الملا أختر منصور، خليفة الملا عمر على رأس «طالبان»، استهدفته طائرة «درون» من دون طيار فور عودته من زيارة سرية إلى إيران، قد لا تكون الأولى، وربما سبقتها زيارات مماثلة. يقال إنه كان هناك في شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) للعلاج. هذه الاتصالات بررها الممثل الخاص للمجموعة الأوروبية في أفغانستان السفير فرانز مايكل ملبن بكشفه عن أن إيران تعمل مع «طالبان» على إقامة منطقة عازلة على حدودها مع أفغانستان لإبعاد «داعش» عنها: «فهي تريد تأمين حدودها البالغ طولها 527 ميلاً»، وتمتد المنطقة العازلة من مقاطعة هلمند في الجنوب حتى كوندوز في الشمال حيث لـ«طالبان» سيطرة على أجزاء كبيرة منهما.
على هذا التطور قال جون كيربي، الناطق باسم الخارجية الأميركية، إن بلاده تريد من إيران أن تعمل بشكل بناء مع الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي لدعم «استقرار وسيادة أراضي أفغانستان ووحدتها».
في حديثه إلى «الشرق الأوسط» ،(الخميس الماضي)، قال زلماي خليل زاد السفير الأميركي السابق لدى أفغانستان، إن إيران رفضت أن تسلم واشنطن جماعات «القاعدة» التي لجأت إليها.
أيضًا في بداية هذا العام وعلى التوالي نشرت «البناء»، وهي نشرة تابعة لـ«داعش»، شهادات أدلى بها «أبو عبيدة اللبناني»، وهو من أبرز قادة «القاعدة» انشق عن «التنظيم» لينضم إلى «داعش» بعد انقسام التنظيمين عام 2014. وفي أحد أعدادها سلّط «اللبناني» الضوء على علاقة «القاعدة» بإيران.
كان أبو عبيدة مسؤولاً أمنيًا كبيرًا داخل «القاعدة» في أفغانستان وباكستان، وبعد إبعاده عن هذا المنصب انضم إلى تنظيم أبو بكر البغدادي، وتحول إلى شوكة في خاصرة «القاعدة» وكشف عن تفاصيل لأعمال «التنظيم» الداخلية واتصالاته. ولكثرة ما في شهاداته من معلومات خطيرة، اضطر أحد عناصر «التنظيم» ويدعى «أبو كريمة الخراساني» إلى الرد.
في العدد 19 من «البناء» يُسأل أبو عبيدة كيف نجح في السفر من خراسان (باكستان وأفغانستان) إلى «دار الخلافة» في الرقة، بعدما اصطدم بقيادة «القاعدة». قال: القضية كانت سهلة، منسقون من «القاعدة» يشرفون على دخول الأعضاء إلى إيران. ويبقى «المسافرون» في بيوت ضيافة حتى انتهاء ترتيبات سفرهم إلى الشام. وأضاف: «يتم ذلك بعلم الحكومة الإيرانية، وتحت أعين أجهزة استخباراتها». ثم أكد: «لنشرح الأمر بمنتهى البساطة؛ إذ بمجرد أن يطأ (المسافر) عتبة (بيت الضيافة) تعرف الاستخبارات وصوله من خلال المشرفين على هذه الاستراحات. هؤلاء يلتقون رجال الاستخبارات الإيرانية أسبوعيًا، ثم إن كل الهواتف في هذه البيوت مراقبة وتحت سيطرة الإيرانيين». وبهذه الطريقة يقول أبو عبيدة: «أتممت الهجرة»، وقد طال بقاؤه في «بيت الضيافة» إلى أن استطاع منسقو «القاعدة» التأكيد أنه لن يسافر إلى «أرض الدولة الإسلامية» – «لكن هذا ما فعلته بالضبط» – ثم قال إنه هرب من الاستخبارات الإيرانية بعدما علمت بوجوده شخصيًا من خلال منسقي «بيوت الضيافة».
على هذه الشهادات رد تنظيم «القاعدة» وبشدة، وكتب، عبر الإنترنت، «أبو كريمة الخراساني» أن أبو عبيدة كان مسؤولاً أمنيًا في «القاعدة» لعدة أشهر فقط، قبل أن يتم طرده لأنه خدع قادة التنظيم، وقال خراساني إن محكمة الشريعة في التنظيم حكمت أن يعاقب بقسوة على جرائمه المزعومة. وكانت شهادة أبو عبيدة بأن «القاعدة» يعمل مع الاستخبارات الباكستانية أثارت الخراساني الذي رد بأن أول عملية للتنظيم في شبه القارة الهندية استهدفت مقر البحرية الباكستانية، لكن الخراساني لم ينف أن لـ«القاعدة» منازل آمنة في إيران، وقال لأبو عبيدة: من كان منزله من زجاج لا يرشق الناس بالحجارة، ثم طرح عدة تساؤلات، حيث كتب: أشار «اللبناني» إلى الاستخبارات الإيرانية، وإذا كان هذا صحيحًا فلماذا اعتمد للوصول إلى «داعش» الطريق التي تعتمدها هذه الاستخبارات، وكيف استطاع أن يتحرك بحرية في شوارع طهران. ثم توجه إلى «داعش» طالبًا: أن يقدم فتوى بشأن «زميلكم الذي جاءكم عن طريق الاستخبارات الإيرانية، بكامل معرفته وإرادته، ثم أعطونا كذلك فتوى حول حكمكم على (اللبناني) الذي جلس مع الاستخبارات الإيرانية قبل أن يهرب إليكم».
هدف الخراساني إلى زيادة الشكوك في «داعش»، لأنه يستقبل موالين نتيجة الصفقة بين «القاعدة» والإيرانيين التي تتعلق بسفر موالين ينضمون إلى صفوفه.
ويطرح الخراساني إشكالية حول ماضي «أبو عبيدة»، إذ ادعى أن «اللبناني» عضو سابق في تنظيم تدعمه إيران، وأنه قبل الانضمام إلى «القاعدة» أخفى هوية ذلك التنظيم: «الذي لا يخفي علاقته بإيران». لم يسمِ الخراساني التنظيم. وكتب أن «اللبناني» بعد إعطاء شهاداته لنشرة «البناء» ترك «داعش» بسبب خلافات مع رجال البغدادي.
في قائمة الإرهاب التي وضعتها الولايات المتحدة يندرج اسم شبكة تنظيم القاعدة داخل إيران، وهذا يعني أن شهادات «اللبناني» حول محور «القاعدة» في إيران أكدها مصدر مستقل (الحكومة الأميركية). فمنذ يوليو (تموز) 2010 ووزارة الخزانة الأميركية تستهدف مرارًا شبكة «القاعدة» التي تقدم التسهيلات داخل إيران، بفرض العقوبات على زعماء الشبكة الأساسيين. في 28 يوليو 2010 حددت وزارة الخزانة الأميركية 6 أعضاء من الشبكة، بينهم المتطرف الذي كان يشرف عليها آنذاك، ويدعى «ياسين السوري». وصنفت الوزارة السوري بأنه من القادة البارزين في «القاعدة» وهو يقيم في طهران لتسهيل شؤون التنظيم ويعمل في ظل اتفاق بين «القاعدة» والحكومة الإيرانية، ولاحقًا في عدة مناسبات كشفت الوزارة عن عدة جوانب من نشاط الشبكة.
الغريب في صفقة «إيران – (القاعدة)» هو أنهما على طرفي نقيض في سوريا وغيرها. ومع ذلك ووفقًا للحكومة الأميركية فإن قادة «القاعدة» استعملوا إيران لإرسال الأموال والمقاتلين من عدة دول إلى تركيا ومن ثم إلى سوريا. وهؤلاء كانوا ينضمون فور وصولهم إلى «جبهة النصرة» التي هي الفرع الرسمي لـ«القاعدة» في سوريا.
«النصرة» تقاتل لإسقاط النظام السوري، ورجال «القاعدة» يحاربون القوات الإيرانية والمكلفين من قبل إيران («حزب الله» وغيره) للقتال في سوريا. ويطرح هذا تساؤلاً مهمًا: لماذا تسمح إيران لـ«القاعدة» بمواصلة العمل داخلها عبر شبكتها رغم أن الاثنين في حالة حرب؟
«أبو عبيدة اللبناني» يعطي الجواب في إحدى شهاداته: «قد يكون مستغربا أن أقول إن إيران سمحت بمرور مقاتلين إلى الشام رغم أنهم سيقاتلون هناك جيشها والميليشيات التابعة لها وحلفاءها، لكن هذه هي الحقيقة، لأن قلق إيران الأكبر يكمن في ألا تقع عمليات فوق أراضيها»، وأضاف: ضمنت إيران ولاء «القاعدة» باستضافتها أغلبية قادة التنظيم في أراضيها، منهم مثلاً عطية عبد الرحمن الذي سمح له بحرية السفر. وشغل عبد الرحمن منصب رئيس الأركان لدى أسامة بن لادن، وقد قتل بطائرة «درون» من دون طيار في أغسطس (آب) 2011.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية أشارت قبل أسابيع من مقتل عبد الرحمن إلى أنه عمل سابقًا مبعوثًا لـ«القاعدة» في إيران، المنصب الذي سمح له بالسفر من وإلى إيران بإذن من المسؤولين الإيرانيين.
وأشار «اللبناني» إلى وجود سيف العدل وأبو محمد المصري داخل إيران. ويُذكر أنه في عام 2015 بادلتهما إيران بدبلوماسي إيراني كان خطفه تنظيم القاعدة في اليمن، ويقول: «اللبناني»، إن بعض قادة «القاعدة» يعدون الإيرانيين أصدقاء أو حلفاء في الحرب ضد أميركا، وتستفيد إيران من وجودهم لديها «لمضاعفة الضغط على أميركا وعلى حلفائها في الخليج».
في شهاداته يحكي «اللبناني» عن رفض «القاعدة» منهج «داعش»، وعن الأدوار والمحاولات التي قام بها أيمن الظواهري، إن كان في العراق أو في سوريا، والخلافات العميقة بين تنظيم القاعدة وفروعه مع «داعش» وفروعه.
يبقى الأهم تفسير الدور الإيراني في العلاقة مع «القاعدة» وإيصال مقاتليه إلى سوريا. قد تكون هناك أهداف كثيرة، لعل الأوضح فيها إطالة الحرب في سوريا لتدميرها واستنزاف المعارضة السورية ومن يدعمها.