ماريا الشامي- سراج برس
توقّفنا في مقالٍ ماضٍ عن (المؤسّسة الدينيّة) عند محطّة “الدّعوة القُبيسيّة”، التي تدخل تحت جلبابها أكثر من /75,000/ من مُريدات هذا المنهج الدّيني حول سوريا؛ وكان أن وُسِمْن بالولاء والتبعيّة للنظام وإن لم يكُن ذلك برضا هذه الآلاف، لكنّ “قُبيسيّات” الصفّ الأوّل اللاتي لا تثنية لكلمتهنّ أوضَحْنَ حقيقة الموقف، عند حضورهنّ لقاءً مع (الأسد) جمع داعيات التّعليم الشرعي ومدرّسات الثانويات والمعاهد الشرعيّة بدمشق وريفها في كانون الأوّل /2012/؛ الأمر الذي كفِل ملْأ العَضُدَ النسائيّ الدينيّ الدّاعم للأسد.
رغم الابتعاد الوقائيّ.. تدخّلٌ خفيّ
يُعدّ الحِياد عن الحقل السياسيّ مبدأً “قُبيسيّاً” أساسيّاً، حمى التنظيم من أعتى رياح التغيير التي هبّت بالبلاد، إلّا أنّ لديهِنّ تأثيراً كبيراً لكن سرّياً صامتاً في الحياة السياسيّة، كتحصيل الأصوات الانتخابيّة وتسهيل سَيْر المعاملات ودعم أشخاصٍ بذاتهم، ولم يَشُذّ هذا التأثير عن بصمة النّظام الحاكم منذ عهد (الأسد الأب)، إذ اعتُبِر المفتي العام السابق (كفتارو) الأب الرّوحي لمؤسِسة التنظيم (مُنيرة القُبيسيّ)؛ كما حَظيَت الأخوات برعايةٍ معنويّةٍ وعَوْنٍ دينيٍ من الشيخ (البوطي)، علاوةً على الدّعم السياسيّ من قِبل الأجهزة الأمنيّة، التي تغُضّ الطَرْف عن تصيّدِهنّ للفتيات الصغيرات في جوامع دمشق وإدخالهِنّ في طاعة “الآنسة”؛ وتغطّي بحُجّة المناسبات الاجتماعيّة والخيريّة الحلقاتِ الدينيّة المُقامة في المنازل، رُغم كونها ممنوعةً، لِهذا اعتُبرَت (القُبيسيّات) “الظلّ النسائيّ” للإسلام المسيّس منذ عهد (الأسد الأب)، فهنَّ يعمَلْنَ منذ أربعين عاماً، ولو كان هناك من خِلافٍ لاتّضح وانتهى أمر التنظيم منذ عقدَين !!.
وعندما ظهر دعم “القُبيسيّات” واضحاً على طاولة (الأسد)، بادر الأخير لإيصال أيديهنّ إلى حكومته بشكل أكثر رسميّةٍ، عندما أصدر المرسوم رقم /88/ بتاريخ 12\3\2014، القاضي بتعيين “القُبيسيّة” (سلمى عيّاش) معاوناً لوزير الأوقاف (عبد الستّار السيّد)، كعاملةٍ من “الدرجة الأولى” تتقاضى أجر “سقف الفئة الأولى”، وربّما لم يكُن هذا التعيينُ التداخلَ الأوّل بين رؤوس “القُبيسيّات” ومسؤولي النّظام، إذ يضمّ التنظيم في داعيات صفّه الأول المدعوّة (أميرة جبريل)، شقيقة الأمين العام للجبهة الشعبية من القيادة العامّة (أحمد جبريل)، سلاح الأسد المُسلّط على اللاجئين الفلسطينيّين.
أزمةٌ واحدةٌ تعدّدت تفسيرات “فِقْهها“
وفي إفتاء الأزمة السوريّة وفلسفتها دينيّاً، جَهِدَت “القُبيسيّات” في إطلاق ما سمَّيْنَه (فقه الأزمة)، والذي طرحته (سلمى عيّاش) في كلمةٍ أثناء تعيينها، زاعمةً أنّه “لا توجد أزمةُ واقعيّةُ في صفوف داعيات سوريا، ومن شذّ منهنّ لا يتجاوزْنَ 2%”، لذا كان الحلّ بمواجهة الأخواتِ للأزمة السوريّة في إبعاد “القُبيسيّات” عن فوضى الأزمة، ودراستها ضمن ما أسمَتْه “دوراتٍ وقائيةً لا علاجيّةَ”؛ مُشِيدةً بعوامل تماسك التنظيم ونجاحه، والتي رأتْها (عيّاش) في نَقْل العمل الدعويّ النسائيّ من “منازل الضبابيّة والظلام إلى مساجد النور والضَبْط”؛ وإبقاء أيّ مساجد مهما كانت في أبعد نقطةٍ بمنطقةٍ نائيةٍ من الرّيف تحت أنظار وضوابط وزارة الأوقاف؛ أمّا النسبة القليلة من الخارجات عن التنظيم، فبرّرتها بأنّ استبعادهنّ كان لعزوفهنّ الشخصيّ عن الدعوة !!.
فيما أخذت وزارة الأوقاف منحىً مختلفاً في تفسيرها (فقه الأزمة)، وأدرجتها على موقعها الرسميّ في خانة الردّ على “المفاهيم التكفيريّة المتطرفة والفتاوى التحريضيّة، التي تخرج عن حقيقة مفاهيم الإسلام الوسطي المعتدل”، بل وابتعدت الوزارة في مسلكها هذا وأعدّت منهجها في (فقه الأزمة) ضمن سلسلةٍ من أجزاءٍ، أصدرتِ الأوّل والثاني منها بداية /2014/، وما بين سطور هذه الإصدارات نقرأ هجوماً على الفصائل الإسلاميّة المقاتِلة في صفوف المعارضة، وتخويناً لأيّ عالمٍ أو شيخٍ اعتلى منبر الثورة سابقاً.
وشطحت وزارة الأوقاف أكثر فأكثر !!.. عندما أصدرت مؤخّراً ما أسمته “الموسوعة الفكريّة للقائد بشّار الأسد”، ونفّذت قراراً بتوزيع هذا التفسير المستحدَث للأزمة على الشعب مجاناً، كمُلحَقٍ مع عدد صحيفة (الثورة) الحكوميّة الصادر يوم الجمعة 02.05.2014؛ تحت عنوان (عوامل نهضة الأمّة العربيّة والإسلاميّة)، يبثّ السموم التي طرحها (الأسد) في لقاءه مع المشايخ والآنسات يومَ 23.04.2014، متّخذاً منهم غطاءً لبرنامجه الانتخابيّ.
يبدو أنّ استعانة الأسد بالظلّ الشيعيّ الأسود في الحرب لم يكفل حِفْظ عرشه المُتَخلْخِل من رياح الثورة، فاتّجه الى (قبيسياته) اللواتي أُعددن ليوم كهذا .