قاطعوا الحج هذا العام .. ولا داعي لتشييد المزيد من المساجد : ـ
” أعلنت الحكومة عن أسعار تكلفة الحج هذا العام وهي بالنسبة للحج عبر الجو 20 ألف جنيه . بالنسبة للحج عبر البحر 15 ألف جنيه ” .
فتخيل معي أن يبلغ الجنون والعته الجماعي بأُمة يتضور أكثر من ثلثيها جوعاً درجة أن يقوم البعض بدفع هذه المبالغ المهولة فقط لأجل أن يحوموا حول غرفة عملاقة سبع مرات ويُقَبِلُوا حجراً أسود اللون يُعتَقَد أنّه من الجنة !!! .
تخيل معي أن يبلغ الهوس بالبعض لدرجة أن يُؤْثِرُوا دفع هذه المبالغ الباهظة لممارسة طقوس مُسْتَمَدٌ معظمها من الممارسات الوثنية التي كانت سائدة آنذاك بالجزيرة العربية بدلاً عن صرفها لرفاهيتهم أو رفاهية أبنائهم فضلاً عن صرفها في أعمال الخير ومساعدة الغير !!! .
بغض النظر عن المحتوى الوجداني الذي يعتقد البعض أنّ الحج يتضمنه ، وبغض النظر عن أنّ الحج ركنٌ ركين من أركان الإسلام ، وبغض النظر عن مدى صدقية هذا الإعتقاد الذي لا يقوم على أيّ دليل خلاف اليقين القلبي أو سَمِّه الإيمان الغيبي الغير مدعوم بالبرهان العقلي ، بغض النظر عن كلِّ ذلك ، ألاّ تعتقدون أنّ اولويات ( العمل الخيري ) ليست في العبادة ( الطقوسية ) من صلاة وصوم وحج على أهميتها بالنسبة للمتدينين وإنّما أولوية العمل الخيري هو الإسهام في حياة الآخرين على نحوٍ إيجابي عبر تقديم المساعدة للمجتمع بتلك الأموال الطائلة التي تُدفع نظير الحج ؟
ألاّ تعتقدون أن الحج بهذه المبالغ الفاحشة في بلد يتضور أكثر من ثلثي سكانه جوعاً ويضم بين ربوعه ملايين المشردين بلا مأوى ، ضحايا الحروب والنزاعات الأهلية ، وملايين الفقراء بلا ماء أو طعام أو كساء يقيهم شر البأس والبرد، ألاّ تعتقدون أن الحج بهذه المبالغ في بلد الجوع والفقر والجهل فعل ينطوي على لا أخلاقية ونذالة ربّما حتى من المنظور الديني الغيبي ؟
ألاّ تعتقدون أنّ ديناً لاينظر لفعل كهذا ـ أي دفع الآف الجنيهات من أجل الحج وبشرٌ مثلك من لحمٍ ودم جوعى وفقراء ـ على أنّه فعل غير أخلاقي هو دين يستحيل أن يكون إلهي المصدر ؟
هل الثواب في الآخرة ـ إن سلّمنا بوجوده ـ يكون لمن يُبدِّد هذه الأموال من أجل قذف الحجارة على صرح حجري يشبه إلى حدٍ ما القضيب الذَكري ، أم أنّ الأجدر والأحق بالثواب هو من يقوم بالتبرع بهذه الأموال لدعم مسيرة البحث العلمي المُنعدمة ببلداننا ، أو حتى لشراء حواسيب لإحدى المدارس أو الجامعات بها ؟
أخي المسلم الحبيب : إنظر إلى أين ستذهب هذه الأموال التي تدفعها من أجل الهرولة أو المكوث بجبل طيلة نهارٍ كامل والتمتمة بتعاويذ تعتقد أنّ الله سيترك العالم كلّه لأجلها و ينصت لها ولقائلها . هل تعلم أنّ نصفها سيذهب للسعودية والنصف الآخر لحكومتك الطاغية ؟ هل تعلم أنّ هذه الأموال ستذهب إلى آل سعود ، لا ليلطاطون بها في لندن فحسب ـ كما فعل أحد الأمراء الذي أُلقي القبض عليه في لندن العام قبل المنصرم بعد أن قتل سائقه الذي كان يلتاط به ، وقد عُثِر في حاسوبه الشخصي على مقاطع فيديو ( حميمية ) تجمع بينهما ـ بل إنّ هذه المبالغ ستذهب كذلك لقتل الأبرياء في سورية إذ لا فرق بين قذائف بشار إيرانية الصنع والتي تنهال على المعارضيين السياسيين ، وبين قذائف جبهة النصرة سعودية / امريكية الصنع التي تنهال على المخالفين في الملِّة والمعتقد .
هل تعلم أيّها المسلم المسكين أنّ هذه الأموال التي تدفعها للحج قد تذهب لمساعدة آل سعود لشراء المزيد من الأسلحة من الغرب لينعشوا إقتصاده ( الكافر ) الذي يُعاني من أزمات إقتصادية طاحنة ؟
هل تعلم أنّهم ـ آل سعود ـ قد يشتروا بأموالك المزيد من الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي والمطاطي ليقمعوا دُعاة الحرية بالمناطق الشرقية بالسعودية وبالبحرين ؟
هل تعلم انها قد تذهب كذلك لهم ليستعينوا بها في نشر الفكر الوهابي بالعالم والإساءة أكثر وأكثر للإسلام وتقديمه للعالم بأكثر الصور دموية وبشاعة ؟.
هل تعلم أنّ جزء من هذه الأموال التي دفعتها للحج وأنت تبتغي رضى الرّب عنك ستذهب إلى حكومتك الظالمة التي صادرت حقِّك في التعليم والعلاج و العيش الكريم ، وحقك بالحرية وممارسة العمل السياسي الحر ؟
. هل تعلم أنّها ستذهب إلى الأنظمة التي صادرت أعز ما تملك ، صادرت إنسانيتك ؟.
مهما بلغت إستطاعتك للحج فإنّ مجرد وجود إنسان جائع أو مشرّد أو جاهل بحاجة للتعليم أو مريض بحاجة للعلاج فإنّ هذا يُجرِّدك من هذه الإستطاعة ، لو كنت الله وأتاني أحد الأثرياء من السودان يوم القيامة عارضاً حَجَّهُ لبيتي الحرام فإنّني سأأمُر ملائكتي بإدخاله أشد العذاب مع آل فرعون بالدرك الأسفل من النار ، وستكون تهمته أو خطيئته التي زجّت به بالنار هي الأنانية والبحث عن الخلاص الفردي ولو على حساب ملايين الأطفال الجوعي بالعالم المهدّدين بالإنقراض و الذين كانت ملايينه التي أنفقها بالحج لبيتي الحرآم كفيلة بإنقاذ بعضهم .
بل أذهب لأبعد من هذا وهو أنّ أيّ سلوكٍ أو رد فعل من الله خلاف فعلي هذا فهو يدل على أنّه ليس كما يزعم ( كلِّي الخير ) أو العدل.
نعم .. إنّها دعوة لمقاطعة الحج ، ليس هذا العام فقط ، ولكن إلى أن نقضي على الفقر والمرض والجهل والتخلف وكافة الظواهر السلبية من حروب وإبادات ودكتاتوريات وعنصرية ، ليس ببلادنا فقط ولكن بالعالم أجمع ، حينها فقط يمكن أن نعتبر حجّك لما تعتقد أنّه بيت الله سلوك شخصي لا ينطوي على شكل من أشكال الهوس أو الجنون أو النذالة والخسّة ..
ينسحب هذا الكلام أيضاً على دافعي التبرعات من أجل بناء المساجد ، ومن الطرائف المضحكة أن تجد المساجد ـ في بلد كالسودان يعاني من تخلف وتردي مستويات التعليم بمختلف مراحله ـ أكثر من المدارس ، وأن تجد المسجد يحتوي على مولد إحتياطي للكهرباء ولا تجد الكهرباء موجودة أصلاً ببعض المدارس ، وأن تجد المسجد مشيدا من طابقين كأجمل مايكون التشييد وجميع المنازل المجاورة له بالحي أو المدينة مبنية من الجالوص ( الطين ) ، وعندما تأتي الأمطار وتتهدم المنازل ويبقى المسجد هو المبنى الوحيد الذي لم يتعرض للإنهيار يُسارع رجال الدين بإدعاء أنّها معجزة سماوية !!!!رغم أنّ السبب في ذلك بديهي جداً يتمثل في أنّ التشييد المعماري للمبنى أحدث وأمتن من بقية المنازل المجاورة له .
عندما تُصبح الشعوذة مصل يُمزَج بحليب الامهات يُقِمْنّ به أصلاب أبنائهن ، وعندما تتحول الخرافات إلى حقائق يقينية لاتقبل النقاش لأنّ مؤسسات التنشئة التربوية أوحت لنا أنّ هناك مصادر اخرى للمعرفة غير العقل والتجربة ، وعندما تُصبح الغيبيات عِلم يُدَرّس في جامعاتنا تحت عناوين هراءات الحكمة من الطقوس التعبدية ، وعندما تُحتكر فضاءات الإعلام والتواصل وتُتَخَذ المنابر مطيّة لمخنثي الفكر والمعرفة من الشيوخ والدجالين ، وعندما يخون المثقف أمانة الواجب الأخلاقي ويُوظِف عبقرية نشاطه في التكريس لمصالحه ومطامعه الزعامية أو السلطوية المتماشية مع الخرافة والدجل ، وعندما تتكالب مؤسسات الإجرام المافيوي والقهر والإستغلال الطبقي تكالب الأكلة على قصعتها وتُحاصر كلّ محاولات الإصلاح الإجتماعي وتُوئَد كلّ مشاريع التحديث التي تتصادم مع مصالحها المتمثلة في المحافظة على هذا الجهل والتخلف والعته والجنون الديني .
حينها ستنقشع الغمامة وستبدوا لنا هرولة الشعوب للحج والمساجد والتعلق بالخرافات التي يُبددون فيها طاقاتهم للإنتاج أمرٌ أكثر من منطقي وفقاً لتِلكُم المعطيات .
ورغم ذلك تظل ضبابية الخيارات العلاجية لهذه الأدواء المستفحلة قائمةً مالم نُنقي حليب الأمهات من أمصال الشعوذة ، ونحارب المناهج الغبية الغيبية التي تجعل من الحج والطقوس التعبدية حِكَم سامية وأخلاقية ، ونعمل على فك إحتكار قنوات التواصل مع الناس وتحرير هذه القنوات من رجال الدين وكافة الإنتهازيين ، ونحاصر المثقفين الخونة من خلال تعريتهم أمام هؤلاء العامة البسطاء ..
الكفاح السياسي وبث الوعي العقلاني وإصلاح الأنظمة التعليمية المتخلفة ومحاربة الفساد وتجذير ثقافة الشفافية في المجتمع هي العناوين الأعرض التي يجب على المثقفين أن يُعَنْوِنُوا بها مشاريعهم الإصلاحية ، هذا أو ستستمر كارثة تبديد الثروات في الحج والمخدرات وتشييد المواخير الدينية والمساجد وغيرها من أوجه الصرف الخاطئة بسبب إختلال الأولويات الخيرية وإبتزال مفهوم الأخلاق ..
أمّا بالنسبة لهؤلاء المنافقين أو الواهمين على أحسن الفروض و الذين يحاولون أن يدّعوا وجود حكمة من هذا الجنون الجماعي الذي إسمه الحج فأقول لهم :
وآ حسرتاه على عقول تُرهف نفسها عنتا في إستخراج وإستصناع قيّم وحِكم ومقاصد إنسانية نبيلة من طقوس بدنية لا تنفع ولا تضر ، إمتدّت منذ عصور سحيقة أبرزها الوقوف طيلة نهارٍ كامل على جبل ، والطواف حول غرفة عملاقة ، والهرولة بجنون ، ورمي الحجارة على نصبٍ شديد الشبه بالقضيب الذكري .
يا هيبة العضلات الفكرية .
وياهيبة السواعد الفتية التي إستأسدت ( من الأسد ) وهي تقذف الشيطان الذي أبى السجود بكل كبرياء ، وإستنعمت ( من النعامة ) وبين ظهرانيها شياطين الإنس آل سعود الذين أدمنوا السجود للشيطان الاكبر ( امريكا ) . .