علي نون المستقبل اللبنانية
لم يكن هناك في التاريخ الحديث من هو أشد حرصاً من بعض اشرس الطغاة والسفاحين والجلاوزة، على وضع القتل في سياق قانوني.. هناك سوسة تنخر في العقل الاجرامي وتجعل من صاحبه ضعيفاً أمام التعبيرات المجردّة للقانون رغم الاستباحة العارية لكل فضيلة انسانية قائمة او مفترضة.
كأن الخوف الدفين الكامن وراء كل ذلك الطغيان الدموي والمحرك الدافع له، لا يجد ترجمة مضحكة وهزلية إلاّ في استدعاء شيء من كتب العدل.. المسدس والعبوة الناسفة وآلة الحديد والنار والفتك السادي بالعنصر البشري، لا تكفي لتعويض نوازع الهلوسة والهستيريا عند هؤلاء المرضى.
ستالين كان سيداً في هذه العوارض والممارسات وخصوصاً عندما كان “يتعامل” مباشرة مع أحد ضحاياه: عندما قرّر التخلص من كارل رادك، رفيق عمره في القيادة الحزبية وصديقه العائلي وجاره داخل أروقة الكرملين وأحد أبرز المنظرين الاقتصاديين البلشفيين، طلب منه التوقيع على ورقة قانونية “يعترف” فيها بأنه عميل.. ومثله مثل الآلاف من القيادات والكوادر في الحزب والدولة والجيش، خضع قبل الفتك به لـ”محاكمة” هزلية سوداء لا مثيل لأدبياتها حتى في جحيم دانتي!
صدام حسين لم يتوقف كثيراً عند تلك الاشكال والصور. ولم يأبه في واقع الحال للكيفية التي يقضي فيها على من يشاء. واكتفى من الموضوع القضائي بتعليق صورة ضخمة له وهو في ثوب قاضٍ على الجدران الخارجية لوزارة العدل العراقية! الاسد الأب كان اقل مسرحة وبهرجة لكنه بدوره لم يلتفت الى المعطيات القانونية في حربه مع رفاقه وأخصامه وأعدائه. وبرغم ذلك، فان الاثنين، في بغداد ودمشق، أبديا ما يكفي من حرص على قوننة عمليات القتل والاغتيال والتنكيل والتعذيب والشحار والتعتير، وإلباسها اثواباً قانونية واضحة ونظيفة، لا تشوبها رقعة او خزقة واحدة!
في المحصلة الاخيرة، قضى ستالين “القانوني” على أكثر من عشرين مليون “مواطن” سوفياتي، قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها وبعدها. وعدد ضحايا “القاضي” صدام من العراقيين والعرب والأكراد وفي حربه مع ايران يُعدّ بمئات الألوف. وعدد ضحايا السلطة الاسدية مع الأب والابن يُقاس بعشرات الآلاف من السوريين واللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم.. والمذبحة المستمرة في طول سوريا وعرضها.
.. الرابط “الفكري” بين هؤلاء الطغاة واحد، وينطلق من تعويذة رئيسية: أحطّ أنواع القتل والفتك يجب ان يغلّف بأرقى نصوص العدل! كأن الممارسة البدائية المتشبّهة بالمناخ الافتراسي الحيواني وبغريزة الضواري، لا تكتمل الا بتغليفها بأرقى منتجات الضمير البشري، ما دامت عدالة السماء مؤجلة أو مطوية في عالم الغيب… تماماً، مثلما ان أحط حالات السيطرة السلطوية والممارسة المافيوزية يجب دائماً، ان تُغطى بشعارات مقدّسة وكبيرة وجليلة من نوع “الوحدة” و”الحرية”.. والمقاومة والممانعة!.
ماقل ودل بعد التحية والسلام …؟
١: نستنتج مما ذكرته أن مبارك فعلا هو مبارك لأنه لم يقنن العدل بسلطانه ؟
٢: والسؤال هل الرئيس مرسي لاسمح ألله مصاب بنفس جرثومة الحكام العرب ، مع ألأسف كل الدلائل تشير إلى ذالك إن لم يكن أكثر ؟
٣: والسؤال ألأهم لماذا يتصف حكام اليوم أيضا بنفس الغباء العربي رغم كل الوقائع المريرة ، هل هو وراثة جينية أو وراثة مكتسبة ، ولماذا لاينتهي بصاحبة إلا في كارثة ؟