لقد أشعلت قبلة مراهقي الناظور على الفايسبوك نقاشا عموميا حول مفهوم الحريات الفردية والعامة ومشروعية اعتقال هؤلاء القاصرين انطلاقا من تهمة تسمى ومنذ عقود حجرية ب “الإخلال بالحياء العام “
لاشك أن لمفهوم الحرية أبعاد متعددة تتم صياغتها على شكل مطالب سياسية أو اجتماعية حسب السقف المتعارف عليه من طرف القوى الفاعلة سواء كانت مدنية أم سياسية , ويتم الترافع حولها بأساليب حضارية وراقية خارج منطق الزجر والعقاب والإكراه الذي هو من سمات الأنظمة الاستبدادية ,
يبدو بأن التداعيات الكئيبة للقبلة الفايسبوكية ترتبط بشكوى إحدى الجمعيات التي دخلت المعترك الحقوقي بدون عدة مفاهيمية فوجدت في هذه القبلة الطائشة على إحدى صفحات الفايسبوك فرصة لاستعراض دورها المفترض في المرافعة الحقوقية واختارت من ضمن لائحة معيقات الحريات وما أكثرها هذا الموضوع “المثير ” والغريب على الحقل الحقوقي جملة وتفصيلا مما أدى إلى اعتقال القاصرين الثلاثة بسرعة البرق وإيداعهم مركز إعادة التربية لمجرد قبلة لا تشكل عمليا أي ضرر على الآخرين .
ومتى كان التعبير عن الحب مضرا أمام
الكم الهائل من أعمال العنف والاعتداء والكراهية التي يعج بها فضاؤنا العام
ولا من يحرك ساكنا ضدها ؟؟؟
وبالتالي فإن هذه الجهة التي جعلت من حبة “القبلة ” قبة جذبت اهتمام الرأي العام خصوصا منه عبر الشبكة أساءت لنفسها قبل أن تسيء لغيرها ,وسرعان ما تهاوت على رؤوس مدبريها لأن ما بني بدون أساس لا يصمد أمام أبسط العواصف .
لقد أبانت الجهة المشتكية عن عدم احترافية في رصد القضايا التي من المفروض أن تشكل موضوعا للمرافعة الحقوقية .وتحولت لموضوع للسخرية وحققت عكس ما أرادت فكان هناك تعاطف كبير مع المراهقين الثلاثة ،ضحايا هذا الاستنفار الحقوقي الغريب من نوعه
ذلك أننا نحن المغاربة لا نعيش على إيقاع الفكر الوهابي المظلم حتى تتحول قبلة شابين موضوعا للإثارة ,
نحن شعب راقي و واقعي ويميل إلى الاعتدال ,
وبالتالي ليس هناك قبول للمرور للمسطرة القصوى ،أي تحريك المحكمة والقضاء والتسبب في إحراج العائلات ووصمهم اجتماعيا والتسبب أيضا في اعتقال هؤلاء الشبان وحرمانهم بالتالي من “حقهم في الدراسة “
فلا يمكن معالجة ما نراه “مشكلا “بخلق مشاكل أكبر من المشكل الأولي
فباسم الأخلاق نمارس فعلا لا أخلاقيا من خلال ألحلق أضرار بالغة ب3 عائلات وثلاث شبان ,وكذلك بالمؤسسة التي تم فيها هذا السلوك وهناك حتما تداعيات متعددة ستتشعب انطلاقا من فعل بسيط كان يمكن معالجته بطريقة أخرى لو اقتضى الأمر ,
مما يظهر جهل هؤلاء بالعمل الحقوقي والتربوي والاجتماعي وبالتالي عدم أهليتهم لذلك قبل معرفة أبجديات هذا المجال والتباساته المختلفة ,
هذا إذا حسنت نيتهم فعلا ولم تكن لهم رهانات أكبر من هؤلاء المراهقين
ضحايا هذا الوصم المجاني ,
التطبيع مع مشاعر الحب :
علما أن هذا السلوك (التقبيل) لا يبدو جديدا أو معزولا عن سياقه المجتمعي العام
فالتعبير عن مشاعر الحب ولو بأساليب أخرى مثل شد اليدين وملامسة الأكتاف أضحى سلوكا متداولا في الفضاءات العامة ،نجده في الشوارع
العمومية بما فيها الشعبية وفي الغابات والحدائق والشواطيء نفاجأ بسلوكات أكثر مما ذكر خصوصا من طرف أولئك الذين يستعرضون رموز التدين كالحجاب واللحية ,,,وهنا المفارقة العجيبة حيث يجد هؤلاء الشباب الذين يراد لهم أن يتحولوا لملائكة متنفسا لهم في هذه الفضاءات بعيدا عن المراقبة الضيقة لأصحاب الخطابات الأخلاقية المبتورة ,
إذ ليس من الأخلاق في شيء أن ندين سلوكا ما بدون معرفة أسبابه وحيثياته ,,فالإدانة أسهل من البحث عن حلول تضمن لهذه الفئات المهمشة حق ممارسة إنسانيتها في شروط حميمية مثل كل الناس
ومنها حق السكن والشغل الذين بدونهما لن يتحقق شرط الزواج ثم العفة المتوخاة دينيا وأخلاقيا ومجتمعيا ,,,,,
وقد لا تتحقق كل هذه المطالب الشبابية في أقرب الآجال في سياق اقتصادي تزداد فيه البطالة وغلاء الأسعار والضغوطات الاجتماعية ,,,,,,وربما لذلك وتنفيسا عنها يتم توجيه الرأي العام حول أمور تافهة قد
لاتسمن و لا تغني من جوع , كقضية القبلة الفايسبوكية .
والسعي لشيطنة شباب ينفس عن مشاعره بما ملكت يداه وكأنه ارتكب جناية اختلاس المال العام أوالرشوة أو ماإلى ذلك من وجوه الفساد المتفشي التي لم تثر انتباه الجهة المدعية والحريصة على مصلحة المجتمع كما تدعي ,
وفوق هذا وذاك ،وتطبيقا للتوجيهات الأخلاقية لديننا الحنيف : فقد أمرنا الله بالستر ومن ستر أخاه ستره الله .
لم يكن هناك أي داعي لفضح شباب في مقتبل العمر في ردهات المحاكم لفعل ارتكبوه تحت ضغط التغيرات الفزيولوجية والقيمية التي يجتازها جيل جديد يتطلب مقاربة جديدة لقضاياه خارج منطق الإدانة والزجر والعقاب والتهويل وأساليب عجائز قرون مضت ,