نزكي لكي قراءة أيضاً: الهام مانع: لهذه الاسباب تم تكفيري واتهامي بالخروج عن الاسلام
“اقتلوه، فقد كفر”.
علت الحناجر زاعقة.
و فتاوى كالسيف إرتفعت تطالب بعنقه.
كَفرَ الرجل. يصرون وهم نافرون.
كفر شان تيسير. مثقف وناشط باكستاني.
وهو في الواقع لم يتوقع ردة فعلهم هذه.
يهدي معايدة محبة، فتلاحقه فتاوى كراهية.
لكنه من باكستان. بلد العجائب. فيها أصولية إسلامية متطرفة، تُفسر الإسلام كسيفٍ تنز منه دماءُ كل من لا يؤمن بدينها.
وإسلامٌ سياسي حط على قلوب من يؤمن بالإنسان كالكابوس.
وكانت رسالة صاحبنا رسالةَ محبة.
وبالأحرى أراد من خلالها أن يعبر عن تضامنه مع شريحة من بني وبنات وطنه، باكستان.
ضمنها في فيديو وضعه على قناة اليوتيوب في أعياد الكريسماس.
قال فيها التالي: “اعياد كريسماس سعيدة”. ثم أضاف: “في رسالة معايدة الكريسماس هذه، أطالب أبناء وطني أن يُصلون صلاة خاصة لكل من يعاني من التمييز الديني في باكستان”.
ثم عطف في نهاية رسالته إلى التذكير بواقع إمرأة باكستانية مسيحية آسيا بيبي، التي تواجه حكم الإعدام بتهمة إساءتها للرسول الكريم.
هذا هو نص رسالته.
لا أكثر ولا أقل.
الشقُ الأول من عبارته جملةٌ نقولها لبعضنا البعض في أوقات الأعياد، لأننا بشر، نبتهج بأفراح وأعياد أهلنا (أبناء وبنات وطننا) ونشاركهم/ن فيها.
أما الجزء الأخير منها فتقُال مراراً عند التذكير بأوضاع الأقليات الدينية واللادينية في بلداننا ذات الأغلبية المسلمة. أوضاعٌ مزرية كما تعلمون/تعلمن.
أيام قليلة مرت على وضع الفيديو على قناة اليوتيوب.
ثم عصفت ردود الفعل.
بدأت بقضية إزدراء أديان رُفعت عليه في محكمة في لاهور. ثم أصدرت حركة “لبيك يا رسول الله” المتطرفة فتوى دينية تقول فيها إن صاحبنا شان تيسير “تجاوز كل حدود التجديف والإساءة إلى الله والرسول”، وتدعو لذلك إلى “إباحة دمه وقتله”!
هل كفر الرجل في رسالته؟
اسأل السؤال رغم إدراكي وإصراري على أن من حق الإنسان أن يؤمن بما يريد، وأن يكفر بالدين، وأن ينتقد الدين، فهذا جزء من حق الإنسان في حرية الدين والعقيدة والتعبير. حق طبيعي لا جدال فيه.
رغم ذلك، فأني أنبه إلى غياب “الكفر” تحديداً من رسالته، كي أدلل على المغزى السياسي لكل ما يحدث.
فالرجل لم يقل أنه يكفر بالإسلام. ولو فعل لكان ذلك حقه.
كل ما فعله: أهدى رسالة معايدة إلى أبناء وبنات وطنه من المسيحيين، ثم نبه إلى واقع تمييز ديني بشع تعيش فيه الأقليات الدينية في باكستان، بما فيها الأقليات الدينية المسلمة الغير سنية، كالأقلية الأحمدية المسلمة على سبيل المثال.
ردود الفعل الهائجة المتشنجة الغاضبة من قوى باكستان الدينية المتطرفة ليست زوبعة في فنجان.
وشان تيسير أول من يعرف ذلك.
فوالده هو سلمان تيسير، حاكم إقليم البنجاب الذي قتله حارسه في عام 2011 لأنه دعا إلى إلغاء قوانين التجديف وازدراء الأديان في باكستان.
والده كان سياسيا شجاعا، جازف بحياته دفاعا عن مفهوم المواطنة الكاملة في بلده، لأنه كان يعرف جيداً أن قوانين التجديف وازدراء الأديان تستهدف دوما الأقليات الدينية وكل من يُفكرُ وهو حر.
شان تيسير يعرف أن المسألة ليست نكته.
فعند محاكمة قاتل والده قامت مظاهرات صاخبة عارمة، دعماً للقاتل!
بل إن القاتل كان يُرمى بالزهور والورود في قاعة المحكمة.
وباكستان نفسها أعلنت حالة تأهب قصوى عند تنفيذ حكم الإعدام في قاتل والده.
خافت من الوحش الذي رعته منذ نعومة أظافره. فانقلب السحر على الساحر.
ولذا اضطر شان تيسير وكل أفراد أسرته إلى الفرار من باكستان إلى كندا. حدث هذا بعد مقتل ابيه.
ليست زوبعة. ليست نكتة.
بل تدخل في صميم مفهوم المواطنة الكاملة.
وقوانين ازدراء الأديان في باكستان تعري واقع غياب المواطنة وتوحش قوى التطرف الديني والإسلام السياسي فيها.
ولأن القضية تعنينا جميعاً، أعود إلى باكستان في المقال المقبل.
فعندما تتحول معايدة محبة ودعوى حقوقية بقدرة قادر إلى قضية تجديف تسيء إلى الله ورسوله، َحقَ لنا أن نتمهل قليلاً في تفحص الوضع في باكستان والسرطان المتفشي فيها.
د. إلهام مانع