الجزء الأول: قراءة تاريخية في بنية نظام عائلة الأسد، وديناميات تكوينه (1)
رعد أطلي.
إن المتابع للطروحات المقترحة للحل السياسي في سوريا اليوم، عبر المؤتمرات والاجتماعات، والصادرة عن مختلف القوى المحلية والدولية، يراها تصب في إطار تسوية سلمية ناتجة عن عملية تفاوضية مع نظام الأسد، تجنب سوريا “المزيد” من الدماء، من أجل الانتقال لنظام حكم ديمقراطي في البلاد، ولكن هل فعلا يمكن أن يكون هناك هكذا نوع من الحلول، أي إتمام عملية الانتقال الديمقراطي من خلال العملية التفاوضية بين نظام الأسد والمعارضة؟ هل يستطيع النظام التخلي عن بشار الأسد، وهل يستطيع بشار الأسد في حال قبلت به المعارضة، التخلي عن بعض رموز نظامه.
لنصل إلى إجابةٍ ما علينا فهم بنية النظام السوري وشكل العلاقات فيما بين عناصره، يحاول موقع “فوكس حلب” من خلال هذا الملف، عرض قراءة تاريخية لكيفية تشكل النظام والبنى التي اعتمد عليها في تحديد أسسه، ومن ثم ملامحه وسياسيات عمله وبقائه، وإن كان من المجدي أن تصل أي عملية تفاوضية معه إلى حل سياسي معقول ومتوازن، أو بالأحرى إن كانت بنيته وعلاقاته البينية تسمح بذلك، وسينقسم الملف إلى أربعة أجزاء يتم عرضها في الموقع خلال شهر، ثم سنضع بين أيديكم الملف كاملاً على صيفة “بي دي اف” لمن يرغب في الاحتفاظ به.
الطائفة المظلومة بين الانفصال عن الدولة أو الاندماج في المجتمع….
ارتكز نظام الأسد في أساس بنيته على الحزب والطائفة، حيث كان الحزب، الجهاز الترويضيّ لتفريخ موارد بشرية استخدمها الأسد في الجهاز البيروقراطي للدولة، بينما كانت الطائفة هي آلته المنتجة للموارد البشرية، التي مهمتها الرئيسية حماية سلطته وضمان استمراريتها، وقد تتداخل مهام الجسمين معاً، ولكن يبقى هذا الخط العام لمهمة كل جسم في بنية نظام الأسد.
عانى العلويون في فترة حكم الدولة العثمانية السنية اضطهاداً وفقراً مضاعفاً كغيرهم من الأقليات، ولم يعرفوا من موظفي الدولة العثمانية، سوى جابي الضرائب أو عناصر الجيش، الذين لم يأتوا يوماً إليهم إلا لقمعهم وإذلالهم، ولم يعدّهم علماء المذهب الرسمي للدولة السنة لا هم ولا غيرهم من الدروز والاسماعيلية من الإسلام في شيء، فكانت فتاوى قتلهم مذكورة في العديد من الكتب على أنهم مرتدون عن الإسلام، ولم يكن هنالك أي تواصل بين أبناء الجبل وسكان المدن التابعة لها مناطق سكنى العلويين، كاللاذقية وجبلة التي كان معظم سكانها من السنة والمسيحيين، بل لم يكن أحد من العلويين يتجرأ على النزول إلى المدينة، ولا أحد من أهل المدينة الصعود إلى الجبل، رغم أنهم عملوا في الأراضي الزراعية لدى الملاك السنة، وتم استغلالهم كما كان يجري استغلال الفقراء في مختلف مناطق سوريا، وجرت الأقاويل العديدة عنهم بأنهم يبيعون بناتهم ويشربون الخمور، لنزع أي قيمة أخلاقية عنهم، وفي المقابل لم يذكر أحد دناءة المالك الذي استغل دائماً فقر الفلاحين، وأخذ منهم كل ما يملكون ليمكنهم من العيش، سواء في مناطق جبال العلويين أو في حوران وجبل العرب، أو في ريف حلب أو المناطق الشرقية.
لم ينظر العلويون إلى حالة الضنك تلك على أنها نتاج نظام إدارة سيء ومتحيز للدولة العثمانية وشره الملاك، بقدر ما هي نتاج للفارق الطائفي بينهم وبين جيرانهم السنة، وزادت من هذه النظرة العزلة التي عاشوها والتي أدت لضعف درايتهم الشديد بأن كل المناطق الريفية الأخرى في سوريا كانت تعاني مما يعانونه، إلا أن ذلك لا يلغي تواجد شعور لدى الملاك بأن الفرق بينهم وبين تلك الجماعة لم يكن طبقياً فحسب، بل على المستوى الديني أيضاً، مما زاد من تعنتهم وظلمهم لأبنائها، وبعد سقوط السلطنة ودخول الفرنسيين إلى سوريا، انطلقت إحدى الانتفاضات في وجه المحتل الجديد في مناطق الساحل السوري، وكان قائدها صالح العلي أحد الزعماء العلويين، وكانت هذه الثورة هي الاتصال الأول بين أبناء الطائفة العلوية في سوريا وأبناء الطائفة السنية، على اعتبار أنهم جماعة سورية واحدة، وتلقت انتفاضة صالح العلي دعماً مادياً ومعنوياً من حكومة دمشق، ونسقت مع ثورة ابراهيم هنانو في مناطق حلب، وقاتل في صفوفها ضباط سنة من العراق وفلسطين وباقي مناطق سوريا.
قسمت فرنسا سوريا فور احتلالها لخمس دول على أساس طائفي ومناطقي، وكانت دولة اللاذقية هي الدولة العلوية فيها، وفي عام 1922 أعلن الاتحاد السوري الذي ضم حلب ودمشق واللاذقية، وبعد انتخاب صبحي بركات الحلبي رئيسا للاتحاد، لم تتخل النزعة الأرستقراطية عن تعنتها، فسلم أهم المناصب في الاتحاد للدمشقيين والحلبيين، مما أدى إلى اعتراض الدولة العلوية على ذلك ومطالبتها بعودة استقلالها.
قد تكون ثورة صالح العلي مؤشراً قويا حفر في وجدان الطائفة العلوية، بأن القوة والسلاح هما الوحيدان الضامنان لشراكة ندية مع الجماعات الأخرى في سوريا وعلى رأسها الطائفة السنية.
ثورة صالح العلي ونشوء الدولة العلوية، خلقا تيارين متواجهين في صفوف الطائفة، أولهما يفضل الاستقلال عن سوريا، وثانيهما يرى في مناطقهم جزء من الدولة السورية، وفي ظل الاحتلال الفرنسي نشأ نمط جديد من الحياة السياسية في سوريا، رافقها بعض الامتيازات التي تحصل عليها العلويون في دولتهم المستقلة، فانتشرت ولو بمعدلات قليلة نسبة المتعلمين بينهم، وبات التجول في المدن أمراً في متناول اليد دون الشعور بذلك الخطر، وراح العلوي يتعرف على مجالات أرحب في إقليم يجمعه مع السنة يسمى سوريا، وأضيف إلى ذلك حدث قد يعتبر الأهم الذي ساهم في شعور العلويين بالانتماء مع شركائهم السنة للجماعة السورية والعربية، وهو اقتطاع لواء اسكندرون من سوريا وضمه إلى تركيا، الذي أثر وبشكل مباشر حتى على حياتهم الخاصة، حيث فرقت الحدود بين الأقارب، وحرمت الكثير من العلويين الذين كان معظمهم من الفلاحين المياومين من الكثير من فرص العمل، وانتشر العديد من النازحين القادمين من اسكندرون وسكنوا اللاذقية والقرى وحتى دمشق، وتحدث الجميع عن احتلال الاسكندرون “السوري” و”العربي”، وليس “العلوي”، وبدأت الدولة السورية تطالب بأراضيها في اسكندرون وتعتبرها محتلة.
في هذا الوقت كان المناخ السياسي الجديد، والفرص التعليمية الأكبر تدفع الطبقة الوسطى والأقل شأنا في سوريا للخوض في العمل السياسي، والتفكير في الوصول إلى السلطة، ومنافسة الملاك والطبقة العليا في المجتمع السوري، وبدأت وخاصة في عقد الثلاثينيات تتشكل الأحزاب والحركات السياسية خارج نطاق الثنائية المركزية دمشق_حلب متأثرة بالأفكار الاشتراكية والقومية، ورأى العلويون كغيرهم من أبناء الأقليات في الأحزاب والحركات السياسية فرصة تمنحهم التساوي مع باقي أبناء المجتمع، وتحولهم من علويين إلى سوريين أو عرب، وكثر الانضمام في الفترة الأولى من قبل الشباب العلوي إلى الحزب القومي السوري، و كذلك الانضمام لحزب البعث العربي الذي بات شبه منفرد بالساحة بعد اغتيال العقيد عدنان المالكي عام 1955.
الجزء الثاني : قراءة تاريخية في بنية نظام عائلة الأسد، وديناميات تكوينه (2)
| 22/06/2017
الرحلة إلى قمة الهرم، والرجل الذي قتل كل شركائه
عرض الجزء الأول من هذا الملف موجزاً سريعاً، عن تاريخ الطائفة العلوية، والواقع الذي كانت تعيشه إبان تشكل الدولة السورية، ودوافع النزعة الاستقلالية والوحدوية لها مع باقي السوريين، وسيتكلم هذا الجزء عن تكون حزب البعث العربي ورغبة الأقليات وعلى رأسهم العلويين في الانضمام إليه، وديناميات التكوين والصراع فيه، وفي إطار المجتمع والدولة والجيش السوري التي أدت إلى وصول الأسد لهرم السلطة.
عندما كانت سوريا ما تزال تحت سلطة الانتداب، عاد من فرنسا شابان دمشقيان بعد أن كانا قد درسا هناك، وتعرفا على النظريات القومية حالمين أن يطبقوها في بلادهم، وأسس المدرسان ميشيل عفلق وصلاح البيطار عام 1941 حركة الإحياء العربي، ومن ثم بدأت تصدر بياناتها باسم حركة البعث العربي منذ عام 1943، وكان من أهم الروافد التي مدت حزب البعث بالشباب العلوي المتحمس، قضية لواء اسكندرون، حيث انضم الكثير من مريدي زكي الأرسوزي، المناضل القومي ضد اجتزاء اللواء إلى حزب البعث العربي، وبات وهيب الغانم الذي كان له تأثير على شباب اللاذقية بشكل خاص، ممثلهم في المكتب التفنيذي، كأول قيادي علوي في حزب مقره دمشق، خارج نطاق ثنائية الكتلة الوطنية والكتلة الانتدابية.
الرافد الثاني للحزب بالشباب العلوي كان الجناح الثاني المكون لحزب البعث، والذي هو الحزب العربي الاشتراكي، الذي انطلق كحركة زراعية اشتراكية راديكالية، أسسها أكرم الحوراني تحت اسم حزب الشباب، وتوجهت بشكل حاسم للفلاحين عام 1943، وكان لا بد لشعارها “هاتوا القفه والكريك لنعش الآغا والبيك” أن يكون جاذباً لأبناء الطائفة العلوية، وخاصة أنها ترتكز على إيديولوجيا قومية تجعل من الكل مرة أخرى متساوياً بالعروبة، وكان لأكرم الحوراني دوراً مهماً في عسكرة حزب البعث لاحقاً لتشجيعه الشبان المنضمين لحركته، ومن ثم لحزب البعث العربي الاشتراكي بعد توحده عام 1951 للانخراط في القوات المسلحة.
أصبح حزب البعث في فترة الربيع الديمقراطي في سوريا 54_1958 قوة سياسية ظاهرة، دعمها تنامي الشعور القومي العربي بعد النكبة، والصعود الناري لجمال عبد الناصر في مصر، لينتهي الحزب على يد زعيم القومية العربية ناصر بعد شرطه حل الأحزاب أساسا للدخول في الوحدة عام 1958.
منذ ذلك العام ما عاد ممكناً دراسة تاريخ حزب البعث في سوريا والطائفة العلوية، بشكل منفصل عن بعضهما، لأن الأحداث اللاحقة جعلت كل منهما صاحب تأثير مباشر وواضح في المسار التاريخي للآخر، وهذا حتى عام 1970 حين بدأ حافظ الأسد، في استنزاف وقتل المسار التاريخي للاثنين ليبني على أشلائهما تاريخ نظام الأسد.
بسبب الوحدة، تم نقل العديد من ضباط الجيش السوري إلى الإقليم الجنوبي في مصر، ولعل الغاية الرئيسية من ذلك خشية عبد الناصر من الضباط السوريين الذي يطمح كل منهم لرئاسة سوريا منفرداً، وفي مصر حيث لم يكن هناك أهمية تذكر للضباط السوريين، تحول هذا السقم لدى الضباط البعثيين إلى حالة من الحقد على قيادات الحزب المدنية، التي وافقت على حل حزب البعث، وخاصة بعد فشل كثر من أعضاء الحزب السابقين في النجاح في انتخابات الاتحاد القومي الاشتراكي، وقرر مجموعة من الضباط إعادة تنظيم حزب البعث، وتشكلت في 1959 لجنة عسكرية لأجل ذلك كان من أعضائها مزيد هنيدي وعبد الغني علوش ومحمد عمران، وبرئاسة أعلاهم رتبة بشير صادق، وبعد إبعاد ثلاثة منهم عن الخدمة، تم ترميم اللجنة فأصبح أعضاؤها الرئيسيون ونواتها محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد العلويين، وعبد الكريم الجندي وأحمد المير الاسماعيليين، دون أن يكون هناك -كما يبدو- أي نية مسبقة، فيما يشبه التآمر على السنة أو الوصول للسلطة، وتوسعت اللجنة لاحقاً، لتضم أحمد سويداني ومصطفى طلاس السنة وسليم حاطوم وحمد عبيد الدروز، إلا أن الخمسة الأوائل باتوا هم الأقوى وأصحاب القرار، وعلى رأسهم صلاح جديد.
ظلت اللجنة العسكرية تعمل بصمت طيلة فترة الوحدة، ومن ثم وبعد عودتهم إلى سوريا بعد الانفصال 1961، حتى تمكنت من أن تقوم بعملية انقلابية على حكومة الانفصال في 8 آذار عام 1963، بالتحالف مع الناصريين في الجيش، وفي ذلك الحين كان أعضاء حزب البعث المدنيين في أقل مستوى لهم منذ تأسيسه حيث كان عددهم فقط 400 شخص، في مقابل عدد كبير من العسكريين الذين كانوا هم حزب البعث الجديد.
لم يكن انقلاب البعث في الجيش غريباً عن الحياة السياسية السورية، التي ليست سوى انقلاب يتلوه انقلاب، إلا أن اللجنة العسكرية حرصت على أن يكون هذا الانقلاب الأخير، فقامت بتسريح كل الضباط الانفصاليين، ومن ثم الناصريين، بعد أن تخطت خطوة الإحراج بالعودة للوحدة مع مصر -على اعتبار أنهم ضباط وحدويون انقلبوا على الانفصال- عن طريق محادثات باردة بين عبد الناصر وأعضاء من الحكومة السورية، التي لم يحضرها أحد من اللجنة العسكرية، سوى محمد عمران ولمرة واحدة، ولضمان عدم ظهور طموحات جديدة تم الاستغناء عن المئات من الضباط، وترسيم مدرسين وضباطاً احتياط بدلاً عنهم، وتعيين ضباط موالين للجنة العسكرية في قيادات القطع العسكرية الضاربة في الجيش، والقادرة على تنفيذ الانقلابات، وسعت اللجنة بقيادة صلاح جديد أن يتميز هؤلاء الضباط بالولاء المطلق لها، ولطبيعة العلاقات الزراعية التي تحكم حزب البعث منذ تأسيسه، بدأ قائد اللجنة العسكرية يعتمد على أبناء مناطقه وقراه _ الذين هم بطبيعة الحال علويون _ في التعيينات الحساسة لضمان ولائهم له، وكلما تم تصفية مجموعة من مجموعات الضباط، كلما زاد الوعي في ضرورة الولاء، والوعي في ضرورة تعيين العلويين.
في هذه الأثناء كان المفتاح الرئيسي لتعيين العلويين اليد اليمنى لصلاح جديد حافظ الأسد الذي بات قائداً للقوى الجوية قبل أن يصبح وزيراً للدفاع، وفي الفترة ما بين انقلاب آذار وحركة الأسد “التصحيحية” كان الأخير يسعى لفصل مساره عن مسار صلاح جديد بحذر شديد، دون أن يظهر أياً من ذلك في المراحل الأولى، لأنه لا يمكن أن ينافس صلاح جديد حينها لما يملكه الأخير من كاريزما لم ينجح الأسد في امتلاكها يوماً، ومكانته المهمة في اللجنة العسكرية ولدى البعثيين المدنيين، وخاصة اليساريين أمثال خالد وسامي الجندي وغيرهما، وثانياً لأن أي انشقاق مبكر عن جديد سيهدد في تفتيت قوة وطاقة العلويين داخل الجيش، تلك الكتلة التي ينوي الأسد أن يدجنها بالمطلق له مستقبلاً، إلا أنه عمل على العديد من التوازنات مع صلاح جديد، فراح يعين ضباطا موالين له بشكل شخصي في القطع الرئيسية، وسيطر بشكل تام عام 1966 على القوى الجوية، ومؤسسة الطيران المدني، واستغل تخلي الكتلة العسكرية الحورانية والديرية في الحزب عن صلاح جديد في المؤتمر القومي الاستثنائي التاسع عام ،1967 لينال دعمه في تسريح 160 ضابطاً على رأسهم أحمد سويداني رئيس الأركان، وتعيين مصطفى طلاس الذي لا ميزة له سوى ولائه للأسد، بدلاً عنه ليقوم بكل ما يلزم لنجاح الخطة.
وليوجد توازناً على الساحة الإقليمية سارع إلى دعم حركة فتح، التي أنشأت قاعدة لها في سوريا عام 1964، في مقابل دعم قوات الصاعقة المكونة من بعثيين فلسطينيين وسوريين من قبل القيادة القطرية، وبعد هزيمة 1967 اندفع الأسد مناصراً لجديد في تبني الحرب الشعبية الطويلة الأمد، ولكن سرعان ما تراجع عن ذلك متحدثاً عن تسوية اقليمية ومحلية، ولم يعد من الممكن إخفاء الصراع بين الأسد وجديد أكثر، وتجلى ذلك أثناء عقد المؤتمر القطري الرابع للحزب عام 1968، حيث تحالف أنصار محمد عمران الذي كان قد اختلف مع صلاح جديد وأنصار حافظ الأسد، ليسيطروا على المكتب العسكري للحزب، في حين كان أعضاء القيادة القطرية بكاملهم، إذا ما استثنينا الأسد وطلاس من أنصار جديد، وأعلن الأسد أنه “لا يعترف بهذه القيادة السياسية”، وبدأت مرحلة ازدواجية السلطة في الحزب، وظلت حتى جلسة استثنائية للمؤتمر الرابع في العام التالي، حاول الأسد إعاقتها بالقوة لكنه عدل عن الأمر لامتلاك صلاح جديد قوة عسكرية ضاربة إلى جانبه، تمثلت باللواء 70 مدرعات بقيادة عزت جديد، فنتج عن الجلسة قيادة جديدة تضم أنصار الأسد وجديد، ولكن وفي تشرين الأول من عام 1970 عزل الأسد عزت جديد عن قيادة اللواء، ونقله للأركان العامة، وفي أثناء ذلك الصراع كانت أزمة المقاومة الفلسطينية في الأردن قد اشتعلت في صراع دموي بين القوات الأردنية والمقاومة في أيلول الأسود 1970، وقرر صلاح جديد التدخل لصالح المقاومة الفلسطينية، ودخلت ألوية برية سورية الأردن على أن يغطيها سلاح الجو الذي لم يفعل ذلك، لأن أي نصر لصالح الفلسطينيين سيكون نصراً وتقوية لصلاح جديد، وقد جرى حديث عن اتصالات سرية بين الأسد ووصفي التل رئيس الوزراء الأردني حينها، وبعيداً عن ذلك كان الأسد قد قرر أن يطيح بالمقاومة الفلسطينية مقابل إضعاف خصمه في الوصول للسلطة.
دعت القيادة القطرية للحزب في سوريا للمؤتمر القومي الاستثنائي العاشر، لحزب البعث في نهاية تشرين الأول من 1970، الذي قرر تجريد الأسد وطلاس من رتبتهما العسكرية، لكن الأسد كان يجتمع في الوقت ذاته مع 500 ضابط في مقر القوى الجوية، ليقوم بانقلاب سريع على صلاح جديد ويضعه في السجن حتى مماته.
كان الأسد قد وضح شكل العلاقات البنيوية في نظامه قبل ذلك بثلاثة أعوام، حيث أن كثير من الضباط المهملين في نكسة حزيران الذين وقفوا في صفه قد كسبهم مقابل عدم محاسبتهم، وليؤطر بذلك شكل نظامه منذ البداية بنظام الخدمات الخاصة.
عندما استلم الأسد السلطة كان صلاح جديد في سجنه، في حين أرسل قبل فترة طويلة أحمد المير إلى إسبانيا سفيراً، عقوبة على خسارة الحرب باعتباره قائد جبهة الجولان حينها، وانتحر عبد الكريم الجندي بعد تضييق من رفعت الأسد، ولاحقا قُتل محمد عمران في طرابلس بتهمة التخطيط لانقلاب، وبذلك ظل حافظ الأسد الوريث الوحيد للجنة العسكرية، ولم يكتف بذلك، بل صدر في عام 1971 حكما بالإعدام على ميشيل عفلق، مؤسس الحزب وأمين الحافظ بتهمة الخيانة، وبذلك قضى الأسد على البعث المدني والعسكري معا، وبدأ ببناء نظامه الخاص.
رعد أطلي.