لا زلت أذكر المناقشة الحادة التي حصلت بيني وبين أحد أقطاب الإخوان المسلمين في لندن حول زواج القاصرات ..حينما قال في معرض الدفاع عن زواج القاصرات . أنه لا يمكن المقارنة بين سرعة نضج جسد الفتاه التي تعيش في الشرق .. بما يؤهلها على القدرة على تحمُل الزواج .. بمثيلتها التي تعيش في الغرب في نفس العمر .. لأن إرتفاع درجة الحرارة في الشرق تساعد على نضج الجسم .( كأنما هي مجرد طبخه ستستوي ليتم إلتهامها ) . غير عابىء بنتيجة مثل هذا الزواج من حرمان الفتاة من التعليم ومن الصحة النفسية ومدى تأثير مثل هذا الزواج نظرا لعدم النضج على تربية جيل جديد ومجتمع سوي وحتى ُيعرضها للموت حين الولادة فلم يأخذه في الحسبان وليس مهما لأنها أنثى ؟؟؟ ..
والآن وللمرة الألف وللأسف لن تكون الأخيرة .. تفضح قصة الفتاة السودانية نورا حسين ذات التسعة عشرة عاما ( بعد مكوثها سجينة لأكثر من عامين) ُحكم عليها اوائل هذا الشهر بالإعدام شنقا ..
سيدي القارىء سآخذك معي في رحلة ملابسات القضية .. لتحكم بنفسك ..
إرغامها وخداعها في سن الخامسة عشره من قبل ولي أمرها “والدها ” على الزواج برغم رفضها التام ..
قيام الزوج بعملية إغتصابها بالقوة وبمساعدة أربعة رجال من أقاربة قاموا بتوثيقها اثنان منهم أمسكوا بيديها وإثنان بأرجلها قام الزوج بإغتصابها بالكامل ؟؟؟؟؟ وحين حاول إغتصابها مرة ثانية وبنفس مستوى العنف قامت بطعنه وقتله ؟؟؟
مدى العنف الذي تعرضت له في جروح قطعية وعضّات على جسدها .. وتحطم السرير ..؟؟
كلها تثبت بأن شيئا عنيفا تعرضت له هذه الطفله .. ولكن القاضي تقاعس عن إجراء التحقيقات اللازمة لكشف ملابست القضية وقال لمحامي الدفاع “” قال لي بصريح العبارة لن اسمح لك بالدفاع عن هذه البنت “” إضافة إلى أنه “” كان يضع كل العراقيل الممكنه امامي وبتعسف شديد , كان يريد أن يطبق النصوص وهو مقتنع تماما أن ما حدث ليس إغتصابا طالما كانت متزوجه “”
طالب المحامي بأن يتم عرضها على لجنة طبية تتكون من عدة إخصايين نفسانيين لإقتناعه بعدم سويتها وحاجتها للعلاج بعد تحطمها نفسيا .. لتقديم تقرير عن حالتها النفسية حين وقع الحادث وتأثيرة على قوتها العقلية خلال وقوع عملية الإغتصاب .. ولكن قامت المحكمة بالطلب من المتهمه بدفع تكاليف هذه المقابلات برغم أن مثل هذه اللجنة تتلقى رواتب اعضاؤها من الدولة .. وعلم الجميع بأن المتهمة مسجونة ولا تملك حتى مصروف قوتها حتى وإن برأتها المحكمة ؟؟؟؟ يؤكد التقاعس والتحايل وحرمانها من حقوقها القانونية ؟؟
إضافة لما سبق .. تعرضها للترهيب أثناء إعتقالها وخلال التحقيق معها من خلال إجراءات بوليسية قمعية ؟؟؟
وبعد كل الحقائق السابقة ُحكم عليها بالإعدام شنقا .. بما يفضح ويكشف عورة القضاء السوداني وإزدواجيته .. فوفقا للقانون السوداني يجب أن يتم الزواج أمام قاضي لأنها كانت أقل من 18 سنة ؟؟ وعلية فالمفروض ان الزواج برمته باطل بما يؤكد عملية الإغتصاب .. بينما أصر القاضي بأنها متزوجة حتى وهي قاصر وبالتالي نفي عملية الإغتصاب ؟؟
بأن المشرع حين يصدر الأحكام يأخذ في الحسبان وقائع الجريمة خاصة بأن ما قام به الزوج المقتول ُمستفز ومثير للغضب الذي يعمي البصر والبصيرة ولرد الفعل الإنفعالي ؟؟؟ فلماذا لم يأخذ القاضي بكل تلك الحقائق القانونية وحرمها من حقها في الدفاع عن نفسها ؟؟؟؟ لمجرد أنها زوجة ؟؟؟ طفلة زوجه ؟؟؟؟؟
نعم الحكم بالإعدام كشف عورات القضاء السوداني .. والقضاء في الدول العربية عموما ..
القضاء السوداني .. لا يمنع أو ُيجرّم زواج القاصرات .. وإن كان شرعيا ُمحدد بالسن القانوني .. إلا أنه معمول به في بقية الدول الإسلامية ُمتقبل مجتمعيا حتى وإن منعته الحكومات ولكنه لم ُيجرم في أي منها .. ليس لأنه عادة بقدر ماهو تيمنا وتقليدا لزواج النبي من عائشة ..
أن القضاء السوداني وفي كل الدول العربية لم ُينظم نصوص تحد أو تمنع الإغتصاب الزوجي بناء على الآية “”نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم “” ولم يصل لمرحلة من الإعتراف بالواقع المغاير لما كان معمولا به قبل 1400 سنه .. ولم يصل لمرحلة النضوج لتقبل وفتح باب الإجتهاد في النص ؟؟ بحيث أوصل المجتمعات إلى مرحلة من العجز عن التكفير بعقلانية وأبقى على الذكورية العنيفة التي لا ُترد كلمتها في المجتمع وفي القضاء ؟؟؟؟
هذا القضاء هو الذي أجرم في حق الزوج وقتله . .. هذا القضاء الذي أعطى الأب حق الولاية على طفلته بحيث أرغمها على الزواج من رجل بغير موافقتها ثم تخلى عنها ورفض الإدلاء بشهادته أمام المحكمة .. هذا الولي الذي هدد أنه وفي حال حضورة غصبا فإنه سيقول كلاما في غير صالحها .. هذا الولي الذي تركها وحدها وترك المنطقة التي يعيش فيها لتواجه وحيدة مستقبل بلا مستقبل ؟؟ هذا الولي الذي حتى وإن برأتها محكمة الإستئناف لاحقا قد لا ُتخرجها من السجن لعدم وجود ولي يتسلمها ؟؟؟؟ هذا القضاء الذي قضى على مستقبل وحياة طفلة ستحمل ألم الجريمة حتى وإن برأتها محكمة الإستئناف .. وكشف في ذات الوقت عورات المجتمع الذي يرضى ويتقبل مثل هذه الزيجات .. وفضح القاضي الذي أصّر على عدم وجود جريمة إغتصاب من الزوج طبقا للنص بما بيّن بما لا يدع مجالا للشك بأنه أصولي لا يختلف تفكيره عن تفكير أي داعشي ..
إنقسام المجتمع في حكمه عليها بين من يعتقد بأنها ضحية لزواج قسري .. وبين من ُيصّر بأنها مجرمة تستحق العقاب . ُيبيّن بوضوح مدى الإلتباس الإنساني والأخلاقي ما بين العادات والتقاليد وبين تغلغل الأفكار الدينية وتقبلها حتى وإن كانت غير معقولة ولا منطقية في مجتمع مشلول بالسلطة الدينية التي تنافت مع الرحمة التي هي المقصد الإلهي الأول …
ترى كم فتاة ستُجبر بعدها على الزواج بالإرغام سواء تحت السن القانوني أم بالغة لا يعترف القانون المرتبط بتفسيرات وتأويلات دينية تتنافى مع القيم الأخلاقية والإنسانية لا تعترف بأي من حقوقها ؟؟؟
أحلام أكرم