Bassam Yousef
في عام 1989 كنا في سجن صيدنايا الطابق الثالث (أ يسار)، وفي أحد الأيام فوجئنا بأربعة عناصر من الشرطة العسكرية يمسكون ببطانية عسكرية من أطرافها الأربعة ويقتربون من جناحنا، وعندما وصلوا ووضعوا البطانية على الأرض اكتشفنا أن مابداخلها شخص هامد بلا أي حركة، ونحيل كأنه شبح ، فتحوا الباب وأمرونا بإدخاله الى داخل الجناح.
توقع أغلبنا أن يكون من رفاقنا، وقد يكون معتقلا منذ فترة طويلة تعرض خلالها لتعذيب شديد فوصل به الحال الى ماوصل.
باشر رفاقنا الأطباء والممرضين عملهم فورا، كان واضحا لهم أن الشخص الذي بين أيديهم يعاني من هزال شديد وبنيته ضعيفة جدا وغير قادر على الحركة فتم وضعه في مهجع الممرض الذي تكفل برعايته .
مرت أشهر والعلاج مستمر … نظام غذائي خاص به وعلاج فيزيائي لإعادة بعض القوة الى عضلاته الضامرة ومراقبة دائمة … كانت صحته تتحسن شيئا فشيئا وبدأت قصته الغامضة تنجلي لنا …
الشاب هو من درعا اسمه ” راتب” من عائلة المصري وهي عائلة معروفة بدرعا .. كان يدرس خارج سوريا، وكعادته في الصيف يأتي لزيارة أهله وفي المطار تم توقيفه بناء على تقرير من أحد المخبرين …
اعتقله فرع المخابرات الجوية .. وبعد فترة من اعتقاله تم نقله الى جهة مجهولة عرف فيما بعد أنها في منطقة أبو الشامات ، منشأة كاملة تحت الأرض يتم فيها إجراء تجارب الأسلحة الكيميائية والجرثومية على السجناء.
بالتأكيد لايخرج أحد حيا من مختبر الموت هذا، لكن يبدو أن علاقات والده وقدراته المالية تمكنت من الحصول على وعد برؤيته ( قيل أن المبلغ الذي دفعه والده ليراه فقط هو اربعة ملايين ليرة سورية أي ما يقارب حينها تسعين الف دولار) ، ومن أجل أن يراه والده كان عليهم أن يعيدوه من مختبر أبو الشامات، وأن يضعوه في سجن ريثما يسترد شيئا من عافيته.
بعد عدة أشهر استطاع “راتب” العودة الى الحياة، كانت العناية الطبية فيه ممتازة، وبدأ يستعيد قدراته العضلية، خطواته الأولى كانت حدثا بالغ الأهمية لنا..
بقي أن أقول شيئا مهماً أن راتب خرج من السجن قبل أن نخرج، وزار بيت الممرض الذي اعتنى فيه وتعرف الى عائلته .
“راتب” من الطائفة السنية و”محمد الصارم ” الممرض الذي عالجه فيزيائيا وحمله الى الحمام وبقي يسهر على كل ما يحتاج من الطائفة العلوية.
في سوريا ماهو أكبر من كل الطوائف ..في سوريا روح سورية اتسعت وتتسع للعالم كله، لاتقتلوا بقية الأمل في أن نستعيد سوريتنا وروحها.