داء الصرع مرض ينتج عن خلل أو تليفات في أجزاء من الدماغ، أكثرها تأثراً هي منطقة الفص الصدغي
Temporal lobe.
وهناك عدة أسباب للصرع، منها ما هو وراثي أي ينتج عن خطأ في الجينات الوراثية، وهناك نوع ينتج من إصابه الدماغ في الحوادث
Head injury،
وهناك نوع ينتج عن أورام الدماغ مثل أورام الغشاء
Meningioma
أو أورام سرطانية، وهناك ما لا يُعرف سببه ويُقال عنه
Cryptogenic
أعراض الصرع عديدة ولكنها لا تظهر كلها في كل مريض. هناك من المرضى من يبدأ معه المرض بهلوسة قد تكون عن طريق أعصاب الأنف
Olfactory
فيشتم المريض روائح وهمية غير موجودة في محيطه وقت وقوع التشنجات. وهناك من تبدأ معه الهلوسة عن طريق العصب السمعي في الأذن فيسمع صلصلة كصلصلة الجرس أو يسمع أصواتاً لا وجود لها في الغرفة أو المكان الذي به المريض، ويخيل للمريض أن هناك شخصاً يتحدث إليه. بعض المرضى يرى أشخاصاً قد يعرفهم أو قد يكونون غرباء عنه بينما هؤلاء الأشخاص لا وجود لهم في المكان وقت حدوث التشنجات.
التشنجات قي تصيب الجسم كله وقد تكون محصورة في بعض العضلات مثل عضلات الفم أو الكتف أو عضلات العنق فتحدث للمريض حركات في الرأس والعنق. التشنجات التي تعم الجسم كله تستمر لفترة دقيقة أو أثنين، قد يعض المريض أثناءها لسانه وينزف من الفم، أو قد يتبول على نفسه. بعض المرضى تتأثر أعصابهم اللا إرادية
autonomic system
فيستمنى الرجل منهم مع التشنجات. وفي الغالب تصاحب التشنجات أعراض أخرى مثل تصبب العرق من الجسم، واحمرار الوجه، وازدياد ضربات القلب. بعض المرضى تختل لديه الصور فيرى الأشياء أكبر بكثير مما هي عليه أو أصغر بكثير.
بعد التشنجات ينام المريض أو يغفو لمدة قصيرة قد تكون في حدود عشر دقائق. وعندما يفيق قد تصيبه حالة من النسيان فينسى الأحداث التي سبقت التشنجات بقليل. بعض المرضى لا تحدث لديهم تشنجات وإنما يغيب المريض عن نفسه ومحيطه ويبحلق في الفضاء أمامه ولا يتحدث لمدة دقيقة أو دقيقتين، وفي هذه اللحظة قد يرى أشخاصاً أو أشكالاً أمامه، وفي الغالب يصيبه خوف شديد.
أول من وصف الصرع هو الطبيب الإغريقي جالينوس
Galen
(129-200ميلادية). وقد سماه المرض الإلهي لأن بعض المرضى كانوا يزعمون أنهم رأوا أو تحدثوا للآلهة وقت التشنجات. وهناك شخصيات معروفة في العصور القريبة قد عانوا من الصرع ووصفوا ما يحدث لهم، مثل الروائي الروسي دوستوفسكي مؤلف قصة الأخوة كرامازوف الذي وصف ما يحدث له وقارنه بما كان يحدث لقثم، وسوف أذكر ذلك في نهاية المقال.
وقثم خدع معاصرية وزعم أن الحالة التي تصيبه هي الوحي الذي يأتي به جبريل. يقول ابن القيم ” وقد ذكر العلماء للوحي كيفيات. إحداها: أن يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس كما في الصحيح. وفي مسند أحمد عن عبد الله بن عمر سألت النبي — هل تحس بالوحي فقال: أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلىّ إلا ظننت أن نفسي تقبض. قال الخطابي: والمراد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يثبته أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد. وقيل هو صوت خفق أجنحة الملك. والحكمة في تقدمه أن يُفرغ سمعه للوحي فلا يُبقى فيه مكاناً لغيره. وفي الصحيح أن هذه الحالة أشد حالات الوحي عليه. (الاتقان في علوم القرآن للسيوطي ص 50). قثم يسمع صلصلة الجرس ثم يصمت ويخاف حتى يظن أن نفسه سوف تُقبض. وفي بعض المرات يتشنج ثم يغط في نوم عميق. وهذا ما ذكرناه سابقاً (المريض يبحلق في الفضاء أمامه ولا يتحدث لمدة دقيقة أو دقيقتين، وفي هذه اللحظة قد يرى أشخاصاً أو أشكالاً أمامه ويصيبه خوف شديد). ويؤكد ابن القيم ذلك لكنه يقول إن الغرض من الصلصلة هو إفراغ سمع قثم من الأصوات الأخرى حتى يكون جاهزاً للوحي. كأنما السمع كالجراب تفرغه مما فيه لتملأه بحديث جبريل.
والصورة الثالثة للوحي كما يقول ابن القيم ( أن يأتيه في صورة الرجل فيكلمه كما في الصحيح وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول.) يقول السيد أحمد القاضي في الحوار المتمدن وتحت عنوان “لتغنموا بنات الأصفر”، يقول (النسائي وإبن حجر والطبراني يتفقون، على أن جبريل كان يظهر لمحمد بصورة الصحابي الشاب دحية الكلبي…فمن هو دحية الكلبي؟ …يتفق المحدثون، الذين اشرنا اليهم آنفآ، إنه كان أجمل شاب في المدينة كلها، حتى أن إبن قتيبة روى حديثآ منسوبآ إلى إبن عباس يقول:[ كان دحية إذا قدم ، لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه]…والمعصر هي المرأة التي أوشكت على الحيض، والمعنى أنه إذا قدم دحية خرجت كل النساء للنظر اليه وحتى المرأة التى بدأت تشعر بأعراض الحيض…..وكان دحية الكلبي مقرّبآ إلى محمد…وكلما سافر إلى الشام كان يحضر له شيئآ من أطاييب تلك البلاد) انتهى. أخرج ابن سعد عن عائشة قالت: كان رسول الله —- إذا نزل عليه الوحي يغط في نوم عميق ويتبرد وجهه: أي يتغير لونه ويجد برداً في ثناياه ويعرق حتى يتحدر منه مثل الجمان.” والتعرق الشديد من علامات الصرع.
وكان قثم يستمني في بعض الأوقات عندما يُصرع، تقول عائشة “يُخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن”. أي أنه يستمني. يقول البخاري ” وأما ما يتعلق ببعض الأمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض ، فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين ، قال : وقد قال بعض الناس إن المراد بالحديث أنه كان – — – يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن ، وهذا كثيرا ما يقع تخيله للإنسان في المنام (الاستحلام في المنام) فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة . قلت : وهذا قد ورد صريحا في رواية ابن عيينة في الباب الذي يلي هذا ولفظه ” حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ” وفي رواية الحميدي ” أنه يأتي أهله ولا يأتيهم “(صحيح البخاري، كتاب الطب، باب السحر، ج3، ص 238).
وفي مرة كان قثم يصلي في المسجد فتهيأ له أنه يرى الشيطان أمامه وبدا كأنه يتشاجر مع شخص أمامه وتفوه بكلماتٍ عديدة، ثم قال لأصحابه أنه رأي الشيطان أمامه فتغلب عليه وخنقه حتى سال لعابه وأراد أن يربطه إلى عمود بالمسجد حتى يراه الناس في الصباح ” وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي — قال” إن الشيطان عرض لي فشد عليّ ليقطع الصلاة عليّ فأمكنني الله منه فخنقته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول أخي سليمان :رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ، فرده الله خاسئا”. انتهى. وهذا نوع من الهلوسة التي تحدث لبعص مرضى الصرع
يقول الكاتب الروسي فيدور دوستوفيسكي، الذي عانى من الصرع “لا شك أن اللحظات الوجيزة من النشوة التي تحدث أثناء نوبة الصرع قد أقنعت محمد أنه يتصل مع الإله الذي يتحدث إليه. والنشوة الوجيزة هذه تشعره أنه في الجنة. الشخص المصروع يود أنه لو يستبدل كل حياته بلحظات النشوة تلك. محمد لم يكذب وإنما كان صادقاً في شعوره أنه مرسل من عند الإله
(LaPlante, Eve, Seized, p. 116.).
تجربة قثم الأولى مع الوحي في غار حراء لا تدع مجالاً للشك أنه كان يعاني من الصرع. يقول ابن كثير في تفسيره، ج9، ص 309-310): عندما خرج محمد من الغار رأى جبريل يسد عليه الأفق، وحين أدار وجهه إلى اليمين رآه، وحين أداره إلى اليسار رآه.
يقول الدكتور التركي ديدي كوركت
Dede Korkut
أستاذ علم الأعصاب وعلم النفس: لو كان الشكل الذي يقف أمام محمد جقيقةً فإنه إن أدار وجه جانباً فلن يرى الشكل، ولا بد أن تكون هناك علة في الفص الصدغي في دماغه تجعله يرى الشكل في كل الاتجاهات
(Korkut, Dede, Life Alert, The Medical Case of Muhammad, p. 55. )
أما الدكتور فرانك فريمان، أستاذ علم الأعصاب قال في دراسة موسعة عن حالة محمد العصبية في عام 1976، إن أقرب تشخيص لحالة الوحي عنده هو داء الصرع الناتج عن اختلال في الفص الصدغي
Freeman, Frank R., A Differential Diagnosis of the Inspirational Spells of Muhammad the Prophet of Islam, published in the journal Epilepsia, vol. 17:423-7 (Raven Press, New York, 1976).
وقثم كان يعرف أنه مصاب بالصرع، ولذلك عندما أتته امرأة مصابة بالصرع وطلبت منه أن يدعو الله أن يشفيها، كان يعلم أنه لا شفاء لها (من حديث عطاء بن أبى رباح، قال: قال ابنُ عباسٍ: ألاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِن أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قلتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَت النبىَّ — فقَالَتْ: إنِّى أُصْرَعُ، وَإنِّى أَتَكَشَّفُ؛ فَادْعُ الله لى، فقَالَ: ((إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ ولَكِ الجنَّةُ؛ وإنْ شِئْتِ دعوتُ اللهَ لكِ أن يُعافِيَكِ))، فقالت: أصبرُ. قالتْ: فإنى أتكشَّفُ، فَادعُ الله أن لا أتكشَّف، فدعا لها.) (الطب النبوي لابن القيم ص 50). لو كان الله يشفي من الصرع لشفى قثم نفسه، ولا شك أن المرأة ظلت تتكشف وقت التشنجات إلى أن ماتت.
فمن المؤكد أن قثم كان يعاني من المرض الإلهي (الصرع) الذي جعله يعتقد أنه في اتصال مع الله عن طريق الملك جبريل. وإذا كانت الحيلة قد انطلت على معاصريه الأميين في القرن السابع، فإن العقل يعجز أن يصدق أن هناك أكثر من مليار شخص (بعضهم أساتذة بالجامعات) في القرن الحادي والعشرين يؤمنون بأن قثم مرسلُ من إله السماء، الذي لا وجود له إلا في مخيلتهم الجمعية. ولعشتار في خلقها شؤون.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :