أسماء الله الحسنى التسعة و تسعين اكتسبت اسمها من الآية 180 في سورة الأعراف حيث يقول الله عز و جل في القرآن الكريم : ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَاَ ) ، و في أحد الأحاديث ورد أن لله 99 اسم و أن الذي يحفظها يدخل الجنة / نقل بتصرف من موقع
www.eslam.de/arab ))
.. من أسم يفيد أن الله هو : ” المزوج ” و ” المطلق ” و ” الخاطب ” .. / أذا صحت الألفاظ لغويا !! . 6 – الملاحظ أيضا أن كل فعل أو حدث للرسول يقابله رد فعل من الله ، ورد الفعل هذا يتمثل بوحي يحمل أية للرسول وفق الحدث أو الواقعة أو مواز للفعل ! . 7 – كأن القرأن في الكثير من نصوصه نزل بشؤون وأمور شخصية عائلية للرسول من تطليق وزواج ، وكذلك كما في تبرئة عائشة / حادثة الأفك ، سورة النور ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيم .. ) .
الخاتمة :
ختاما ، وأضافة لكل مما سبق سرده وبيانه وقوله من القراءة الحداثوية للقصة ، ساهم الدعاة ورجال الأسلام ، من جانب أخر ، في التهويل المفرط في تضخيم القصة ، على أنها فعل رباني آلهي ، وهذا ما بينه مثلا الداعية المصري المتولي الشعراوي ، بكلمات مبتذلة وأسلوب يستهزأ به بعقول البسطاء من عامة الشعب المغيب فكريا ودينيا ، وذلك في تسجيل له على الفيديو بعنوان ” الرياضة الإيمانية في قصة زينب ومحمد ” من الممكن مشاهدته على
YOU TUB
.. أرى أن الأمر عامة فاق القابلية العقلية في طرح سيل من الغيبيات واللامعقول والتجني على مقام الله في تكييف أمر زواج الرسول بزينب ، كان من المنطق أن تكون الواقعة عادية ، على أساس أن الرسول وقع في هوى زينب وانتهى الأمر ، دون الدخول في اللامنطق من وعود الله بتطليقها ومن ثم بتزويجها للرسول .. من أجل القضاء على عادة التبني !! ، وهل إلغاء التبني كان يحتاج بالضرورة إلي زواج الرسول من زوجة ابنه بالتبني ؟ ألا يكفي أن يأتي الوحي بنص قرآني من الله يحرّم فيه التبني دون الحاجة إلي تزويج الرسول بزينب بنت جحش للرسول !! .