تتغلب غريزة البقاء في النفس البشرية على كل الغرائز الأخرى… و قتل النفس البشرية الأخرى حفاظا على غريزة البقاء وحماية النفس إحدى هذه الغرائز ويعفيها القانون من العقوبة.. ولكن أن ترتبط هذه الغريزة بقدرتها وبدم بارد خالي من الأحاسيس على قتل الأنثى فلا مبرر لها سوى ما اكتسبته هذه النفس البشرية من مبررات للتسلط والقهر والإستبداد من خلال رخص إلهية ضمنية ربطتها بثقافة القرون السابقة لتجعل منها ثقافة وتقبّلا مجتمعيا.. وهو ما ينطبق على كلمة “وإضربوهن ” التي إستغلها الرجل من خلال تقديسة للآية الإلهية “”واللائي تخافون نشوزهن إلى آخر الآية.. ومع أن هذه الآية تناقض آيات أخرى تحث على الرأفة بالمرأة إلا أن تباري فقهاء الدين في محاولة تجميلها وتغطيتها بالتقليل من قدرتها عل إعطاء الرجل حق الضرب…. بنوع الضرب ومدى قوته ومدى سمك العصا التي ’تضرب بها.. وأن لا يترك أثرا مكشوفا.. بدلا من تناسيها والتأكيد على الآيات الأخرى هو ما يضع الإنسان البسيط في حيرة من أمره بين التحليل والتحريم وحين يقوم بالعمل يتقبله المجتمع وحين تشتكي المرأة للسلطات يستهجن المجتمع وتبررها السلطات.
أضف إلى ذلك تغذية الثقافة المجتمعية بالعديد من الأحاديث التي تقلل من شأن المرأة.. وتتناقض مع قداسة النبوة وتناقض روح أي من الأديان ومن الجائز منطقيا وعقليا أن تكون أحاديث موضوعة…. خاصة وأن الأحاديث ’كتبت بعد موت النبي بأكثر من 300 سنة.
ولكن وفي موضوع قتل الشرف ليس هناك من آية محددة تؤكده أو تنفيه..
مقالتي هذه والتي هي نتيجة لبحث مطول عن الموضوع قد ’تلقي الضوء على الأسباب الرئيسية وراء إستمرار وتفشي هذه الظاهرة التي توصمنا بمنتهى العنف والقسوة واللا إنسانية خاصة وحين قتل بناتنا بدم بارد.. تحت عذر مسح العار بالدم.. كما يقول أحد الشعراء:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبـه الـدم
قضية جرائم الشرف أصبحت وفي المقام الأول “مشكلة ترتبط إرتباطا وثيقا بالفكر التسلطي عل المرأة والذي قننه الفقهاء في فقه الولاية على المرأة والذي أصبح جزءا من الثقافة المجتمعية ترتبط بالفكر الذكوري التسلطي الذي يفرض قيوده على المرأة ويحملها مسئوليات ’يعفي منها الرجل في ذات المواقف ولكنها وفي القرن الحادي والعشرين أصبحت فضيحة. ومشكلة قانونية”تتردد معظم الحكومات العربية من التعامل معها كجريمة متكاملة الأطراف خوفا من طبقات معينة في المجتمعات تتعاطف معها..وتعتبرها بمثابة حياة وسمعة تقدمها الأسرة للمجتمع ليصفح عنها وحتى لا تواجه عزلة إجتماعية منه.. وأيضا محافظة على طهارة نسبها حتى لا توصم بالعار.. نظرا لأهمية النسب في الدين.. حيث يؤكد الفقهاء أن “” من خصائص هذه الأمة هو الحرص على اتصال النسب وسلامة الانتساب وطهارة العِرض “”” وإرتبطت كلها بجسد الأنثى…وليس باخلاق الرجل.. وأي مخالفة من الأنثى لأي من ضوابط الدين المرتبط بالأعراف والقيم والأخلاق ’يعرّض العائلة كلها للتعيير مدى الحياة… وعدم مصاهرتها.
مما يجعل تقبّل مثل هذه الجرائم وغض النظر عنها والتستر عليها أمرآ مقبولآ بل وأحيانا كثيرة يحظى بتعاطف هذه الطبقة الفقيرة.
ولكن وفي هذا العصر هناك طبقة مثقفة جديدة بدأت تظهر في نفس هذه المجتمعات ترفضها وتشمئز منها… ولكن هذه الطبقة تعيش حياة مزدوجه ما بين الشرق والغرب مستسلمة إلى أنه لا أمل في التغيير.
معضلة الحكومات وعدم قدرتها على التخلص من الأعذار المخففة لمثل هذه الجرائم تستند إلى تأكيد علماء الدين بأن.
موضوع جرائم الشرف يتعارض مع الشريعة الإسلامية في ثلاثة مخالفات تعتبر من الكبائر وهي:
– القتل في مسالة لا يفترض أن يكون عقابها الشرعي القتل.
قد يكونوا محقين في ذلك ولكن ماذا نفعل حين نواجه بجريمة الزنا والقذف او حتى الشك التي تؤدي إلى جريمة قتل الشرف؟
فمثلا وفي حالة الزنى للمتزوجين.. يعتقد المجتمع أن المرأة قد تزني في أي مكان.. ويجب معاقبتها قضائيا وليس مجتمعيا في حال التلبس بجريمة الزنا.. بينما الرجل لا يوصم بالجريمة إلا إذا زنى عل فراش الزوجية وهنا برر له الشرع الزواج بشريكته لينجو من العقوبة..؟؟؟ ويتحايل المشرع هنا تحت بند الإصرار على أربعة شهود على أنه من المستحيل لأربعة شهود أن يروا رأي العين فعل الزنا.. ولكنة يؤكد القتل حين يقيم الحد في حالة الإعتراف والذي قد تقوم به الزوجة خوفا من عذاب الآخرة وعذاب القبر الذي بثه فقهاء الدين في نفسها.. وتخضع لعقوبة أكثر وحشية وأكثر فضيحة وعلانية حين ’يطبق عليها حد الرجم؟؟؟؟؟ وهو الحد الغير متفق عليه دينيآ ولكن معمول به بطريقة أو بأخرى فالقتل واحد ولكن الرجم هو الأشد تعذيبا؟؟؟ من هنا نجد بأن المفاهيم والقيم الدينية تقدم الغطاء لمثل هذه الجريمة ( قتل الشرف ) ويأتي القانون متوافقا معها ضمنيا.. وهو السبب الرئيسي لعدم تغيير مواد القانون المجحفة في هذه الجريمة..و’يقدّم أكبر حماية للجاني القاتل.
– حد القذف.
يقول فقهاء الدين بأن “”الشرف له ضوابطه الشرعية وأن الإسلام وضع ضوابط شديدة الوضوح لهذه القضية فلو جاء رجل واتهم امرأة فى شرفها، عليه أن يقسم 4 مرات كشهادة منه أما الفعل وهو الذى لابد من رؤيته حيث الشهادة فيه تتطلب 4 شهداء عدول ولا يتم أخذ شهادة الزوج إذا كذب أو ادعى على زوجته فعليه بالقسم 4 مرات والخامسة لعنه الله عليه، ( لينتظر إلى يوم القيامة )!
ماذا ولو إتهم شخص فتاة في شرفها إنتقاما منها لرفضها حبه أو علاقة معه أو حتى زواجها منه.. وجيء به لتأكيد الخبر.. وهو يعلم بالعقاب لنشره الشائعة؟؟ ألن يقوم كلاهما بالقسم خوفا على حياتهما متخذين من مبدأ التقية المعروف غطاء للحفاظ على حياتهما!
– الاعتداء على حق ولي الأمر في إقامة الحد.
يقول فقهاء الدين.. “” جرائم الشرف مبنية فى المقام الأول على الستر، لأن الكلام فيها وإظهارها يمس الشرف.. ولهذا كان من الأحكام الشرعية أن الإنسان رجلا كان أو امرأة لو ارتكب خطأ فإن عليه أن يتوب ويندم على ما فعل ويستر على نفسه، فلا يكلم احدا فيما فعل، وفى كتب السنة النبوية ما يبين هذا المعني، فعندما ذهب رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعترف أمامه بالزنا، قال له الرسول لعلك فعلت كذا، وقال له كلمات لعله يرجع عن إقراره بذلك الفعل، فلما أصر الرجل على اعترافه كان لزاما على الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينفذ حكم الله فأمر بمعاقبته “
ففي رأيهم أن الشريعة الإسلامية رسمت طريقا محددا لمن يرتكب هذه الجريمة، وذلك بان يقدم للقضاء لتحقيق العدالة وتحدد له العقوبة بعد التحقيق فى الجريمة، وعرضها على القضاء ويثبت فيها القاضى أنها وقعت بالفعل وانه لا شبهه فيه لأن الهدف الأساسى هو إشاعة الثقافة الإسلامية الصحيحة، ففى جرائم الشرف يكون الرجل هو القاضى والمنفذ فى الوقت نفسه، وهذا يتنافى مع أصول الشريعة الإسلامية، التي تترك المهمة للقضاء فقط لأنه المسئول عن ذلك، وهى دائما تكون من خلال الحاكم أو القضاء بعد التحقق من شروطها وأركانها ثم إصدار الحكم عليها وبالتالي فلا يجوز للرجل أن يقتل امرأته، بل عليه أن يرفع الأمر إلى الجهات القضائية المختصة.
وعندها تكون الفضيحة أكبر.. وعليه وتحت مبدأ الستر.. لا تتدخل الحكومة السعودية في حالات إختفاء البنات في الصحراء الشاسعة؟؟؟
بينما يقوم أفراد العائلة في الدول الإسلامية الأخرى بالإنتقام الفوري وتسليم أنفسهم للشرطة لأن القانون يعفيهم من العقوبة لأن الجريمة تمت تحت بند الحفاظ عل العرض وحماية الثقافة الإسلامية.
جرائم الشرف قد استفحلت في مجتمعنا بصفة مثيرة، وأصبحت ظاهرة غير ’مشرفه توصمنا بإنعدام العاطفة الإنسانية حتى مع أقرب أحبائنا.. قد يقول البعض بأن الدوافع النفسية والضغوطات الناجمة عن المشاكل الاجتماعية هي السبب.. ولكن وبناء على ما سبق أرى بأن الحق في الحفاظ عل العرض وطهارة النسب هي أهم الأسباب التي تجعل من المرأة الضحية لجرائم الشرف لأن ما يخل بنقائها يعتبر ليس فقط منافياً للقيم الأخلاقية السائدة في الجماعة وإنما هو كذلك إخلال منها بشرفها وعدوان على كرامة عائلتها بما يبيح لأي فرد فيها حق القصاص منها.. فبرغم أن آيتي.. “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُه جَهنَّمُ خَالِدًا فِيها وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْه وَلَعَنَه وَأَعَدَّ لَه عَذَابًا عَظِيمً “” ثم آية «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق»
فالحق هنا حسب تفسير الفقهاء هو إباحة القصاص ووجوبه إذا كان القتل لحق.. فالشريعة الإسلامية نصت على حق الإنسان فى الدفاع عن سمعته وسلامة عرضه وجعلته من المقاصد والقيم العليا، العرض)، وإحدى الضروريات الخمسة التي يحافظ عليها الإسلام، وهذه الضرورات هي (العقل، النفس، العرض، الدين، المال)
وبينما يؤكد علماء الفقه والدين بأن قتل المرأة بإسم الشرف أمر لا يقره الشرع.. إلا أن تأكيدهم بحق القتل حفاظا على العرض وأن القصاص الدنيوي واجب.. متخذين من حديث…. من رأى منكم منكرآ فليغيرة بيده.. غطاء دينيا ورخصة لأي من أفراد عائلتها حق القصاص… ليقوم بالجريمة فورا.. وبدل أن يلجأ وكما تنص أحكام الشريعة للقضاء… وبالتالي يتعرض لفضيحة تمس عرضه علانية في مجتمع يتعيّش على النميمة؟
’ترى ما هي الحلول التي تساعد في التخلص من وصمة مثل هذه الجريمة؟؟؟
حرية المرأة وإعطائها حقوقها لا يمكن أن تترسّخ بدون التخلص من مثل هذه الثقافة المجتمعية التي ’تحل قتلها تحت أي مبرر كان.. ولكن هذا التغيير الثقافي المجتمعي لا يمكن أن نبدأ بترسيخ جذوره بدون تضافر كل الجهود… بتطوير المناهج التعليمية لترتبط الحقوق بمواثيق الحقوق العالمية للمرأة وللرجل.. بدفن مفاهيم فقه النساء وفقه الولاية وتأكيد الحقوق الإنسانية للمرأة.. وحقها في الحياة.. وحقها بالكرامة.. أما مسألة التصرف بجسها فهي حرية شخصية بحتة.. وليس لأحد حق تملّكها أو التصرّف بها… أما مسئوليات فقهاء الدين إذا كانوا حقآ جادين بمسح هذه الوصمة فهي كبيرة تبدأ من عدم إعطاء رخصة القتل تحت أي تفسير أو مبرر..وحث الحكومات على تشريع قتل الشرف كجريمة كاملة.. فربما ويوما ما آمل أن لا يكون بعيدا تتغير الخريطة الإجتماعية.. إلى خريطة إنتاجية حين تتوفر فيها الأعمال لتقضي على البطالة ولتوفير لقمة عيش كريمة لتسد الأفواه الجائعة للحياة وللنميمة…. فربما حينها نستطيع أن نحد من ظاهرة العنف الأسري.. وجرائم الشرف!
منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية